المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الجسم 1 - معنى الجسم في اللغة: قال الخليل: "الجسم يجمع البدن، - الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية

[آمال بنت عبد العزيز العمرو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: المصادر والقواعد في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها عند أهل السنة ومخالفيهم

- ‌الفصل الأول: مصادر أهل السنة وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌المصدر الثاني: السنة النبوية

- ‌المصدر الثالث: لغة العرب

- ‌المصدر الرابع: آثار السلف

- ‌المبحث الثاني: قواعد أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌ القاعدة الأولى: التزام ألفاظ الشرع

- ‌القاعدة الثانية: التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌القاعدة الثالثة: تجنب الألفاظ البدعية

- ‌القاعدة الرابعة: تجنب الألفاظ المجملة، والتفصيل فيها

- ‌القاعدة الخامسة: تجنب التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثاني: مصادر المخالفين وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: العقل

- ‌المصدر الثاني: الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي

- ‌المصدر الثالث: الملل والديانات الأخرى

- ‌المصدر الرابع: الكشف

- ‌المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌الأولى: عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها

- ‌الثانية: عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌الثالثة: استعمال الألفاظ البدعية

- ‌الرابعة: استعمال الألفاظ المجملة

- ‌الخامسة: التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثالث: معنى الحد عند المنطقيين ونقده عند أهل السنة

- ‌المبحث الأول: معنى الحد في اللغة

- ‌المبحث الثاني: معنى الحد عند المنطقيين

- ‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين

- ‌الفصل الرابع: أشهر المؤلفات في مصطلحات العقيدة عرض وتقويم

- ‌المبحث الأول: كتاب: المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين

- ‌التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: كتاب: التعريفات

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثالث: كتاب: التوقيف على مهمات التعاريف

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌الباب الثاني: دراسة تطبيقية على ألفاظ توحيد الربوبية ومصطلحاته

- ‌الفصل الأول: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بخصائص الربوبية

- ‌تمهيد

- ‌الرّب

- ‌الإحياء

- ‌الإماتة

- ‌الأمر

- ‌المُلْك

- ‌الرَّزق

- ‌الخلق

- ‌الإبداع

- ‌التأثير

- ‌الإيجاد - الموجود - الوجود

- ‌الماهية

- ‌القِدَم

- ‌الأبدية

- ‌الأزلية

- ‌الواحد بالعين

- ‌الواحد بالنوع

- ‌الوحدة في الأفعال

- ‌الفصل الثاني: ألفاظ أدلة توحيد الربوبية ومصطلحاتها

- ‌مقدمة:

- ‌الدليل

- ‌العلم الضروري

- ‌العلم النظري

- ‌الشك

- ‌المعرفة

- ‌النظر

- ‌التسلسل

- ‌الدور

- ‌الجسم

- ‌الجوهر

- ‌العرض

- ‌المعدوم

- ‌الممتنع

- ‌المستحيل

- ‌الممكن

- ‌واجب الوجود

- ‌العالَم

- ‌العالم حادث

- ‌الأفول

- ‌دليل التغير

- ‌إمكان الصفات "إمكان الأعراض

- ‌حدوث الذوات"حدوث الأجسام

- ‌حدوث الصفات"حدوث الأعراض

- ‌الإحكام والإتقان

- ‌دليل التمانع

- ‌الفطرة

- ‌الفصل الثالث: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة ب‌‌الشرك في الربوبية

- ‌الشرك في الربوبية

- ‌التعطيل

- ‌الزندقة

- ‌الإلحاد

- ‌العلة

- ‌العقل

- ‌النفس

- ‌الصدور والفيض

- ‌التولد

- ‌الموجب بالذات

- ‌قدم العالم

- ‌الهيولى

- ‌الدهر

- ‌الصدفة

- ‌الطبيعة

- ‌الاتحاد

- ‌الحلول

- ‌التثليث

- ‌الثنوية

- ‌السحر

- ‌التولة

- ‌التنجيم

- ‌الاستسقاء بالأنواء

- ‌الطِّلسم

- ‌الكهانة

- ‌الطِّيَرة

- ‌العرافة

- ‌العيافة

- ‌الفصل الرابع: المصطلحات البدعية في توحيد الربوبية

- ‌الأبدال

- ‌الأوتاد

- ‌القطب والغوث

- ‌النجباء والنقباء

- ‌العارف

- ‌رجال الغيب

- ‌الفناء

- ‌الكشف

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌الجسم 1 - معنى الجسم في اللغة: قال الخليل: "الجسم يجمع البدن،

‌الجسم

1 -

معنى الجسم في اللغة:

قال الخليل: "الجسم يجمع البدن، وأعضاءه، من الناس، والإبل، والدواب، ونحوه مما عظم من الخلق الجسيم، والفعل جسم جسامة"1.

