المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين - الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية

[آمال بنت عبد العزيز العمرو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: المصادر والقواعد في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها عند أهل السنة ومخالفيهم

- ‌الفصل الأول: مصادر أهل السنة وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌المصدر الثاني: السنة النبوية

- ‌المصدر الثالث: لغة العرب

- ‌المصدر الرابع: آثار السلف

- ‌المبحث الثاني: قواعد أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌ القاعدة الأولى: التزام ألفاظ الشرع

- ‌القاعدة الثانية: التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌القاعدة الثالثة: تجنب الألفاظ البدعية

- ‌القاعدة الرابعة: تجنب الألفاظ المجملة، والتفصيل فيها

- ‌القاعدة الخامسة: تجنب التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثاني: مصادر المخالفين وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: العقل

- ‌المصدر الثاني: الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي

- ‌المصدر الثالث: الملل والديانات الأخرى

- ‌المصدر الرابع: الكشف

- ‌المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌الأولى: عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها

- ‌الثانية: عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌الثالثة: استعمال الألفاظ البدعية

- ‌الرابعة: استعمال الألفاظ المجملة

- ‌الخامسة: التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثالث: معنى الحد عند المنطقيين ونقده عند أهل السنة

- ‌المبحث الأول: معنى الحد في اللغة

- ‌المبحث الثاني: معنى الحد عند المنطقيين

- ‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين

- ‌الفصل الرابع: أشهر المؤلفات في مصطلحات العقيدة عرض وتقويم

- ‌المبحث الأول: كتاب: المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين

- ‌التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: كتاب: التعريفات

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثالث: كتاب: التوقيف على مهمات التعاريف

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌الباب الثاني: دراسة تطبيقية على ألفاظ توحيد الربوبية ومصطلحاته

- ‌الفصل الأول: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بخصائص الربوبية

- ‌تمهيد

- ‌الرّب

- ‌الإحياء

- ‌الإماتة

- ‌الأمر

- ‌المُلْك

- ‌الرَّزق

- ‌الخلق

- ‌الإبداع

- ‌التأثير

- ‌الإيجاد - الموجود - الوجود

- ‌الماهية

- ‌القِدَم

- ‌الأبدية

- ‌الأزلية

- ‌الواحد بالعين

- ‌الواحد بالنوع

- ‌الوحدة في الأفعال

- ‌الفصل الثاني: ألفاظ أدلة توحيد الربوبية ومصطلحاتها

- ‌مقدمة:

- ‌الدليل

- ‌العلم الضروري

- ‌العلم النظري

- ‌الشك

- ‌المعرفة

- ‌النظر

- ‌التسلسل

- ‌الدور

- ‌الجسم

- ‌الجوهر

- ‌العرض

- ‌المعدوم

- ‌الممتنع

- ‌المستحيل

- ‌الممكن

- ‌واجب الوجود

- ‌العالَم

- ‌العالم حادث

- ‌الأفول

- ‌دليل التغير

- ‌إمكان الصفات "إمكان الأعراض

- ‌حدوث الذوات"حدوث الأجسام

- ‌حدوث الصفات"حدوث الأعراض

- ‌الإحكام والإتقان

- ‌دليل التمانع

- ‌الفطرة

- ‌الفصل الثالث: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة ب‌‌الشرك في الربوبية

- ‌الشرك في الربوبية

- ‌التعطيل

- ‌الزندقة

- ‌الإلحاد

- ‌العلة

- ‌العقل

- ‌النفس

- ‌الصدور والفيض

- ‌التولد

- ‌الموجب بالذات

- ‌قدم العالم

- ‌الهيولى

- ‌الدهر

- ‌الصدفة

- ‌الطبيعة

- ‌الاتحاد

- ‌الحلول

- ‌التثليث

- ‌الثنوية

- ‌السحر

- ‌التولة

- ‌التنجيم

- ‌الاستسقاء بالأنواء

- ‌الطِّلسم

- ‌الكهانة

- ‌الطِّيَرة

- ‌العرافة

- ‌العيافة

- ‌الفصل الرابع: المصطلحات البدعية في توحيد الربوبية

- ‌الأبدال

- ‌الأوتاد

- ‌القطب والغوث

- ‌النجباء والنقباء

- ‌العارف

- ‌رجال الغيب

- ‌الفناء

- ‌الكشف

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين

‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين

.

قبل أن نبين نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين، يحسن أن نبين معنى الحد عند جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين.

أولاً - معنى الحد عند جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين:

جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين على خلاف أهل المنطق في تعريفهم للحد وفائدته، فالحد عندهم هو ما يحصل به التمييز للمحدود من غيره1.

