الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإلحاد
1 -
معنى الإلحاد في اللغة:
قال الخليل: "..والرجل يلتحد إلى الشيء: يلجأ إليه ويميل، يقال: ألحد إليه ولحد إليه بلسانه أي مال، ويُقرأ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ} [النحل - 103] و {يَلْحَدون} . وألحد في الحرم، ولا يقال لحد إذا ترك القصد ومال إلى الظلم"1.
وقال الجوهري: "ألحد في دين الله، أي حاد عنه وعدل، ولحد لغة فيه. وقريء {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} [النحل - 103] ، والتحد مثله. وألحد الرجل أي ظلم في الحرم، وأصله من قوله - تعالى -: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج - 25] "2.
وقال ابن فارس: "اللام والحاء والدال أصل يدل على ميل عن استقامة، يقال: ألحد الرجل، إذا مال عن طريقة الحق والإيمان"3، واللحد الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت، لأنه قد أميل عن وسط إلى جانبه4.
وعلى هذا فلفظ الإلحاد في اللغة يعني الميل، والظلم، والعدول عن الاستقامة أو الدين أو الحق، وهو معناه في كتاب الله - تعالى -.
1 - العين 3/182 - 183.
2 -
الصحاح 2/534، وانظر: العين3/182 - 183، لسان العرب3/388 - 389.
3 -
معجم مقايس اللغة 5/236.
4 -
لسان العرب 3/388 - 389.
2 -
معنى الإلحاد في الشرع:
ورد لفظ الإلحاد في كتاب الله - تعالى -، قال عز وجل:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج - 25] كما ورد الفعل منه في قوله - تعالى -: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} [النحل - 103] . ومعنىالإلحاد هو الشرك والميل والتكذيب، يقول الطبري رحمه الله:"عن ابن عباس في قوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف - 180] قال: الإلحاد التكذيب، وقال آخرون: معنى ذلك يشركون"1.
ويذكر الطبري رحمه الله معنى الإلحاد فيقول: "الإلحاد في الدين وهو المعاندة بالعدول عنه والترك له"2.
وقال الراغب: "وألحد فلان مال عن الحق، والإلحاد ضربان: إلحاد إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب، فالأول ينافي الإيمان ويبطله، والثاني: يوهن عراه ولا يبطله"3.
فلفظ الإلحاد يقتضى ميلاً عن شيء إلى شيء بباطل4.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في تعريف الإلحاد في أسماء الله: "والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها"5، وقال أيضاً في بيان معنى هذا اللفظ:"الإلحاد في أسماء الله تارة يكون بجحد معانيها وحقائقها، وتارة يكون بإنكار المسمى بها، وتارة يكون بالتشريك بينه وبين غيره فيها"6.
وشرح هذا التعريف يكون ببيان أنواع الإلحاد في أسماء الله، فالإلحاد في أسمائه - تعالى - أنواع:
أحدها: أن تسمى الأصنام بها، كتسميتهم اللات من الإلهية، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهاً، وهذا إلحاد حقيقة، فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم، وآلهتهم الباطلة.
1 - تفسير الطبري 9/134.
2 -
المرجع السابق 15/233.
3 -
المفردات ص737.
4 -
انظر: مجموع الفتاوى12/124.
5 -
بدائع الفوائد1/169.
6 -
الصواعق المرسلة1/217.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية الفلاسفة له موجباً بذاته، أو علة فاعلة بالطبع، ونحو ذلك.
وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص؛ كقول أخبث اليهود إنه فقير، وقولهم إنه استراح بعد أن خلق خلقه.
ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني.
وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه - تعالى الله عما يقول المشبهون علواً كبيراً - 1.فهذا كله من الإلحاد في أسمائه - سبحانه -.
