الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكشف
1 -
معنى الكشف في اللغة:
قال الخليل: "الكشف رفعك شيئاً عما يواريه ويغطيه، كرفع الغطاء على الشيء"1.
وفي الصحاح: "وكاشفه بالعداوة، أي بادأه بها"2.
وقال ابن دريد: "كشفت الشيء أكشفه كشفاً إذا أظهرته، وأبديته"3.
"وكشف الأمر يكشف كشفاً أظهره"4. والأكشف الذي لا ترس معه في الحرب5.
فالكشف إذاً يعني الإظهار، ورفع الغطاء والحجاب.
2 -
معنى الكشف في اصطلاح الصوفية:
جاء تعريف المكاشفة في اصطلاحات الصوفية بأنها: "شهود الأعيان وما فيها من الأحوال في عين الحق، فهو التحقيق الصحيح بمطالعة تجليات الأسماء الإلهية"6.
وقال الجرجاني: "الكشف في اللغة رفع الحجاب، وفي الاصطلاح هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية، والأمور الحقيقية وجوداً وشهوداً "7.
والكشف طريق المعرفة عند الصوفية، وهو حاكم على الوحي عندهم، بل قال الغزالي إنه لا يستدل بالسمع على شيء من العلم الخبري، وإنما الإنسان يعرف الحق بنور إلهي، يقذف في قلبه، ثم يعرض الوارد في السمع عليه، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أولوه8، بل زادت طائفة أخرى على ذلك فادعوا أنهم يعلمون إما بالكشف وإما
1 - العين 5/297، وانظر: تهذيب اللغة 10/26، لسان العرب 9/300
2 -
الصحاح 4/1421.
3 -
جمهرة اللغةلابن دريد 3/65.
4 -
لسان العرب 9/300.
5 -
تهذيب اللغة للأزهري 10/27.
6 -
اصطلاحات الصوفية ص 201.
7 -
التعريفات ص235، وانظر: التوقيف ص604.
8 -
انظر: إحياء علوم الدين 1/180.
بالعقل الحقائق التي أخبر بها الرسول أكمل من علمه بها1، وهو ما يصرح به مشايخ الاتحادية. وكثير منهم يدعي الكشف والشهود لما يخبرون عنه، وأن تحققهم لا يوجد بالنظر والقياس والبحث، وإنما هو شهود الحقائق وكشفها، ويقولون: ثبت عندنا بالكشف ما يناقض صريح العقل2.
والكشف يقابله الإشراق عند السهروردي3، والإشراق عنده هو ظهور الأنوار العقلية، ولمعانها وفيضانها على الأنفس الكاملة، عند التجرد عن المواد الجسمية4.
وعرفه أيضاً بأنه" شروق الأنوار على النفس بحيث تنقطع عن منازعة الوهم"5.
ومما يدخل في معنى الكشف عند الصوفية، وهو من أنواعه وحالاته ووسائله:
"1" - الوارد: وهو كل ما يرد على القلب من المعاني الغيبية من غير تعمد من العبد6.
"2" - الخاطر: وهو ما يرد على القلب والضمير من الخطاب، ربانياً كان أو ملكياً، أو نفسياً، أو شيطانياً، من غير إقامة. وقد يكون كل وارد لا تعمّل لك فيه7.
"3" - التجلي: وهو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب8.
"4" - المحادثة: وهي خطاب الحق للعارفين من عالم الملك والشهادة9.
"5" - المسامرة: وهي خطاب الحق للعارفين، ومحادثته لهم في عالم الأسرار والغيوب10.
1 - انظر: درء التعارض 5/339 - 340.
2 -
انظر: بيان تلبيس الجهمية 2/538.
3 -
الفيلسوف المنطقي، شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي، كان يتوقد ذكاء إلا أنه قليل الدين، وقال ابن أبي أصيبعة اسمه عمر، له كتاب التلويحات اللوحية والعرشية، وكتاب المعارج والمطارحات، وكتاب حكمة الإشراق، وسائرها ليست من علوم الإسلام، وكان يتهم بالانحلال والتعطيل، ويعتقد مذهب الأوائل، اشتهر ذلك عنه وأفتى علماء حلب بقتله، وقتل في أوائل سنة سبع وثمانين وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء 21/207 - 211، كشف الظنون 1/684.
4 -
انظر: حكمة الإشراق للسهروردي ص298، نقلا عن المعجم الفلسفي للأستاذ مراد وهبة ص68.
5 -
رسالة كلمات الصوفية للسهروردي، مجلة معهد المخطوطات العربية رقم 28، ص 183، نقلا عن المعجم الفلسفي للأستاذ مراد وهبة ص68.
6 -
انظر: المعجم الصوفي للدكتور الحفني ص255.
7 -
انظر: معجم الكلمات الصوفية للنقشبندي ص30، المعجم الصوفي ص85.
8 -
انظر: معجم الكلمات الصوفية ص21، المعجم الصوفي ص48.
9 -
انظر: معجم الكلمات الصوفية ص78، المعجم الصوفي ص221.
10 -
انظر: معجم الكلمات الصوفية ص79، المعجم الصوفي ص230.
"6" - الذوق: وهو نور عرفاني يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه، يفرقون به بين الحق والباطل من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب أو غيره1.
"7" - البصيرة: وهي قوة للقلب منورة بنور القدس، منكشف حجابها بهداية الحق، تُرى بها حقائق الأشياء وبواطنها، وتسمى القوة القدسية2.