وفي الصحاح: "الجسم الجسد، وكذلك الجسمان والجثمان..والجثمان: الشخص، قال: وجماعة جسم الإنسان أيضاً يقال له الجسمان"2. والجسم كل شخص مُدْرَك3.

وعلى هذا فالجسم في اللغة هو البدن والجسد والجثمان والشخص.

2 -

معنى الجسم في الشرع:

ورد لفظ الجسم في آيتين من كتاب الله، هما: قوله - تعالى -: {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة - 247]، وقوله - تعالى -:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون - 4] وهو بمعنى الجسم في اللغة، أي بمعنى الجسد والبدن.

وورد لفظ جسيم في السنة، في قوله صلى الله عليه وسلم:"وأما موسى، فآدم، جسيم، سبط"4. وقوله - صلى الله عله وسلم - يصف الدجال: "فإذا رجل أحمر، جسيم، جعد الرأس، أعور" 5، والجسيم هو الضخم العظيم الجسم، قال في اللسان: "وقد جسم الشيء أي عظم، فهو جسيم، وجُسام بالضم"6.

1 - العين 6/60، وانظر: معجم مقاييس اللغة 1/457، لسان العرب 12/99، المصباح المنير 1/101.

2 -

الصحاح 5/1887، وانظر: لسان العرب 12/99، المصباح المنير 1/101.

3 -

انظر: الجمهرة 2/94، معجم مقاييس اللغة 1/457، المصباح المنير 1/101.

4 -

جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ..} [مريم - 16] 2/488، ح 3438.

5 -

أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ..} [مريم - 16] 2/489، ح 3441، ومسلم في كتاب الإيمان باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال 1/156، ح 171.

6 -

لسان العرب 12/99.

ص: 249

3 -

معنى الجسم في اصطلاح الفلاسفة والمتكلمين:

من المصطلحات التي يكثر ذكرها في كتب الفلاسفة والمتكلمين لفظ الجسم، يقول الخوارزمي في بيان معناه عندهم:"فالجسم مؤلف من الهيولى والصورة"1.

ويقول ابن سينا: "الجسم اسم مشترك، يقال على معان: فيقال جسم لكل كم، متصل، محدود، ممسوح، فيه أبعاد ثلاثة بالقوة. ويقال جسم لصورة ما يمكن أن يفرض فيه أبعاد كيف شئت طولاً، وعرضاً، وعمقاً، ذات حدود متعينة. ويقال جسم لجوهر مؤلف من هيولى، وصورة"2.

ويذكر شيخ الإسلام قول الفلاسفة فيقول: "والقول بأن الجسم مركب من المادة والصورة، قول الفلاسفة المشائين"3.

وقد تأثر المتكلمون بالفلاسفة، فأخذوا عنهم مصطلح الجسم، وتأثروا بتعريفهم له، فعند المعتزلة الجسم هو الطويل، العريض، العميق، قال النظام:"الجسم هو الطويل، العريض، العميق"4، ويقول القاضي عبد الجبار:"الجسم هو ما يكون طويلاً، عريضاً، عميقاً، ولا يحصل فيه الطول، والعرض، والعمق، إلا إذا تركب من ثمانية أجزاء"5، وهذا أحد التعريفات التي يذكرها الفلاسفة.

أما الجسم عند الأشاعرة فيدور تعريفه على أنه المؤلف المركب، فيكون هو الذي يقبل الانقسام، وهذا تأثر منهم بتعريف الفلاسفة. قال الباقلاني:"الجسم هو المؤلف المركب"4.

ويقول التفتازاني في شرح المقاصد: "الجسم عندنا القابل للانقسام، فيتناول المؤلف من الجزئين فصاعداً"5.

1 – الحدود للخوارزمي ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب للدكتور الأعسم ص210، وانظر: الصحايف الإلهية ص255.

2 – الحدود لابن سينا ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب للدكتور الأعسم ص 248، وانظر: معيار العلم ص 290، الكليات ص345.

3 – بغية المرتاد ص412.

4 -

مقالات الإسلاميين 2/6.

5 -

شرح الأصول الخمسة ص217، وانظر: مقالات الإسلاميين 2/6، المطالب العالية 6/9، شرح المقاصد 3/12، الصحايف الإلهية ص253، التوقيف على مهمات التعاريف ص245.

4 – الإنصاف ص16، وانظر: المبين ص110، التعريفات للجرجاني ص108.

5 – شرح المقاصد 3/10.

