الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشك
1 -
معنى الشك في اللغة:
قال الخليل بن أحمد: "الشك نقيض اليقين"1. والشك: اللزوم واللصوق2.
والشك الارتياب. وقول أئمة اللغة: الشك خلاف اليقين، هو التردد بين شيئين، سواء استوى طرفاه، أو رجح أحدهما على الآخر3.
"ويقال: أصل الشك اضطراب القلب والنفس "4.
فالشك في لغة العرب هو نقيض اليقين، وهو الارتياب، كما يعني اللزوم واللصوق.
2 -
معنى الشك في الشرع:
لقد ورد لفظ الشك في كتاب الله، في خمس عشرة آية، منها قوله - تعالى -:{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [النساء - 157] وقوله - تعالى -: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود - 110] ، والآيات توضح المعنى المقصود بالشك، فهو يعني كما في اللغة؛ الارتياب، وعدم اليقين، والاضطراب، والبعد عن العلم. قال الراغب:"الشك اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما..والشك ضرب من الجهل "5. وورد لفظ الشك في السنة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أولم تؤمن.، قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي.." 6.
1 - العين 5/270، وانظر: الصحاح 4/1594، معجم مقاييس اللغة 3/173، لسان العرب10/451، القاموس المحيط ص1220، المصباح المنير 1/436.
2 -
انظر: الصحاح 4/1594، لسان العرب10/451، معجم مقاييس اللغة 3/173.
3 -
انظر: المصباح المنير 1/436.
4 -
المرجع السابق نفس الجزء والصفحة.
5 -
المفردات ص461.
6 -
أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب قوله عز وجل: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} [الحجر - 51] وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة - 260] 2/467، ح 3372، ومسلم في كتاب الإيمان باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة 1/133، ح 151.
وقد اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم "نحن أحق بالشك" فقيل: معناه إذا لم نشك نحن فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي لو كان الشك متطرقاً إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أنه لم يشك. وإنما قال ذلك تواضعاً منه، أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم1.
وقال بعض أهل العلم: إن المراد بالشك في الحديث السابق الخواطر التي لا تثبت، وأما الشك المصطلح، وهو التوقف بين الأمرين، لا مزية لأحدهما على الآخر، فهو منفي عن الخليل قطعاً؛ لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة2.
وقال القاضي عياض3: لم يشك إبراهيم بأن الله يحيى الموتى، ولكن أراد طمأنينة القلب، وترك المنازعة لمشاهدة الإحياء، فحصل له العلم الأول بوقوعه، وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته. ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين، وإن لم يكن في الأول شك، لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها، فأراد الترقي من علم اليقين، إلى عين اليقين، والله أعلم4.
وقال شيخ الإسلام: "لفظ الشك يراد به تارة ما ليس بيقين، وإن كان هناك دلائل وشواهد عليه، حتى قد قيل في قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" أنه جعل ما دون طمأنينة القلب التي طلبها إبراهيم شكاً، وإن كان إبراهيم موقناً ليس عنده شك يقدح في يقينه، ولهذا لما قال له ربه: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} "5.
فالشك المراد في الحديث هو ما دون طمأنينة القلب، فإن ذلك قد يسمى شكاً. وقيل الحديث مبني على نفي الشك، فيكون الشك هو الخواطر التي لا تثبت.
1 - انظر: فتح الباري 6/475، شرح السنة للبغوي 1/116.
2 -
انظر: تفسير القرطبي 3/298، فتح الباري 6/475.
3 -
الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام، القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبي، الأندلسي، ثم السبتي، المالكي، ولد في سنة ست وسبعين وأربع مئة، أكثر من التأليف، من مؤلفاته كتاب الشفا، وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك، توفي في سنة أربع وأربعين وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء 20/212 - 217.
4 -
انظر: فتح الباري 6/475.
5 -
انظر: مجموع الفتاوى 23/11.
3 -
معنى الشك في الاصطلاح:
تعريف الشك في الاصطلاح موافق لمعناه في اللغة، والقرآن، وإن اختلفت العبارات مابين زيادة ونقص.
ومن هذه التعريفات قول أبي المعالي: "الشك وهو الاسترابة في معتقدين فصاعداً، من غير ترجيح أحدهما على الثاني"1. وقال الكندي: "الشك هو الوقوف على حد الطرفين من الظن، مع تهمة ذلك الظن"2. وقال الجرجاني: "الشك هو التردد بين النقيضين، بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك، وقيل الشك ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشيئين، لا يميل القلب إلى أحدهما"3، هذا هو الشك في الاصطلاح وقد يطلق على ما دون ذلك، يقول شيخ الإسلام:"لفظ الشك يراد به تارة ما ليس بيقين وإن كان هناك دلائل وشواهد عليه"4، فقد يطلق الشك إذا على التردد بين أمرين وإن كان لأحدهما دلائل وشواهد تؤيده، فالشك يطلق على "مطلق التردد"5.كما قد يطلق الشك على ما دون طمأنينة القلب6. وقد يطلق على الخواطر التي لا تثبت7. فالشك إذاً درجات مختلفة.
