الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأفول
1 -
معنى الأفول في اللغة:
قال الخليل بن أحمد: "أفلت الشمس، تأفل، أفولاً، وكل شيء غاب فقد أفل، وهو آفل، وإذا استقر اللقاح في قرار الرحم قيل قد أفل، والآفل في هذا المعنى هي التي حملت، ويقولون لبوءة آفل، وآفلة، إذا حملت"1.
ويقول الأزهري: "وكذلك القمر يأفُِل إذا غاب، قال الله - تعالى -: {فَلَمَّا أَفَلَ} [الأنعام: 76] ، أي غاب وغرب..وفي النوادر: أفِل الرجل، إذا نشط، فهو أَفِل"2.
وفي المصباح المنير: "أَفَل الشيء أَفْلاً وأُفُولاً من بابي ضرب، وقعد، غاب. ومنه قيلأفل فلان عن البلد، إذا غاب عنها"3.
وقد أجمعت كتب اللغة على أن معنى الأفول: الغياب.
1 - العين 8/337، وانظر: معجم مقاييس اللغة 1/119، الصحاح 4/1623، لسان العرب 11/18 - 19، المصباح المنير 1/17، القاموس المحيط ص 1242.
2 -
تهذيب اللغة للأزهري 15/378.
3 -
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المتوفى سنة770هـ. 1/17.
2 -
معنى الأفول في الشرع:
لقد ورد لفظ أفل، وأفلت، والآفلين، في سورة الأنعام، في ثلاث آيات متتالية، وهي قوله - تعالى -:{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 76 - 78] .
قال ابن جرير الطبري: "قال ابن اسحاق: الأفول الذهاب، يقال منه أَفَل النجم، يأفُل، ويأفِل، أفُولاً، وأفْلاً، إذا غاب..ويقال أين أفلت عنا؟ بمعنى أين غبت عنا"1.وفي المفردات للراغب: "الأفول: غيبوبة النيرات، كالقمر، والنجوم"2.
وقد أطبقت جميع التفاسير على أن معنى أفل: أي غاب، ويذكرون أن هذا هو معناه في لغة العرب3، إلا أن بعض المفسرين ممن تأثر بعلم الكلام، يزيد على هذا المعنى تعقيباً من عنده؛ هو أن الغياب يعني التغير والانتقال، وهذه إضافة منهم، ليس لها دليل من لغة العرب، ولا من تفسير الصحابة.
فالأفول في الشرع، هو بمعناه الذي ورد في اللغة، وهو المغيب والاحتجاب، وهذا بإجماع أهل اللغة والتفسير4.
1 - تفسير الطبري 7/250 - 251، وانظر: تفسير ابن كثير 2/192، تفسير الواحدي 1/362، زاد المسير 3/75، تفسير البغوي 2/109.
2 -
المفردات ص 80، وانظر: التوقيف على مهمات التعاريف ص 81.
3 -
انظر: تفسير الطبري 1/248 - 251، معاني القرآن للنحاس 2/536، تفسير الواحدي 1/362، زاد المسير 3/75، تفسير البغوي 2/109، تفسير ابن كثير 2/242، تفسير البيضاوي 2/423، تفسير الثعالبي 1/536، الدر المنثور 3/304 - 305، فتح القدير 2/134.
4 -
انظر: درء التعارض 1/109، 313، مجموع الفتاوى 5/547، 6/254.
3 -
معنى الأفول في اصطلاح المتكلمين والفلاسفة:
ذهبت الجهمية، والمعتزلة، ومن اتبعهم من الأشاعرة، والماتريدية، إلى تفسير الأفول بالحركة والانتقال والتغير، وجعلوا ذلك دليلاً على الحدوث، ونفوا صفات الأفعال عن الله بناء على هذه الشبهة، واعتمدوا في بدعتهم هذه، على قول الخليل عليه السلام:{لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - 76] 1، يقول شيخ الإسلام رحمه الله:"ومن عجائب الأمور، أن كثيراً من الجهمية، نفاة الصفات والأفعال، ومن اتبعهم على نفي الأفعال، يستدلون على ذلك بقصة الخليل صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك بشراً المريسي، وكثير من المعتزلة، ومن أخذ ذلك عنهم، أو عمن أخذ ذلك عنهم؛ كأبي الوفاء بن عقيل، وأبي حامد، والرازي، وغيرهم، وذكروا في كتبهم أن هذه الطريقة هي طريقة إبراهيم الخليل عليه - صلوات الله وسلامه -، وهو قوله {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - 76] قالوا فاستدل بالأفول، الذي هو الحركة والانتقال، على حدوث ما قام به ذلك كالكوكب، والقمر، والشمس "2.