ص: 250

ويقول الرازي: "الجسم ما يكون مؤلفاً من جزئين فصاعداً"1.

وفي الصحايف الإلهية: "وقالت الأشاعرة أنه "أي الجسم" متحيز قابل للقسمة، فعلى هذا يكون المركب من جوهرين فردين جسماً عندهم"2.

وبمثل قول الأشاعرة قالت الماتريدية، حيث يقول النسفي في تعريف الجسم أنه:"اسم للمتركب، يقال هذا أجسم من هذا، أي أكثر تركيباً منه"3.

وقال بعض المتكلمين: الجسم ما احتمل الأعراض4.

وانقسم الروافض5 إلى أقسام: فبعضهم عرف الجسم بتعريف المعتزلة، وبعضهم عرفه بتعريف الأشاعرة6.

وأما الكرامية فقد قال المقاربون منهم: نعني بكونه جسماً أنه قائم بنفسه7.

والنظار كلهم متفقون على أن الجسم يشار إليه، وإن اختلفوا في كونه مركباً من الأجزاء المنفردة، أو من المادة والصورة، أو لا من هذا ولا من هذا8.

وقد قال المتكلمون من الأشاعرة، والمعتزلة، والكلابية، والماتريدية، وبعض الرافضة، والفلاسفة أيضاً، بنفي الجسم عن الله، من باب التنزيه بزعمهم، حتى جعلوا انتفاء الجسمية عن الله، ذريعة لانتفاء الصفات عنه؛ لأنه لو قامت به الصفات لكان جسماً، وهو منزه عن الجسم؛ لأنه يعني المركب، والمؤلف من الجواهر المفردة. كما أن الأجسام

1 - الأربعون في أصول الدين ص4، وانظر: موسوعة مصطلحات الرازي ص214، المسائل الخمسون ص33.

2 -

الصحايف الإلهية ص253.

3 -

التمهيد ص138، وانظر: تبصرة الأدلة 56.

4 -

انظر: مقالات الإسلاميين 2/4، 7.

5 -

الرافضة تطلق على بعض فرق الشيعة، وقد اختلف كتاب المقالات، في مسمى الفرق التي يطلق عليها اسم الرفض، فالأشعري خص الرافضة بالإمامية الإثني عشرية، وجعل الشيعة ثلاث طوائف؛ 1 - الغلاة، 2 - الروافض الإمامية، 3 - الزيدية. والملطي جعل الرافضة مصطلح يعم الإمامية والغلاة والزيدية، وأما البغدادي والإسفراييني فقد جعلوا الرافضة مصطلح يشمل الزيدية، والكيسانية والإمامية، وأخرجوا الغلاة من فرق الإسلام. ولعل الأقرب ما ذهب إليه الأشعري أن لقب الرافضة يطلق على الإمامية، ويدخل في هذا الإسماعيلية. وقد ظهر هذا المصطلح لما كان الشيعة في عسكر زيد ضد جيوش الخلافة، فسألوه عن رأيه في الشيخين، فأثنى عليهما، فرفضوه ونقضوا بيعته، فقال رفضتموني، فسموا الرافضة، وانقسمت الشيعة إلى رافضة إمامية، وإلى زيدية. انظر: مقالات الإسلاميين1/66، 88، 136، التنبيه والرد ص 18، الفرق بين الفرق ص23، التبصير في الدين ص17، مجموع الفتاوى 13/35 - 36.

6 -

انظر: مقالات الإسلاميين 1/131.

7 -

انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/109.

8 -

انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/505 - 506، الدرء 4/134.

ص: 251

متماثلة، ولو كان جسماً لكان مماثلاً لغيره من الأجسام، وهذا باطل، لذلك فالصفات ممتنعة عليه، لأنها لاتقوم إلا بجسم، وهذا قول المعتزلة والفلاسفة.

أما الأشاعرة، والماتريدية، والكلابية، فقد جعلوا هذه الشبهة ذريعة لنفي الصفات باستثناء الصفات السبع، أو الثمان، التي يقولون بإثباتها1. في حين قال بعض الرافضة الأوائل كالهشامية بأن الله جسم 2، وكذلك قالت الكرامية3.

وخلاصة أقوال الفلاسفة والمتكلمين أن الجسم هو المؤلف المركب، إما من المادة والصورة، أو من الجواهر المفردة. وقال بعضهم الجسم هو الطويل العريض العميق، وقيل الجسم ما احتمل الأعراض. بينما قالت الكرامية الجسم هو القائم بنفسه.