3 -
الإلحاد المعاصر:
الإلحاد المصطلح عليه في هذا العصر يعني إنكار وجود الله، والقول بأن الكون وجد بلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية، واعتبار تغيرات الكون قد تمت بالمصادفة، أو بمقتضى طبيعة المادة وقوانينها، واعتبار ظاهرة الحياة، وما تستتبع من شعور وفكر عند الإنسان، من أثر التطور الذاتي في المادة2.
ولم يكن الإلحاد في التاريخ الإنساني ظاهرة بارزة، ذات تجمع بشري، أو مذهباً مدعماً بمنظمات ودول، وإنما كان ظاهرة فردية شاذة، وربما اجتمع عليه فئات قليلة، وانتشر الإلحاد منذ القرن التاسع عشر، حيث صيغت العلوم الإنسانية، وجذور العلوم البحتة، على أسس الإلحاد بالله، والتفسيرات المادية3، وانتشر انتشاراً لا سابق له في الجاهليات القديمة.
إلا أنه في أواخر القرن العشرين، وبداية الحادي والعشرين، عمت موجة من التدين في الأوساط الغربية الملحدة، وشهد العالم سقوط الشيوعية، ثم بدأنا نشاهد عودة مايسمى باليمين المسيحي المتطرف، كل ذلك بعد أن ذاقوا ويلات البعد عن الدين، والعيش في ظلمة
1 - انظر: بدائع الفوائد1/169 - 170، مدارج السالكين1/29 - 30، المفردات ص737.
2 -
كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة للأستاذ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ص 409، وانظر: مذاهب فكرية معاصرة للأستاذ محمد قطب ص605، الموسوعة الفلسفية ص426.
3 -
انظر: كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص411.
الإلحاد. إلا أن هذا لم يعني نهاية الإلحاد، بل قد بقي الإلحاد متغلغلاً في تلك الأوساط، مرتدياً عباءة العلم، والحضارة.
4 -
أئمة ومذاهب فكرية إلحادية:
أئمة الإلحاد من الفلاسفة كثيرون، منذ عهد الإغريق، حتى عصرنا الحاضر، وهم الذين كانت لهم آراء ظاهرة، حاولوا فيها تفسير الوجود، والكون، وظاهراته، والتغيرات التي تجري فيه، تفسيرات تستبعد استبعاداً كلياً فكرة وجود خالق، ومن هؤلاء:
1 -
ديموقريطس، وهو فيلسوف إغريقي "470 - 361ق. م".
2 -
أبيقور، وهو فيلسوف إغريقي "341 - 270ق. م".
3 -
توماس هوبز، فيلسوف إنجليزي، وهو أول الماديين المحدثين "1588 - 1679م".
4 -
دافيد هيوم، فيلسوف اسكتلندي "1711 - 1776م".
5 -
شوبنهور، فيلسوف ألماني "1788 - 1860م".
6 -
كارل ماركس، يهودي ألماني مؤسس الشيوعية "1818 - 1883م".
7 -
بخنر، فيلسوف ألماني "1824 - 1899م".
8 -
نيتشة، فيلسوف ألماني "1844 - 1900م".
9 -
سبنسر، فيلسوف إنجليزي "1820 - 1903م".
10 -
برتراند رسل، فيلسوف إنجليزي "1873 - 1970م"1.
أما المذاهب التي بنيت على الإلحاد فمنها:
أولاً: الشيوعية:
الشيوعية مذهب اقتصادي اجتماعي، وضع له أساس اعتقادي فكري، قائم على إنكار وجود رب خالق لهذا الكون، وأن المادة هي كل الوجود، وأن أحداثها، وتغيراتها، مع أحداث التاريخ الإنساني، تخضع لقانون جبري مزعوم في المادة، على أنها صفة من صفاته الذاتية، أساسه فكرة فلسفية عنوانها "المادية الجدلية". والمذهب الاقتصادي وهو الاشتراكية
1 - انظر: كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص419 - 420، قصة الفلسفة تأليف ول ديورانت ص388 وما بعدها، قضية العناية والمصادفة في الفكر الغربي للدكتورة سارة بنت عبد المحسن ص37وما بعدها، ص173وما بعدها، ص763وما بعدها.
