الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدهر
1 -
تعريف الدهر في اللغة:
قال الخليل بن أحمد: "الدهر الأبد الممدود، ورجل دهري قديم، والدهري الذي يقول ببقاء الدهر ولا يؤمن بالآخرة.. والدهر النازلة، دهرهم أمر أي نزل بهم مكروه"1.
وقال الجوهري: "الدهر الزمان..ويجمع على دهور. ويقال: الدهر: الأبد"2.
وفي اللسان:"الدهر الأمد الممدود..قال الأزهري: الدهر عند العرب يقع على بعض الدهر الأطول، ويقع على مدة الدنيا كلها، وقد سمعت غير واحد من العرب يقول أقمنا على ماء كذا وكذا دهراً، ودارنا التي حللنا بها تحملنا دهراً، وإذا كان هذا هكذا جاز أن يقال الزمان والدهر واحد في معنى دون معنى"3.
فالدهر في اللغة يقع على الزمان، ومدة الدنيا كلها، أو على الأبد.
2 -
معنى الدهر في الشرع:
ورد لفظ الدهر في آيتين من كتاب الله - تعالى - وهي قوله - تعالى -: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَاّ الدَّهْرُ} [الجاثية - 24]، وقوله - تعالى -:{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان - 1] .
وورد في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار" 4، أي لا تسبوا الذي يفعل بكم هذه
1 - العين4/23 - 24، وانظر: معجم مقاييس اللغة 2/306، لسان العرب 4/292.
2 -
الصحاح 2/661.
3 -
لسان العرب 4/292 - 294.
4 -
أخرجه البخاري في كتاب التفسير، سورة الجاثية 3/291، ح 4826، وبنحوه مسلم في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر 4/1762، ح 2246.
الأشياء ويصيبكم بهذه المصائب فإنكم إذا سببتم فاعلها فإنما يقع السب على الله - تعالى - لأنه عز وجل هو الفاعل لها لا الدهر، فهذا وجه الحديث1.
وقال ابن الأثير: "والدهر اسم للزمان الطويل، ومدة الحياة الدنيا"2.
وقال الراغب: "الدهر في الأصل اسم لمدة العالم، من مبدأ وجوده إلى انقضائه..ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة"3.
وذكر شيخ الإسلام في معنى الدهر أنه "هو الزمان أو ما يجرى مجرى الزمان"4. والزمان وما يجري مجراه، هو تقدير الحركة، أو مقارنة حادث لحادث، أو مرور الليل والنهار5. والزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة6. وجنس الزمان باق عند المسلمين بعد قيام القيامة، ولأهل الجنة أزمنة هي مقادير حركات هناك غير حركة الفلك7. فالدهر إذاً لا ينحصر في مدة الحياة الدنيا، بل هو اسم للزمان. وهو عرض مخلوق.
3 -
معنى الدهر عند الفلاسفة:
يقول ابن سينا: "حد الدهر يضاهي الصانع، هو المعنى المعقول من إضافة الثبات إلى النفس في الزمان كله"8.
وفي دستور العلماء: "وقيل: الدهر منشأ الأزل والأبد، لا ابتداء له ولا انتهاء له، كل ذي ابتداء، وذي انتهاء فيه، وليس هو في غيره. وهذا هو ما ذهب إليه الحكماء "9. وقال ابن سينا عن الزمان:" الزمان يضاهي المصنوع، هو مقدار الحركة من جهة المتقدم
1 - انظر: غريب الحديث لابن سلام 2/145، غريب الحديث للخطابي 1/490، النهاية 2/144، مجموع الفتاوى2/493.
2 -
النهاية 2/144.
3 -
المفردات ص319، وانظر: التوقيف ص343، بصائر ذوي التمييز 2/609، الكليات ص444.
4 -
مجموع الفتاوى 2/494، وانظر: بصائر ذوي التمييز 2/609.
5 -
انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/562، 296، 298، مجموع الفتاوى 2/494.
6 -
انظر: منهاج السنة 1/172.
7 -
انظر: الصفدية 2/167.
8 -
الحدود لابن سينا ضمن المصطلح الفلسفي للدكتور الأعسم ص253.
9 -
موسوعة مصطلحات جامع العلوم للنكري ص 430.