4 -

نقد معنى الجسم عند الفلاسفة والمتكلمين:

يعرف أهل السنة والجماعة لفظ الجسم بمعناه الذي جاء في اللغة، والقرآن الكريم، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أن الجسم هو الجسد والبدن، وقد تبين في الصفحات السابقة، أن لفظ الجسم في اصطلاح المتكلمين والفلاسفة يحمل عدة معان، تختلف عن معناه في اللغة.

وقد اختلف النظار في الأجسام - كما سبق - هل هي مركبة من الجواهر المفردة، أم من المادة والصورة، أم ليست مركبة منهما، على ثلاثة أقوال أصحها الثالث، أنها ليست مركبة لا من الجواهر المفردة ولا من المادة والصورة، وهذا قول كثير من طوائف أهل الكلام؛ كالهشامية، والضرارية، والنجارية، والكلابية، وكثير من الكرامية، وهو قول جمهور الفقهاء، وأهل الحديث، والصوفية، وغيرهم، بل هو قول أكثر العقلاء4.

وتعريفات المتكلمين، والفلاسفة، للفظ الجسم، باطلة من الوجوه التالية:

أولاً: أن تعريفهم الجسم بالمعاني التي ذكروها، غير وارد في كتب اللغة، وليس هو معناه الذي قد ورد في كتاب الله5. فهم إذا قالوا إن الجسم هو المؤلف، والمركب، لا

1 - انظر: شرح الأصول الخمسة ص218 - 221، المسائل الخمسون ص33، التدمرية ص119 - 123.

2 -

انظر: التبصير في الدين للإسفراييني ص23 - 24، الملل والنحل 1/184.

3 -

انظر: الملل والنحل 1/109.

4 -

انظر: مجموع الفتاوى 9/299.

5 -

انظر: الدرء 1/118 - 119، 10/292، الجواب الصحيح 4/429، مجموع الفتاوى 12/316.

ص: 252

يعنون به ما كان مفترقاً فاجتمع، ولا ما يقبل التفريق، بل يعنون به ما تميز منه جانب عن جانب، كالشمس، والقمر، وغيرهما من الأجسام.

وأما المتفلسفة فالمؤلف والمركب عندهم أعم من هذا، فهم يدخلون في ذلك تأليفاً عقلياً، لا يوجد في الأعيان، ويدعون أن النوع مؤلف من الجنس، والفصل، فإذا قلت الإنسان حيوان ناطق، قالوا إن الإنسان مؤلف من هذين، وإنما هو موصوف بهما.

وأما لفظ الجسم، فإن الجسم عند أهل اللغة كما ذكره الأصمعي، وأبو عبيد، وغيرهما، هو الجسد والبدن، قال - تعالى -:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون - 4]، وقال - تعالى -:{وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة - 247] ، فهو يدل في اللغة على معنى الكثافة، والغلظ، كغلظ الجسد، ثم يراد به نفس الغليظ، وقد يراد به غلظه، فيقال لهذا الثوب جسم، أي غلظ وكثافة، ويقال هذا أجسم من هذا، أي أغلظ وأكثف. ثم صار لفظ الجسم في اصطلاح أهل الكلام، أعم من ذلك، فيسمون الهواء، وغيره، من الأمور اللطيفة جسماً، وإن كانت العرب لا تسمى هذا جسماً1.

وكذلك الذين قالوا إن الجسم هو الموجود، أو القائم بنفسه، أو ما يمكن الإشارة إليه، فإن هذا المعنى غير صحيح، فليس كل شيء موجود، أو قائم بنفسه، أو يمكن الإشارة إليه، يصح أن يسمى جسماً في لغة العرب، فالهواء والنار ليست جسماً، وهي في اصطلاحهم جسم2.

ثانياً: أن قولهم محدث مبتدع لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من صحابته، أو من التابعين لهم.

ثالثاً: إذا قيل هو جسم بمعنى أنه مركب من الجواهر المنفردة، أو المادة والصورة، فهذا باطل، بل هو أيضاً باطل في المخلوقات، فكيف في الخالق سبحانه وتعالى -3.

رابعاً: أن أهل الكلام الذين تنازعوا في إثبات الجسم ونفيه، كالهشامية، والكرامية، ونحوهم ممن أثبته، وكالجهمية، والمعتزلة، ونحوهم ممن نفاه، قد يدخل كل منهم في ذلك

1 - انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/505 - 506.

2 -

انظر: الدرء 7/112، 10/258 - 259.

3 -

انظر: مجموع الفتاوى 5/428 - 429.

ص: 253

ما يخالف النصوص، فمن المثبتة من يدخل في ذلك ما يجب تنزيه الله عنه من صفات النقص، ومن مماثلته بالمخلوقات، والنفاة يدخلون في ذلك ما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال1، وهذا باطل.

