الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التأثير
1 -
معنى التأثير في اللغة:
قال الخليل: "الأثر بقية ما ترى من كل شيء.. وأثر السيف ضربته، وذهبت في إثر فلان أي استقفيته"1.
وفي الصحاح: "والتأثير إبقاء الأثر في الشيء"2.
وقال في لسان العرب:" والأثر بالتحريك ما بقي من رسم الشيء، والتأثير إبقاء الأثر في الشيء، وأثر في الشيء ترك فيه أثراً، والآثار الأعلام"3.
فالتأثير في اللغة إبقاء الأثر في الشيء.
2 -
معنى التأثير في الاصطلاح:
لم يرد لفظ التأثير في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وورد لفظ الآثار نحو قوله - تعالى -:{فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الروم - 50] قال الراغب: "أثر الشيء حصول ما يدل على وجوده"4.
والتأثير اسم مشترك، قد يراد به الانفراد بالابتداع، والتوحد بالاختراع5، وهو التأثير الذي يطلق على الرب - سبحانه - من باب الإخبار، وهو كما قال شيخ الإسلام رحمه الله:"هو إبداع الشيء، وخلقه، وجعله موجوداً"6.
وهو بهذا المعنى يخبر به عن الله - تعالى - ولكن لا يشتق منه اسم ولا صفة، حيث لم يرد في الكتاب أو السنة.
1 - العين 8/236 - 237، وانظر: معجم مقاييس اللغة 1/54، الصحاح 2/575.
2 -
الصحاح 2/576.
3 -
لسان العرب 4/5.
4 -
المفردات ص62.
5 -
انظر: مجموع الفتاوى 8/389.
6 -
منهاج السنة النبوية 1/275، وانظر: الدرء 1/348، الصفدية1/53.
وتسمية تأثير الرب في مخلوقاته فعلاً، وصنعاً، وإبداعاً، وإبداءً، وخلقاً، وبرءاً، وأمثال
ذلك من العبارات، هو مما تواتر عن الأنبياء، بل ومما اتفق عليه جماهير العقلاء1.
ولا يصح إطلاقه بهذا المعنى على قدرة العبد، وقد قالت المعتزلة بأن العبد يخلق فعل نفسه، فأثبتوا التأثير بهذا المعنى لقدرة العبد2، وهذا باطل.
وقد يراد بالتأثير نوع معاونة، إما في صفة من صفات الفعل، أو في وجه من وجوهه - كما قاله كثير من متكلمي أهل الإثبات -، وهذا باطل بما به بطل التأثير في ذات الفعل، إذ لا فرق بين إضافة الانفراد بالتأثير إلى غير الله - سبحانه - في شيء صغير أو كبير، وهل هو إلا شرك دون شرك.
وقد يراد بالتأثير، أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود، كان بتوسط القدرة المحدثة، بمعنى أن القدرة المخلوقة، هي سبب، وواسطة، في خلق الله سبحانه وتعالى الفعل بهذه القدرة، كما خلق النبات بالماء، وكما خلق جميع المسببات، والمخلوقات، بوسائط وأسباب وهذا حق3.
وبهذا يتضح أن التأثير بمعنى الخلق والإبداع ينفرد به الله - تعالى -، وأن لفظ التأثير لفظ مجمل ينبغي الاستفصال عن معناه.
1 - انظر: منهاج السنة النبوية 1/275.
2 -
انظر: المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ص340 - 347.
3 -
انظر: مجموع الفتاوى 8/389.
3 -
التأثير التام:
مما يستدل به الفلاسفة على قولهم بقدم العالم، هو أن الله مؤثر تام في الأزل1. والتأثير التام لفظ مجمل، وحينما يقول الفلاسفة عن الله إنه مؤثر تام في الأزل، فلا بد من الاستفصال عن معنى ذلك:
فيقال لهم: قولكم إنه مؤثر تام في الأزل، لفظ مجمل يراد به التأثير العام في كل شيء في الأزل، ويراد به التأثير المطلق في شيء بعد شيء، ويراد به التأثير في شيء معين دون غيره.
فإن أردتم الأول، لزم أن لا يحدث في العالم حادث، وهذا خلاف المشاهدة، فهو ممتنع بضرورة الحس، والعقل، لأن الحوادث مشهودة، وأيضاً فكون الشيء مبدَعاً أزلياً ممتنع.
وإن أردتم الثاني، لزم أن يكون كل ما سوى الله مخلوقاً، حادثاً، كائناً بعد أن لم يكن، وكان الرب لم يزل متكلماً بمشيئته، فعالاً لما يشاء. وهذا يناقض قولكم، ويستلزم أن كل ما سواه مخلوق، ويوافق ما أخبرت به الرسل، وعلى هذا يدل العقل الصريح. فتبين أن العقل الصريح يوافق ما أخبرت به الأنبياء.
وإن أردتم الثالث، فسد قولكم، لأنه يستلزم أنه يشاء حدوثها بعد أن لم يكن فاعلاً لها، من غير تجدد سبب يوجب الإحداث، وهذا يناقض قولكم.
فإن صح هذا جاز أن يحدث كل شيء بعد أن لم يكن محدثاً لشيء، وإن لم يصح هذا بطل، فقولكم باطل على التقديرين.
وحقيقة قولكم أن المؤثر التام لا يكون إلا مع أثره، ولا يكون الأثر إلا مع المؤثر التام في الزمن، وحينئذ فيلزمكم أن لا يحدث شيء، ويلزمكم أن كل ما حدث، حدث بدون مؤثر، ويلزمكم بطلان الفرق بين أثر وأثر، وليس لكم أن تقولوا بعض الآثار يقارن المؤثر التام، وبعضها يتراخى عنه2.
والناس لهم في استلزام المؤثر أثره قولان:
فمن قال إن الحادث يحدث في الفاعل بدون سبب حادث، فإنه يقول المؤثر التام لا يجب أن يكون أثره معه بل يجوز تراخيه، ويقول إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه
1 - انظر: الصفدية 1/39.
2 -
انظر: مجموع الفتاوى 12/47، الصفدية 1/53، 2/136.
بمجرد قدرته التي لم تزل، أو بمجرد مشيئته التي لم تزل، وإن لم يحدث عند وجود الحادث سبب.
والقول الثاني أن المؤثر التام يستلزم أثره، وفي معنى هذا الاستلزام قولان:
أحدهما: أن يكون معه بحيث يكون زمان الأثر المعين زمان المؤثر فهذا هو الذي تقوله المتفلسفة وهو معلوم الفساد بصريح العقل عند جمهور العقلاء.
والثاني: أن يكون الأثر عقب تمام المؤثر، وهذا يقر به جمهور العقلاء وهو يستلزم أن لا يكون في العالم شيء قديم بل كل ما فعله القديم الواجب بنفسه فهو محدث1.
فالمؤثر التام هو الذي يستلزم أثره، بحيث يكون الأثر عقب تمام المؤثر، لا معه.
1 - انظر: درء التعارض 1/366 - 367، 4/291، 8/272.