قال الرازي في استدلاله على نفي صفات الأفعال: "الثالث قول الخليل: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - 76] يدل على أن المتغير لا يكون إلهاً "3. ويقول النسفي في تفسيره لقوله - تعالى -: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - 76] : " {فَلَمَّا أَفَلَ} غاب، {قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} أي لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال، لأن ذلك من صفات الأجسام "4. وقال القرطبي: "فلما أفل النجم، قرر الحجة، وقال ما تغير لا يجوز أن يكون رباً، وكانوا يعظمون النجوم، ويعبدونها، ويحكمون بها"5. وقال أبو السعود: " {فَلَمَّا أَفَلَ} أي غرب، {قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} أي الأرباب المنتقلين من مكان إلى مكان، المتغيرين من حال إلى حال، المحتجبين بالأستار، فإنهم بمعزل من استحقاق الربوبية"6.
1 - انظر: رد الدارمي على بشر المريسي ص 55، درء التعارض 1/310، بيان تلبيس الجهمية 1/528 - 529.
2 -
درء التعارض 1/310.
3 -
المرجع السابق 2/216، وقد نقله شيخ الإسلام عن الرازي في لباب العقول.
4 -
تفسير النسفي2/20.
5 -
تفسير القرطبي 7/26.
6 -
تفسير أبي السعود 3/153، وانظر: روح المعاني 7/200.
ويلاحظ أن هؤلاء المفسرين، من متكلمة الصفاتية، يذكرون أن معنى الأفول هو المغيب، ثم يضيفون إليه معنى زائداً، وهو التغير والحركة والانتقال، وهو ما قرره أهل الكلام في كتبهم.
أما ابن سينا فإنه يجعل الأفول بمعنى الإمكان، كما قال في إشاراته:"قال قوم إن هذا الشي المحسوس، موجود لذاته، واجب لنفسه، لكنك إذا تذكرت ما قيل لك في شرط واجب الوجود، لم تجد هذا المحسوس واجباً، وتلوت قوله - تعالى -: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [سورة الأنعام - 76] فإن الهُوِىَّ في حظيرة الإمكان، أفول ما "1.
4 -
نقد معنى الأفول عند المتكلمين والفلاسفة:
لقد رد أئمة أهل السنة على من حرف معنى الأفول؛ من المعتزلة، والجهمية، وأتباعهم. حيث زعموا أن معنى الأفول هو الحركة، والانتقال، وأنه يعني التغير، وهو تحريف ظاهر لمعنى الأفول، مخالف لدليل السمع واللغة، ومن وجوه الرد عليهم في ذلك ما يلي:
الوجه الأول: أنه من المعلوم باتفاق أهل اللغة والمفسرين، أن الأفول ليس هو الحركة، ولا هو التغير، فلا يسمى في اللغة كل متحرك، أو متغير، آفلاً، ولا أنه أفل، فلا يقال للمصلي، أو الماشي، إنه آفل. ولا يقال للتغير الذي هو استحالة؛ كالمرض، واصفرار الشمس، إنه أفول. ولا يقال للشمس إذا اصفرت إنها أفلت. وإنما يقال أفلت إذا غابت واحتجبت. وهذا من المتواتر المعلوم بالاضطرار من لغة العرب، أن آفلاً بمعنى غائب، وقد أفلت الشمس، تأفل، أفولاً، أي غابت2.
الوجه الثاني: أنه لو كان احتجاجه بالحركة، والانتقال، لم ينتظر إلى أن يغيب، بل كان نفس الحركة التي يشاهدها، من حين تطلع، إلى أن تغيب الأفول. وأيضا فحركتها بعد المغيب، والاحتجاب، غير مشهودة، ولا معلومة3.
1 - الإشارات 3 /102 - 103، وانظر: درء التعارض 1/314.
2 -
انظر: درء التعارض 1/109، 2/216، 8/355 - 356 بغية المرتاد 359، مجموع الفتاوى 5/547 - 548، 6/254، 284 - 286، الصواعق المرسلة 1/190.
3 -
انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/528 - 529، درء التعارض 4/77.