خامساً: أن القائلين بأن الأجسام مركبة من الجواهر، يقولون: إن الله لا يحدث شيئاً قائماً بنفسه، وإنما يحدث الأعراض، التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون، وغير ذلك من الأعراض. ثم من قال منهم بأن الجواهر محدثة، قال إن الله أحدثها ابتداء، ثم جميع ما يحدثه إنما هو إحداث أعراض فيها، لا يحدث الله بعد ذلك جواهر، وهذا قول أكثر المعتزلة، والجهمية، والأشعرية، ونحوهم. ومن أكابر هؤلاء من يظن أن هذا مذهب المسلمين، ويذكر إجماع المسلمين عليه، وهو قول لم يقل به أحد من سلف الأمة. بل جمهور الأمة حتى من طوائف أهل الكلام ينكرون الجوهر الفرد2.

1 - انظر: درء التعارض 10/258.

2 -

انظر: مجموع الفتاوى 17/244.

ص: 254

5 -

حكم إطلاق لفظ الجسم على الله:

لما كان لفظ الجسم في اصطلاح المتكلمين، والفلاسفة، فيه إجمال، وإبهام، امتنع طوائف من أهل الإثبات، عن إطلاق القول بنفيه، أو إثباته، على الله، ولم ينقل عن أحد من السلف، والأئمة، لا إثباته، ولا نفيه، كما لا يوجد مثل ذلك في لفظ المتحيز، والجوهر، ونحوهما، وذلك لأنها ألفاظ مجملة، يراد بها حق وباطل، وعامة من أطلقها في النفي أو الإثبات، أراد بها ما هو باطل لاسيما النفاة؛ فإن نفاة الصفات كلهم، ينفون الجسم والجوهر والمتحيز، ونحو ذلك، ويدخلون في نفي ذلك نفي صفات الله، وحقائق أسمائه، ومباينته لمخلوقاته. بل إذا حقق الأمر عليهم، وجد نفيهم متضمناً لحقيقة نفي ذاته، إذ يعود الأمر إلى وجود مطلق، لا حقيقة له إلا في الذهن والخيال، أو ذات مجردة، لا توجد إلا في الذهن والخيال، أو إلى الجمع بين المتناقضين، بإثبات صفات ونفي لوازمها1.

يقول أبو العباس بن سريج رحمه الله: "توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتوحيد أهل الباطل، الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك"2.

والخوض في الأعراض والأجسام كما خاض فيه المتكلمون، كقولهم ليس بجسم ولا عرض ونحو ذلك، أول من ابتدعه في الإسلام الجهمية، وأتباعهم من المعتزلة3، وكذلك بعض قدماء الشيعة4.

والجواب على إطلاق هذه الألفاظ المجملة على الله، يكون بأن يستفصل السائل، ويقول له: ماذا تريد بهذه الألفاظ المجملة؟ فإن أراد بها حقاً، وباطلاً، قبل الحق، ورد الباطل.

فلفظ الجسم فيه إجمال؛ قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت، أو ما يقبل التفريق والانفصال، أو المركب من مادة وصورة، أو المركب من الأجزاء المفردة، التي تسمى الجواهر الفردة، والله - تعالى - منزه عن ذلك كله. وقد يراد بالجسم ما يشار

1 - انظر: الدرء 5/57.

2 -

الحجة في بيان المحجة 1/96 - 97، وانظر: بيان تلبيس الجهمية 1/487.

3 -

انظر: بيان تلبيس الجهمية 2/298، الدرء 6/288 - 289، 7/185.

4 -

انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/9، 54، 100، الصفدية 2/33، منهاج السنة النبوية 2/135، مجموع الفتاوى 5/298، 424، مقالات الإسلاميين 106 - 109.

ص: 255

إليه، أو ما يرى، أو ما تقوم به الصفات، والله يرى في الآخرة، وتقوم به الصفات، ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم، وقلوبهم، ووجوههم، وأعينهم، فإن أراد بقوله ليس بجسم هذا المعنى، قيل له هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ، معنى ثابت بصحيح المنقول، وصريح المعقول، وأنت لم تقم دليلاً على نفيه.

وأما اللفظ، فبدعة نفياً، وإثباتاً، فليس في الكتاب، ولا السنة، ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها، إطلاق لفظ الجسم في صفات الله - تعالى -، لا نفياً، ولا إثباتاً1.

1 - انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/496، 503 - 523، 550، منهاج السنة النبوية 2/134، شرح الأصفهانية ص37، الدرء 1/238، 6/131، 10/258 - 259، 307 - 311، مجموع الفتاوى 5/215، 421.

ص: 256