وقالوا: "إن حد الشيء وحقيقته خاصته التي تميزه"2.

وقالوا: الحد تفصيل ما دل عليه الاسم بالإجمال3.

والحد: "ما أحاط بالمحدود بحيث لا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه ما هو منه"4.

وقيل: "هو الجامع المانع، ويقال: المطرد المنعكس"5، وهو يحصل بالخواص اللازمة التي لا تحتاج إلى ذكر الصفات المشتركة بينه وبين غيره6.

والخلاصة أنهم يرون أن الحد يفيد تمييز المحدود لا تصوير حقيقته، وهذا التعريف واضح الارتباط بالمعنى اللغوي للحد والذي سبق بيانه.

1 - انظر: الرد على المنطقيين ص 14 - 15، الصفدية 2/295، التمهيد ص 34، شرح الأصول الخمسة ص 40، التعريفات ص 116، التوقيف ص 271.

2 -

الرد على المنطقيين ص 15.

3 -

انظر: الصفدية 2/295، الدرء 3/320.

4 -

التمهيد ص 34، وانظر: الرد على المنطقيين ص 19.

5 -

الحدود الأنيقة للأنصاري 2/65.

6 -

انظر: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام للدكتور علي سامي النشار 1/39.

ص: 117

ثانياً - نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين:

لقد أخطأ المنطقيون في دعواهم أن الحدود تفيد تصوير الحقائق، ولم يكن قولهم في ذلك دقيقاً، ولا مطابقاً للواقع، بل غاية الحد أنه يفيد تمييز المحدود عن غيره، وشرح معناه، ومن وجوه الرد عليهم في ذلك ما يلي:

الوجه الأول:

أن الحد مجرد قول الحاد ودعواه، فإنه إذا قال: حد الإنسان مثلاً: إنه الحيوان الناطق أو الضاحك، فهذه قضية خبرية، ومجرد دعوى خلية عن حجة. فإما أن يكون المستمع لها عالماً بصدقها بدون هذا القول، وإما أن لا يكون. فإن كان عالماً بذلك ثبت أنه لم يستفد هذه المعرفة بهذا الحد. وإن لم يكن عالماً، فمجرد قول المخبر الذي لا دليل معه، لا يفيده العلم. كيف وهو يعلم أنه ليس بمعصوم في قوله؟ فقد تبين أنه على التقديرين ليس الحد هو الذي يفيده معرفة المحدود. فإن قيل الحد مفرد، قيل التكلم بالمفرد لا يفيد، ولا يكون جواباً لسائل، ثم إذا قدر أن الحد هو المفرد فالمفردات أسماء، وغاية السائل أن يتصور مسماها، لكن من أين له إذا تصور مسماها أن هذا المسمى هو المسؤول عنه، وأن هذا المسمى هو حقيقة المحدود؟.

فإن قيل يفيده مجرد تصور المسمى من غير أن يحكم أنه هو ذلك أو غير ذلك، قيل فحينئذ يكون هذا كمجرد دلالة اللفظ المفرد على معناه، وهو دلالة الاسم على مسماه، وهذا يحقق أن دلالة الحد كدلالة الاسم. وهذا قول أهل الصواب الذين يقولون:"الحد تفصيل ما دل عليه الاسم بالإجمال "، وحينئذ فيقال: لا نزاع بين العقلاء أن مجرد الاسم لا يوجب تصوير المسمى لمن لم يتصوره بدون ذلك، وإنما الاسم يفيد الدلالة عليه والإشارة إليه1.

1 - انظر: الرد على المنطقيين ص 32 - 34، مجموع الفتاوى9/91.

ص: 118

الوجه الثاني:

أن يقال: لو كان الحد مفيداً لتصور المحدود، لم يحصل ذلك إلا بعد العلم بصحة الحد، فإنه دليل التصور وطريقه وكاشفه، فمن الممتنع أن نعلم صحة المعرَّف المحدود قبل العلم بصحة المعرِّف. والعلم بصحة الحد لا يحصل إلا بعد العلم بالمحدود، إذ الحد خبر عن مخبر هو المحدود، فمن الممتنع أن يعلم صحة الخبر وصدقه قبل تصور المخبَر عنه، من غير تقليد المخبِر وقبول قوله فيما يشترك في العلم به المخبَر1.