وكأن الذوق والبصيرة وسائل وأدوات للكشف، وأما الوارد والخاطر والتجلي والمحادثة والمسامرة فهي أضرب وأنواع للكشف.
3 -
موقف أهل السنة من الكشف:
لقد ورد لفظ الكشف في القرآن، ومنه قوله - تعالى -:{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق - 22]، وقال - سبحانه -:{قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} [الإسراء - 56] ، وورد في السنة الفعل "كشف"، ومن ذلك ما رواه أنس قال:"بينما المسلمون في صلاة الفجر، لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم صفوف، فتبسم يضحك.."3، وهو على معناه في اللغة.
والكشف في الاصطلاح عند أهل السنة نوع من الخوارق، وذلك بأن يسمع الشخص مالا يسمعه غيره، أو يرى ما لا يراه غيره، أو أن يعلم ما لا يعلمه غيره، إما من طريق الوحي والإلهام وهذا للمؤمن، وقد يكون كرامة من الله لعبده، وقد يحصل للنفس نوع من الكشف، إما يقظة وإما مناماً بسبب قلة علاقتها مع البدن، إما برياضة أو بغيرها، وهذا هو الكشف النفساني، وهو مشترك بين المؤمن والكافر4.
1 - انظر: المعجم الصوفي ص100، معجم ألفاظ الصوفية للدكتور الشرقاوي ص145 - 146.
2 -
انظر: المعجم الصوفي ص44.
3 -
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب هل يلتفت لأمر ينزل به أو يرى شيئا أو بصاقا قي القبلة 1/245، ح 754، ومسلم في كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس 1/315، ح 419.
4 -
انظر: الصفدية 1/187، شرح الطحاوية 2/753 بتصرف.
يقول شيخ الإسلام موضحاً معنى الكشف وأنواعه: "فما كان من الخوارق من باب العلم، فتارة بأن يسمع العبد مالا يسمعه غيره. وتارة بأن يرى مالا يراه غيره يقظة ومناماً. وتارة بأن يعلم مالا يعلم غيره وحياً وإلهاماً، أو إنزال علم ضروري، أو فراسة صادقة، ويسمى كشفاً ومشاهدات، ومكاشفات ومخاطبات، فالسماع مخاطبات، والرؤية مشاهدات، والعلم مكاشفة، ويسمى ذلك كله كشفاً ومكاشفة أي كشف له عنه"1.
والكشف الصحيح أن يعرف الحق الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، معاينة لقلبه2، فينكشف له من غوامض علوم الدين ما لا ينكشف لغيره، ويكون مع علمه عاملاً، فهذا من كشف الأولياء، وهو كشف ظاهر المنفعة.
ومن الكشف مالا فائدة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة، كالاطلاع على سيئات العباد3.
ولابد أن يقترن الدين بالكشف، وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فلعدم الدين الذي هو أداء الواجبات وترك المحرمات، وأما في الدنيا فإن الخوارق هي من الأمور الخطرة، التي لا تنالها النفوس إلا بمخاطرات في القلب والجسم والأهل والمال4.
وأما قول بعض الصوفية والاتحادية، أنه ثبت عندهم بالكشف ما يخالف الكتاب والسنة، فإن مشايخ الصوفية العارفين، متفقون على أن ما يحصل بالزهد والعبادة والرياضة والتصفية والخلوة، وغير ذلك، من المعارف، متى خالف الكتاب والسنة، أو خالف العقل الصريح، فهو باطل، ومن زعم من المنتسبين إليهم أنهم يجدون في الكشف ما يناقض صريح العقل، أو أن أحدهم يرد عليه أمر يخالف الكتاب والسنة بحيث يكون خارجاً عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره، أو أنه يحصل له علم مفصل بجميع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به، فهو عندهم ضال مبطل، بل زنديق منافق، لا يجوزون قط طريقاً
1 - مجموع الفتاوى11/313.
2 -
انظر: المدارج 3/226.
3 -
انظر: مجموع الفتاوى11/328.
4 -
انظر: المرجع السابق 11/330.
يستغنى به عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به الرسول، ويأمر به، فضلاً عن أن يسوغ له مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره وخبره1.
وما يُعلم بالكشف قد يكون صحيحاً وقد يكون خاطئاً، فأهل المكاشفات والمخاطبات يصيبون تارة، ويخطئون أخرى، كأهل النظر والاستدلال في موارد الاجتهاد، ولهذا وجب عليهم جميعهم أن يعتصموا بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يزنوا كشفهم، ومشاهدتهم، وآرائهم، ومعقولاتهم، بكتاب الله، وسنة رسوله، ولا يكتفوا بمجرد ذلك، فإن سيد المحدثين والمخاطبين الملهمين من هذه الأمة هو عمر بن الخطاب، وقد كانت تقع له وقائع، فيردها عليه رسول الله، أو صديقه أبو بكر، ولهذا وجب على جميع الخلق اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم 2.
كما أن ما يدعيه كثير من الصوفية، من الكشف والمشاهدة، عامته خيالات في أنفسهم، ويسمونها حقيقة، وقد تنزل عليهم الشياطين، وتخبرهم بأشياء، وتأمرهم بأشياء3، وهذا غاية كشفهم الذي يحكمون به على الكتاب والسنة. لذا يجب ربط ما يحصل بالكشف بالكتاب والسنة، فنجعلهما حاكمين على الكشف، وَنرَدُّ ما خالفهما.
1 - انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/266 - 267
2 -
انظر: مجموع الفتاوى 11/65، بتصرف.
3 -
انظر: الرد على المنطقيين ص489.