العلمية، أو الشيوعية، يقوم على إلغاء الملكية الفردية إلغاءً كاملاً، وتطبيق القاعدة "من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته"10
- المادية الجدلية:
الجدلية، أو "الديالكتيك"، مأخوذة من الكلمة اليونانية "دياليغو"، ومعناها المجادلة والمناظرة. ثم صارت مصطلحاً علمياً عند فلاسفة الإغريق، يدل على حركة التغير والتطور الملاحظة في أشياء هذا الكون، وكأن عناصر الكون تتجادل فيما بينها في حركة دائمة2.
ويضيف الفيلسوف الألماني هيجل على ذلك تصوراً خاصاً لهذه الحركة الدائمة في الكون، حتى ظن هذا التصور قانوناً ثابتاً، تخضع له العمليات المنطقية الفكرية، وعمليات الكون، وحركة التاريخ الإنساني، لكنه اعتبر هذا القانون نظاماً للقوة الغيبية، المهيمنة على الكون والمتصرفة فيه.
أما التصور الذي رآه هيجل فهو أن الحركة الجدلية تكون في المطلق تصوره، وهو الذات الكلية التي تنتظم كل شيء، وكل الأشياء إنما هي تطور ونمو جدلي لهذه الذات الكلية، وأن حركة التغير تكون وفق دورات لولبية صاعدة، كل دورة على ثلاث مراحل، هي الوضع الأول، ثم انقلابه إلى نقيضه، ثم مركب الوضع ونقيضه بعد توحدهما بسقوط التناقض بينهما، وارتفاعهما بهذا التوحد إلى ما هو أسمى من الوضع ونقيضه.
وهكذا دواليك تتكرر حركة الجدلية، فيكون في الأشياء كلها تطور. وهيجل من فئة المثاليين الذين يؤمنون بالغيبي المجرد من الحسيات، لا من فئة الماديين، إلا أن كارل ماركس حذف من جدلية هيجل نظرتها المثالية المرتبطة بالله، وأضاف إليها نظرته المادية ليصبح مذهبه الفلسفي "المادية الجدلية"3.
1 - انظر: كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص439 - 440، مذاهب فكرية معاصرة ص260، المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا ص1/715، الموسوعة الفلسفية للدكتور عبد المنعم الحفني ص269، المعجم الفلسفي إعداد مجمع اللغة العربية ص104.
2 -
انظر: كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص540 - 541، الموسوعة الفلسفية للدكتور عبد المنعم الحفني ص153 - 154.
3 -
انظر: كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص540 - 545، بتصرف، الموسوعة الفلسفية للدكتور عبد المنعم الحفني ص153 - 154، المعجم الفلسفي، مجمع اللغة ص164.
ثانياً: الداروينية:
الداروينية نسبة إلى تشارلز داروين "1808 - 1882م" الباحث الإنجليزي، مؤلف كتاب أصل الأنواع. وهو مذهب التحول أو التبدل، ويتلخص في أن الكائنات الحية في تطور دائم على أساس من الانتخاب الطبيعي، وبقاء الأصلح، فتنشأ الأنواع بعضها من بعض، ولاسيما النوع الإنساني الذي انحدر عن أنواع حيوانية1.
وهو ينفي يد الله من عملية الخلق كله، ويقرر أن الحياة وجدت على الأرض بالصدفة، في ظروف معينة. ومن مقولات داروين:"إن الطبيعة تخلق كل شيء، ولا حد لقدرتها على الخلق"، كما قال:"إن الطبيعة تخبط خبط عشواء"2.