الوجه الثالث:

أن من المعلوم أن أغلب الحقائق والمعلومات، يستقبلها الناس عن طريق الحواس الخمس، وهي التي تساهم في تشكيل التصورات والخرائط المختلفة للأشياء، ويؤثر على هذا التصور مجموعة من العوامل، منها ثقافة الشخص، وخلفيته المعرفية، وقناعاته الخاصة، وبيئته التي نشأ فيها، كما أن لكل واحد منا حاسته الخاصة التي يعتمد عليها أكثر من غيرها. لذلك فكل شخص له صورته الخاصة لذلك الشيء المحدود، والتي قد تختلف عن الصور التي رسمها الآخرون، فالحد إذاً لا يفيد تصوير حقيقة المحدود كما هي عليه، بل تمييزها عن غيرها.

الوجه الرابع:

أنهم يحدون المحدود بالصفات التي يسمونها الذاتية، ويسمونها أجزاء الحد، وأجزاء الماهية، والمقوّمة لها، والداخلة فيها، ونحو ذلك من العبارات، فإن لم يعلم المستمع أن المحدود موصوف بتلك الصفات امتنع أن يتصوره، وإن علم أنه موصوف بها كان قد تصوره بدون الحد. فثبت أنه على تقدير النقيضين لا يكون قد تصوره بالحد وأما فائدة الحد فهي من جنس فائدة الاسم، وهو التمييز بين الشيء المحدود وغيره. وأئمة المصنفين

1 - انظر: الرد على المنطقيين ص 38 - 39، مجموع الفتاوى9/92 - 93.

ص: 119

في صناعة الحدود على طريقة المنطقيين يعترفون بهذا عند التحقيق كأبي حامد الغزالي1، والفارابي2 وابن سينا3.

الوجه الخامس:

أن التصورات المفردة يمتنع أن تكون مطلوبة، فيمتنع أن تطلب بالحد، وذلك لأن الذهن إما أن يكون شاعراً بها، وإما أن لا يكون شاعراً بها، فإن كان شاعراً بها، امتنع طلب الشعور وحصوله، لأن تحصيل الحاصل ممتنع، وإنما قد يطلب دوام الشعور وتكراره أو قوته. وإن لم يكن شاعراً بها امتنع من النفس طلب ما لا تشعر به، فإن الطلب والقصد مسبوق بالشعور.

وإذا لم تكن التصورات المفردة مطلوبة، فإما أن تكون حاصلة للإنسان، فلا تحصل بالحد، فلا يفيد الحد التصوير، وإما أن لا تكون حاصلة، فمجرد حصول الحد لا يوجب تصور المسميات لمن لا يعرفها، فالحاصل أن فائدة الحد من جنس فائدة الاسم4.

الوجه السادس:

أن يقال: المفيد لتصور الحقيقة عندهم هو الحد التام، وهو الحقيقي المؤلف من الجنس والفصل، ومن الذاتيات المشتركة والمميزة، دون العرضيات التي هي العرض العام5، والخاصة6. وهذا الكلام مبني على الفرق بين الذاتي والعرضي.

وقد ذكروا فروقاً ثلاثة بينهما، وقد طعن محققوهم في كل واحد من هذه الفروق، وبينوا أنه لا يحصل بها الفرق بين الذاتي وغيره7.

1 - انظر: معيار العلم ص 270 - 272، الرد على المنطقيين ص 40 - 41.

2 -

انظر: الألفاظ المستعملة في المنطق ص 88 - 90، 78، 81، الرد على المنطقيين ص 41 - 42.

3 -

انظر: الرد على المنطقيين ص 39 - 40، مجموع الفتاوى 9/93.

4 -

انظر: الرد على المنطقيين ص 61 - 62، مجموع الفتاوى9/96 - 97.

5 -

العرض العام هو ما يقال على كثيرين مختلفين بالحقائق قولا غير ذاتي؛ كالأسود والأبيض بالنسبة للإنسان. انظر: المبين ص73.

6 -

الخاصة عبارة عما يقال على كلي واحد قولاً عرضياً؛ كالكاتب بالنسبة إلى الإنسان. انظر: المبين ص73.

7 -

انظر: الرد على المنطقيين ص 62 - 63، 64 - 73، مجموع الفتاوى 9/97 - 98.

ص: 120

الوجه السابع:

أن يقال: قولهم "إن الحد التام يفيد تصوير الحقيقة"، واشتراطهم أن يكون مؤلفاً من الذاتي المميز والذاتي المشترك، إن أريد بالحد التام ما يصور الصفات الذاتية على التفصيل - مشتركها ومميزها -، فالجنس القريب مع الفصل لا يحصل ذلك، وإن أريد بما يدل على الذاتيات ولو بالتضمن أو الالتزام، فالفصل بل الخاصة يدل على ذلك.

