الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُلْك
1 -
معنى الملك في اللغة:
قال ابن فارس: "الميم واللام والكاف، أصل صحيح، يدل على قوة في الشيء وصحة، يقال: أملَكَ عجينه: قوى عجنه وشدَّه، وملكت الشيء: قويته..والأصل هذا، ثم قيل مَلَكَ الإنسان الشيء يملكه ملْكاً، والاسم الملْك، لأن يده فيه قوية صحيحة. فالمِلْك: ما ملك من مال"1.
وفي العين: "المُلْكُ لله المالك المليك، والملكوت: ملك الله، وملكوت الله سلطانه. والمَلْك: ما ملكت اليد من مال وخول"2. والمَلْك والمُلْك والمِلْك احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به3. فالملك في اللغة احتواء الشيء والقدرة عليه، وكونه تحت تصرفك.
2 -
معنى الملك في الشرع:
ورد لفظ المُلْك والمَلِك والمالك ومالك الملك في آيات كثيرة من كتاب الله، منها قوله - تعالى -:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة - 107]، وقوله - تعالى:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ} [يوسف - 101]، وقوله - تعالى -:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه - 114] وغيرها. قال الطبري رحمه الله في تفسير قوله - تعالى -: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس - 2] : "وهو ملك جميع الخلق إنسهم، وجنهم، وغير ذلك، إعلاماً منه بذلك من كان يعظم الناس، تعظيم المؤمنين ربهم؛ أنه ملك من يعظمه، وأن ذلك في ملكه وسلطانه، تجري عليه قدرته، وأنه أولى بالتعظيم، وأحق بالتعبد له ممن يعظمه، ويتعبد له، من غيره من الناس"3.كما ورد لفظ الملك في السنة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا المَلِك أين ملوك الأرض" 5، ومعنى الملك في الكتاب والسنة، هو المعنى الوارد في اللغة، يقول شيخ
1 - معجم مقاييس اللغة 5/351 - 352 وانظر الصحاح 4/1609 - 1611 لسان العرب 10/495.
2 -
العين 5/89 وانظر اللسان 10/493.
3 -
انظر: لسان العرب 10/492.
3 -
تفسير الطبري 30/354.
5 -
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قول الله - تعالى -: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس - 2] 4/380، ح 7382.
الإسلام رحمه الله:" والمُلك قد يراد به القدرة على التصرف، والتدبير، ويراد به نفسه التدبير، والتصرف، ويراد به المملوك نفسه، الذي هو محل التدبير، ويراد به ذلك كله"1، فالملك يعني التصرف والتدبير، والقدرة على ذلك.
وقال رحمه الله في معنى المَلك: "المَلك هو الذي يتصرف بأمر فيطاع"2، وقال رحمه الله:"الملَك هو الآمرالناهي المطاع"3. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:" والمَلك هو المتصرف بفعله وأمره"4.
وقال ابن كثير في معنى المَلِك: "أي المالك لجميع الأشياء، المتصرف فيها بلا ممانعة، ولا مدافعة "5. وقال في معنى قوله - تعالى -: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران - 26] : "أي أنت المتصرف في خلقك الفعال لما تريد"6.
فالمُلك هو صفة ذاتية للرب - تعالى -، وتعني ملكه لجميع الأشياء، وتصرفه وتدبيره في ملكه بلا مدافعة ولا ممانعة، وقدرته على ذلك. والمَلِك من أسماء الله - تعالى -.
1 - مجموع الفتاوى 18/195.
2 -
المرجع السابق 6/262، وانظر: تفسير ابن كثير 4/367.
3 -
مجموع الفتاوى 6/262.
4 -
بدائع الفوائد 4/165.
5 -
تفسير ابن كثير 4/367.
6 -
المرجع السابق 1/357.
3 -
معنى الملك عند المتكلمين:
يتأول كثير من متكلمي الأشاعرة، والمعتزلة، الملك بالقدرة، وبعضهم يتأوله بالخلق وبعضهم يقول إنه التصرف.
يقول الجويني: "ثم اختلفوا في الملك، فمنهم من فسره بالخلق، فالمَلِك الخالق، وهو من أسماء الأفعال، وقال بعضهم: الملك القدرة على الاختراع"1. وقال الرازي: "اختلفوا في حقيقة الملك فقال بعضهم: إنه عبارة عن التصرف، وعلى هذا يكون الملك من صفات الأفعال. والقول الثاني أنه القدرة على التصرف لولا المانع، وعلى هذا القول يكون الملك من صفات الذات "2، ثم ذكر الإشكالات على القولين واختار الثاني3.
وقال القاضي عبد الجبار: "المِلْك هو القدرة، وأن المَلِك هو القادر"4.
وتأويلهم صفة الملك بالقدرة على الاختراع، أو الخلق، إنما هو في الحقيقة نفي لصفة الملك، وكذلك قصر بعضهم للملك على القدرة على التصرف، إنقاص لمعنى الملك، فالملك يعني ملكه لجميع الأشياء، وتصرفه وتدبيره في ملكه بلا مدافعة ولا ممانعة، وقدرته على ذلك. فالملك صفة ذاتية تستلزم، وتتضمن، صفات ذاتية وفعلية، مثل علمه، وقدرته، وأنواع تصرفه وتدبيره لملكه - سبحانه -. والأشاعرة لا يثبتون صفات الأفعال قائمة بذات الله، والمعتزلة ينفون معها صفات الذات أيضاً، وقد سبق الرد عليهم في ذلك5.
4 -
معنى الملك عند الفلاسفة:
قال ابن سينا: "الملك الحق هو الغني الحق مطلقاً، ولا يستغني عنه شيء في شيء، وله ذات كل شيء، لأن كل شيء منه أو مما منه ذاته، فكل شيء غيره فهو له مملوك، وليس له إلى شيء فقر"6.
1 - الإرشاد ص145.
2 -
شرح أسماء الله الحسنى ص183، وانظر فتح الباري 13/379.
3 -
انظر: شرح أسماء الله الحسنى ص186.
4 -
المغني 11/28.
5 -
انظر الرد في البحث ص149 - 152.
6 -
الإشارات والتنبيهات3/124، وانظر: بيان تلبيس الجهمية 1/184.
وهذا الكلام الذي ذكره ابن سينا في معنى الملك، متفق عليه بين المسلمين، وغيرهم من أهل الملل، بل حتى المشركون يقرون بذلك، قال - تعالى -:{قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:84 - 89] .
ولكن هذا جزء يسير من معنى الملك، فلفظ الملك يتضمن غناه عن كل شيء، وفقر كل شيء إليه، - وهو ما ذكروه - ولكنه يتضمن أكمل من ذلك، من العلم، والقدرة، والتدبير، على وفق المشيئة، والإرادة، وغير ذلك من المعاني التي تبين أن هؤلاء الفلاسفة لا يجعلونه ملكاً حقاً، وكيف يكون ملكاً عندهم من لا يقدر على إحداث شيء، ولا دفع شيء، ولا له تصرف بنفسه، ولا في غيره بوجه من الوجوه. بل ما يصفونه من غناه، وافتقار ما سواه إليه، يتناقضون فيه، فإنهم يصفونه بما يمتنع معه أن يكون غنياً، وأن يكون شيء ما إليه فقير1.
1 - انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/185.