الوجه الثالث: أنه قد ظن طائفة من الجهمية، والمعتزلة، وغيرهم، أن مراد إبراهيم عليه السلام بقوله:{هَذَا رَبِّي} [الأنعام - 76] أن هذا خالق العالم، وأنه استدل بالأفول، وهو الحركة والانتقال، على عدم ربوبيته، وزعموا أن هذه الحجة هي الدالة على حدوث الأجسام، وحدوث العالم، وهذا غلط من وجوه:
أحدها: أن هذا القول لم يقله أحد من العقلاء، لا من قوم إبراهيم ولا غيرهم، ولا توهم أحدهم أن كوكباً، أو القمر، أو الشمس، خلق هذا العالم، وإنما كان قوم إبراهيم مشركين، يعبدون هذه الكواكب، زاعمين أن في ذلك جلب منفعة، أو دفع مضرة، ولهذا قال الخليل:{يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام - 78]، وقال:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَاّ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء - 75 - 77] ، وأمثال ذلك1.
الثاني: أنه لو كان قوله: {هَذَا رَبِّي} [الأنعام - 76] ، هذا رب العالمين، لكانت قصة إبراهيم عليه السلام حجة عليهم؛ لأنه حينئذ لم تكن الحركة عنده مانعة من كونه رب العالمين، وإنما المانع هو الأفول، وقد أخبر الله في كتابه، أنه من حين بزغ الكواكب والقمر والشمس، وإلى حين أفولها، لم يقل الخليل لا أحب البازغين، ولا المتحركين، ولا المتحولين، ولا أحب من تقوم به الحركات، ولا الحوادث. والأفول باتفاق أهل اللغة والتفسير هو المغيب والاحتجاب، بل هذا معلوم بالاضطرار من لغة العرب التي نزل بها القرآن، وهو المراد باتفاق العلماء، فلم يقل إبراهيم لا أحب الآفلين، إلا حين أفل وغاب عن الأبصار، فلم يبق مرئياً ولا مشهوداً، فحينئذ قال لا أحب الآفلين، وهذا يقتضي أن كونه متحركاً منتقلاً تقوم به الحوادث، بل كونه جسماً متحيزاً تقوم به الحوادث، لم يكن دليلاً عند إبراهيم على نفي محبته2.
أما من فسر الأفول بالإمكان من الفلاسفة، فإن قولهم أبعد بكثير عن الصحة، ممن فسر الأفول بالحركة، وأفسد منه، ووجوه الرد عليه كثيرة منها:
1 - انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/528.
2 -
انظر: المرجع السابق 1/529.
أولاً: أنه من المعلوم بالضرورة من لغة العرب، أنهم لا يسمون كل مخلوق، موجود، آفلاً، ولا كل موجود بغيره، آفلاً، ولا كل موجود يجب وجوده بغيره، لا بنفسه، آفلاً، ولا ما كان من هذه المعاني، التي يعنيها هؤلاء بلفظ الإمكان، بل هذا أعظم افتراء على القرآن، واللغة، من تسمية كل متحرك آفلاً1.
ثانياً: لو كان الخليل عليه الصلاة والسلام أراد بقوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - 76] هذا المعنى، لم ينتظر مغيب الكوكب، والشمس، والقمر، ففساد قول هؤلاء المتفلسفة في الاستدلال بالآية، أظهر من فساد قول المتكلمين2.
ثالثاً: أن هؤلاء من أعظم الناس تحريفا للفظ الأفول، ولفظ الإمكان، فإنهم وسائر العقلاء يسلمون أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم، لا يكون إلا ما كان معدوماً. فأما القديم الأزلي الذي لم يزل، فيمتنع عندهم، وعند سائر العقلاء، أن يكون ممكناً، يقبل الوجود والعدم. ولكنهم يتناقضون تناقضاً بيناً، فقالوا الفلك ممكن، يقبل الوجود والعدم، وهو مع ذلك قديم أزلي3.
رابعاً: لو كان معنى الأفول هو الإمكان، لما قال الله عز وجل:{فَلَمَّا أَفَلَتْ} [الأنعام - 78] ، لأنها آفلة منذ وجودها، بمعنى ممكنة، لكن لما قال - تعالى -:{فَلَمَّا أَفَلَتْ} [الأنعام - 78] ، دل على أن هذا شيء يطرأ عليها في وقت دون وقت، وهو المغيب والاحتجاب، فيمتنع كون الأفول بمعنى الإمكان.
ومما سبق من الردود - على إيجازها - يتبين مدى تحريف المتكلمين والفلاسفة لمصطلح الأفول، وبعدهم عن معاني اللغة والقرآن.
1 - انظر: درء التعارض 1/315، 111، 4/76 - 77.
2 -
انظر: المرجع السابق 1/314 - 315، 4/76، بيان تلبيس الجهمية 1/531، مجموع الفتاوى 5/550، منهاج السنة 1/201 - 202، 2/197.
3 -
انظر: درء التعارض 4/76.