والمتأخر"1. فالزمان عندهم يخص مقدار حركة الفلك فقط، ويستخدم في حق المخلوق، المتحرك - في نظرهم -، فهم يفرقون بين الدهر والزمان. "فالموجود الذي لا يكون حركة ولا في الحركة، فهو لا يكون في الزمان، بل إن اعتبر ثباته مع المتغيرات فتلك المعية هي الدهر، وإن اعتبر ثباته مع الأمور الثابتة، فتلك المعية هي السرمد"2. أما نسبة المتغير إلى المتغير فهو الزمان3. فالزمان عند الفلاسفة ممتد مع السفليات، والدهر ممتد مع العلويات4.
4 -
الرد على الفلاسفة:
أولاً: إن تفريق الفلاسفة بين الدهر والزمان لا دليل عليه.
ثانياً: أن أرسطو ومن تبعه من الفلاسفة، قد ظن أن جنس الزمان مقدار حركة الفلك، وهذا غلط عظيم، فإن جنس الزمان، إذا قيل الزمان مقدار الحركة، فهو مقدار جنس للحركة، لا حركة معينة، بل الزمان المعين مقدار الحركة المعينة، ولهذا كان جنس الزمانباقيا عند المسلمين بعد قيام القيامة، وانشقاق السماء، وتكوير الشمس، ولأهل الجنة أزمنة هي مقادير حركات هناك غير حركة الفلك5. فليس الزمان محصوراً بحركة الفلك.
ثالثاً: أنهم يقولون الحركة موجودة منذ الأزل، وقدرها وهو الزمان، وفاعلها هو الذي يسمونه الجسم، لكن هذا لا يقتضي قدم شيء بعينه، فإذا قيل إن رب العالمين لم يزل متكلماً بمشيئته، فاعلاً لما يشاء، كان نوع الفعل لم يزل موجوداً، وقدره وهو الزمان موجوداً، لكن أرسطو وأتباعه غلطوا حيث ظنوا أنه لا زمان إلا قدر حركة الفلك، وأنه لا حركة فوق الفلك، ولا قبله فتعين أن تكون حركته أزلية، وهذا ضلال منهم عقلاً وشرعاً، فلا دليل يدل على امتناع حركة فوق الفلك وقبل الفلك6.
1 - الحدود لابن سينا ضمن المصطلح الفلسفي ص 253.
2 -
المباحث المشرقية 1/790.
3 -
انظر: المحصل للرازي ص90.
4 -
انظر: موسوعة مصطلحات الفلسفة ص311.
5 -
انظر: الصفدية 2/167، منهاج السنة النبوية 1/172.
6 -
انظر: مجموع الفتاوى 6/301 - 302.
5 -
معنى الدهرية:
الدهرية هم الذين يقولون بقدم العالم وإنكار الصانع1. وهم الفلاسفة الذين تابعوا أرسطو في القول بقدم العالم، وقدم حركة الأفلاك، ودوامها، ويطلق عليهم الفلاسفة الدهرية.
ويقول ابن القيم عن الدهرية أنهم: "قوم عطلوا المصنوعات عن صانعها"2.
وقيل الدهري من يقول بقدم الدهر، واستناد الحوادث إليه، ولكنه يقول بوجود الباري - تعالى -3.
والدهرية فرقتان:
فرقة قالت: إن الخالق - سبحانه - لما خلق الأفلاك متحركة أعظم حركة، دارت عليه فأحرقته، ولم يقدر على ضبطها، وإمساك حركاتها.
وفرقة قالت: إن الأشياء ليس لها أول ألبتة، وإنما تخرج من القوة إلى الفعل، فإذا خرج ما كان بالقوة إلى الفعل، تكونت الأشياء مركباتها، وبسائطها، من ذاتها لا من شيء آخر.
وقالوا إن العالم دائم، لم يزل ولا يزال، لا يتغير، ولا يضمحل، ولا يجوز أن يكون المبدع يفعل فعلاً يبطل ويضمحل، إلا وهو يبطل ويضمحل مع فعله، وهذا العالم هو الممسك لهذه الأجزاء التي هي فيه4.