ثالثاً: الوجودية:
مذهب يقوم على إبراز قيمة الوجود الفردي، وخصائصه وجعله سابقاً على الماهية، فهو ينظر إلى الإنسان على أنه وجود لا ماهية، وأن الإنسان مطلق الحرية في الاختيار، يصنع نفسه بنفسه، ويملأ الوجود على النحو الذي يلائمه3.
ويرى سارتر - وهو من رواد الوجودية الإلحادية - أن قوله: "الإنسان حر" مرادف لقوله: "إن الله غير موجود"، لأن وجود الإنسان لا يخضع لماهية، أو طبيعة محددة، بل هو إمكان مستمر على الإنسان أن يحققه، فليس هناك طبيعة بشرية فرضت من الأزل، وليس الإنسان إلا ما يختاره لنفسه4.
رابعاً - المذهب العقلي:
العقلانية أو المذهب العقلي هو القول إن المعرفة تنشأ عن المباديء العقلية القبلية والضرورية، لا عن التجارب الحسية، لأن هذه التجارب لا تفيد علماً كلياً.
1 - انظر: كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص317 - 318، المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية ص83، المعجم الفلسفي للدكتور صليبا 1/556، الموسوعة الفلسفية للدكتور الحفني ص177 - 178، مذاهب فكرية معاصرة ص93 - 94، العلمانية للدكتور سفر الحوالي ص177 - 206.
2 -
انظر: مذاهب فكرية معاصرة ص 94، 95.
3 -
انظر: المعجم الفلسفي للدكتور صليبا 2/565، المعجم الفلسفي لمجمع اللغة ص211، كواشف زيوف ص361 - 364.
4 -
انظر: كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص 364، الموسوعة الفلسفية للدكتور الحفني ص525.
كما يطلق على الإيمان بالعقل وبقدرته على إدراك الحقيقة، وذلك لأن قوانين العقل مطابقة لقوانين الأشياء الخارجية، وأن كل موجود معقول، وكل معقول موجود، والعقل قادر على الإحاطة بكل شيء دون عون خارجي يأتيه من القلب أو الغريزة أو الدين1.
فهو منهج فكري يعتمد أحكام العقل، من غير الاستناد إلى الدين أو التجربة، فكل ما يحيط بنا مردود إلى مبادىء عقلية.
خامساً - العلمانية:
بعد تيار العقلانية، جاءت النهضة العلمية الغربية المعاصرة، حيث ساد المذهب الحسي التجريبي، وكشفت التجارب التطبيقية كثيراً من الأغاليط التي كانت في المرحلة السابقة من ثمرات المذهب العقلي. فكانت العلمانية هي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل، ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين2.
ولفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة Secularism في الإنجليزية، وهي كلمة لاصلة لها بلفظ العلم ومشتقاته على الإطلاق، والترجمة الصحيحة للكلمة هي اللادينية، أو الدنيوية، وهو ما لا صلة له بالدين، أو ماكانت علاقته بالدين علاقة تضاد3.
ويبين معجم أكسفورد معنى كلمة " Secularism " فيقول: " Secularism الاعتقاد بأن القوانين، والتعليم، وغيرها من الأنظمة، يجب أن تبنى على الحقائق والعلم بدلاً عن الدين.
Secular 1 - ليس مهتماً بالشؤون لا الروحية ولا الدينية لهذا العالم، التعليم اللاديني، الفن والموسيقى اللاديني، القوى اللادينية للدولة.
2 -
لا ينتمي إلى مجتمع العُباَّد."4.
فالعلمانية منهج للحياة لا يعترف بالدين، ولا يؤمن بما وراء الحياة الدنيا.
1 - انظر: المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا 2/90 - 91، المعجم الفلسفي لمجمع اللغة ص178.
2 -
انظر: كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص161، بتصرف. الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة 2/679، مذاهب فكرية معاصرة ص 445.
3 -
انظر: العلمانية للدكتور سفر الحوالي ص21.
4 -
Oxford Advanced Learner’s Dic. Of current English: p.1062