ويرد لفظ الشك في كتب أهل الكلام عند الحديث عن أول واجب على المكلف، وهم متنازعون في أن أول الواجبات معرفة الله، أو النظر المفضي إلى العلم بحدوث العالم، أو القصد إلى النظر، أو الشك السابق على القصد8. وباستثناء القول بالشك، فإن النزاع هنا لفظي، فإن النظر واجب وجوب الوسيلة، من باب ما لا يتم الواجب إلا به، والمعرفة واجبة وجوب المقاصد. فأول واجب وجوب الوسائل هو النظر، وأول
1 - الإرشاد ص14 - 15.
2 -
الحدود ضمن كتاب المصطلح الفلسفي عند العرب ص199.
3 -
التعريفات ص168، وانظر: ضوابط المعرفة للميداني ص125.
4 -
مجموع الفتاوى 23/11.
5 -
كشاف اصطلاحات الفنون 1/780.
6 -
انظر: مجموع الفتاوى 23/11.
7 -
انظر: تفسير القرطبي 3/298، فتح الباري 6/475.
8 -
انظر: درء التعارض 5/292.
واجب وجوب المقاصد هو المعرفة. ومن هؤلاء من يقول أول واجب هو القصد إلى النظر، وهو أيضا نزاع لفظي، فإن العمل الاختياري مطلقاً مشروط بالإرادة1.
أما القول بأن أول الواجبات هو الشك، وهو منسوب إلى أبي هاشم2، فهو قول باطل لفظاً ومعنى؛ قال أبو المعالي بعد ذكره لقول أبي هاشم:"وهذا خروج منه من قول الأمة وتوصل منه إلى هدم أصله، وذلك أن كل واجب مأمور به، وتقدير الأمر بالشك متناقض إذ يثبت العلم بالأمر، واعتقاد ثبوته والعلم به مع التشكك فيه متناقضان"3.
ومن لم يوجب الشك من المعتزلة قال إنه لا بد من حصوله وإن لم يؤمر به4.
والقول بالشك قبل الاعتقاد باطل، ومن وجوه بطلانه أن هذا القول مبني على أصلين: أحدهما: أن أول الواجبات النظر المفضي إلى العلم.
والثاني: أن النظر يضاد العلم، فإن الناظر طالب للعلم، فلا يكون في حال النظر عالماً. وكلا الأصلين باطل5. فمن فرق بين النظر في الدليل، وبين النظر الذي هو طلب الدليل، تبين له الفرق. والنظر في الدليل لا يستلزم الشك في المدلول، بل قد يكون القلب ذاهلاً عن الشيء ثم يعلم دليله، فيعلم المدلول، وإن لم يتقدم ذلك شك وطلب، وقد يكون عالماً به، ومع هذا ينظر في دليل آخر لتعلقه بذلك الدليل، فتوارد الأدلة على المدلول الواحد كثير، لكن هؤلاء لزمهم المحذور، لأنهم إنما أوجبوا النظر لكون المعرفة لا تحصل إلا به، فلو كان الناظر عالماً بالمدلول، لم يوجبوا عليه النظر، فإذا أوجبوه لزم انتفاء العلم بالمدلول، فيكون الناظر طالباً للعلم، فيلزم أن يكون شاكاً، فصاروا يوجبون على كل مسلم أنه لا يتم إيمانه حتى يحصل له الشك في الله، ورسوله، بعد بلوغه، سواء أوجبوه، أو قالوا هو من لوازم الواجب6. فالقول بوجوب الشك قبل الاعتقاد قول ظاهر الفساد.
1 - انظر: درء التعارض7/373.
2 -
انظر: الشامل 1/32، الدرء 7/353، المواقف 32، شرح المقاصد 1/272. وأبو هاشم عبد السلام بن الأستاذ أبي علي محمد ابن عبد الوهاب بن سلام الجبائي المعتزلي من كبار الأذكياء، أخذ عن والده الاعتزال، له كتاب الجامع الكبير وكتاب العرض، توفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة، وله عدة تلامذة. انظر: سير أعلام النبلاء 15/63 - 64.
3 -
الشامل 1/32.
4 -
انظر: درء التعارض 7/419.
5 -
انظر: المرجع السابق 7/419.
6 -
انظر: المرجع السابق 7/420 - 421.