فبعض الدهرية يقرون بخالق للأفلاك لكنهم يقولون بفنائه، وأن العالم بقي يسير نفسه. وبعضهم يجحد وجود خالق للعالم، ويقول بأن الشيء أوجد نفسه بخروجه من القوة إلى الفعل. فقولهم ظاهر الكفر، وهو خارج عن الفطرة التي خلق البشر عليها.
1 - انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/139 - 140، درء التعارض 8/106، التبصير في الدين ص89، تهافت الفلاسفة ص79.
2 -
إغاثة اللهفان 2/255.
3 -
انظر: موسوعة مصطلحات جامع العلوم للنكري ص432.
4 -
انظر: إغاثة اللهفان 2/255 - 256.
6 -
حكم تسمية الله بالدهر:
سبب الحديث عن تسمية الله بالدهر، ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" 1، وللناس في هذا الحديث قولان معروفان، لأصحاب الإمام أحمد وغيرهم، أحدهما وهو قول أبى عبيد وأكثر العلماء أن هذا الحديث خرج الكلام فيه لرد ما يقوله أهل الجاهلية ومن أشبههم، فإنهم إذا أصابتهم مصيبة، أو منعوا أغراضهم، أخذوا يسبون الدهر والزمان، وهم يقصدون سب من فعل تلك الأمور، ويضيفونها إلى الدهر، فيقع السب على الله - تعالى - لأنه هو الذي فعل تلك الأمور.
والقول الثاني قول نعيم بن حماد، وطائفة معه من أهل الحديث، والصوفية، أن الدهر من أسماء الله - تعالى - ومعناه القديم الأزلي، وهذا المعنى صحيح لأن الله - سبحانه - هو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر ليس بعده شيء، فهذا المعنى صحيح إنما النزاع في كونه يسمى دهراً بكل حال، فقد أجمع المسلمون، وهو مما علم بالعقل الصريح، أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر، الذي هو الزمان، أو ما يجرى مجرى الزمان2.
7 -
هل الدهر قائم بنفسه؟
هل الدهر جوهر قائم بنفسه؟ هذا مما تنازع فيه الناس، فأثبته طائفة من المتفلسفة من أصحاب أفلاطون، كما أثبتوا الكليات المجردة في الخارج، التي تسمى المثل الأفلاطونية، والمثل المطلقة، وأثبتوا الهيولى التي هي مادة مجردة عن الصور، وأثبتوا الخلاء جوهراً قائماً بنفسه، وتابعه على هذا الرازي3. وأما جماهير العقلاء من الفلاسفة وغيرهم فيعلمون أن هذا كله لا حقيقة له في الخارج، وإنما هي أمور يقدرها الذهن، ويفرضها، فيظن الغالطون أن هذا الثابت في الأذهان، هو بعينه ثابت في الخارج عن الأذهان4.
1 - انظر تخريجه ص 382من البحث.
2 -
انظر: الفتاوى 2/493 - 494، بيان تلبيس الجهمية 1/124 - 126.
3 -
انظر: المطالب العالية 5/91.
4 -
انظر: مجموع الفتاوى 2/495، الكليات ص444.
فالدهر لفظ كلي، ليس له جوهر قائم بنفسه، إنما له معنى يقدره الذهن.
8 -
حكم سب الدهر:
إن الحديث السابق صريح في النهي عن سب الدهر مطلقاً، سواء اعتقد أنه فاعل، أو لم يعتقد ذلك، كما يقع كثيراً ممن يعتقد الإسلام1. وفي سب الدهر ثلاث مفاسد عظيمة؛ إحداها: سبه من ليس بأهل أن يسب، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله، منقاد لأمره مذلل لتسخيره، فسابه أولى بالذم والسب منه.
الثانية: أن سبه متضمن للشرك، فإنه إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع وأنه مع ذلك ظالم.
الثالثة: أن السب منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال، وفي حقيقة الأمر فرب الدهر - تعالى - هو المعطي المانع الخافض الرافع المعز المذل، والدهر ليس له من الأمر شيء، فمسبتهم للدهر مسبة لله عز وجل ولهذا كانت مؤذية للرب - تعالى -.
فساب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما؛ إما سبه لله، أو الشرك به. فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك، وهو يسب من فعله فقد سب الله2.
1 - انظر: تيسير العزيز الحميد ص 544 - 545.
2 -
انظر: زاد المعاد 2/354 - 355.