وإذا عارضهم من يوجب ذكر جميع الأجناس، أو يحذف جميع الأجناس لم يكن لهم عنه جواب إلا أن هذا وضعهم واصطلاحهم. ومعلوم أن العلوم الحقيقية لا تختلف باختلاف الأوضاع. فقد تبين أن ما ذكروه هو من باب الوضع والاصطلاح، الذي جعلوه من باب الحقائق الذاتية والمعارف. وهذا عين الضلال والإضلال1.

الوجه الثامن:

هو أن اشتراطهم ذكر الفصول التي هي الذاتيات المميزة مع تفريقهم بين الذاتي والعرضي اللازم للماهية غير ممكن. إذ ما من مميز هو من خواص المحدود المطابقة له في العموم والخصوص إلا ويمكن شخصاً أن يجعله ذاتياً مميزاً، ويمكن الآخر أن يجعله عرضياً لازماً2.

الوجه التاسع:

أن يقال: هذا التعليم دوري قبلي، فلا يصح. وذلك أنهم يقولون: إن المحدود لا يتصور أو لا يحد حداً حقيقياً إلا بذكر صفاته الذاتية. ثم يقولون: الذاتي هو ما لا يمكن تصور الماهية بدون تصوره. فيفرقون بين الذاتي وغير الذاتي أن الذاتي ما يتوقف عليه تصور الماهية، فلابد أن يتصور قبلها.

ويقولون تارة: لابد أن يتصور معها. فلا يمكن عندهم أن يتأخر تصوره عن تصور الماهية، وبذلك يعرف أنه وصف ذاتي.

1 - انظر: الرد على المنطقيين ص 73 - 75، مجموع الفتاوى 9/100 - 101.

2 -

انظر: الرد على المنطقيين ص 76 - 77، مجموع الفتاوى 9/101.

ص: 121

فحقيقة قولهم أنه لا يعلم الذاتي من غير الذاتي حتى تعلم الماهية، ولا تعلم الماهية حتى تعلم الصفات الذاتية التي منها تؤلف الماهية وهذا دور.

فإذا كان المتعلم لا يتصور المحدود حتى يتصور صفاته الذاتية، ولا يعرف أن الصفة ذاتية حتى يتصور الموصوف الذي هو المحدود، فيتوقف معرفتها على معرفتها، فلا يعرف هو ولا يعرف الذاتيات. وهذا كلام متين يجتاح أصل كلامهم، ويبين أنهم متحكمون فيما وضعوه، لم يبنوه على أصل علمي تابع للحقائق1.

الوجه العاشر:

أن الحدود إنما هي أقوال كلية، كقولنا حيوان ناطق، فتصور معناها لا يمنع من وقوع الشركة فيها، وإن كانت الشركة ممتنعة لسبب آخر، فهي إذن لا تدل على حقيقة معينة بخصوصها، وإنما تدل على معنى كلي. والمعاني الكلية وجودها في الذهن لا في الخارج، فما في الخارج لا يتعين، ولا يعرف بمجرد الحد، وما في الذهن ليس هو حقائق الأشياء، فالحد لا يفيد تصور الحقيقة أصلا2.

الوجه الحادي عشر:

أن الحد من باب الألفاظ، واللفظ لا يدل المستمع على معناه إن لم يكن قد تصور مفردات اللفظ بغير اللفظ. لأن اللفظ المفرد لا يدل المستمع على معناه إن لم يعلم أن اللفظ موضوع للمعنى، ولا يعرف ذلك حتى يعرف المعنى. فتصور المعاني المفردة يجب أن يكون سابقاً على فهم المراد بالألفاظ. فلو استفيد تصورها من الألفاظ لزم الدور، وهذا أمر محسوس، فإن المتكلم باللفظ المفرد إن لم يبين للمستمع معناه حتى يدركه بحسه أو بنظره، وإلا لم يتصور إدراكه له بقول مؤلف من جنس وفصل3.

1 - انظر: الرد على المنطقيين ص 77 - 78، مجموع الفتاوى 9/101 - 102.

2 -

انظر: نقض المنطق ص 186 - 187.

3 -

انظر: المرجع السابق ص 187.

ص: 122

الوجه الثاني عشر:

أن العلم بوجود صفات مشتركة ومختصة حق، لكن التمييز بين تلك الصفات بجعل بعضها ذاتياً تتقوم منه حقيقة المحدود، وبعضها لازماً لحقيقة المحدود تفريق باطل، بل جميع الصفات الملازمة للمحدود طرداً وعكساً هي جنس واحد؛ فلا فرق بين الفصل والخاصة، ولا بين الجنس والعرض العام.

وذلك أن الحقيقة المركبة من تلك الصفات إما أن يعني بها الخارجة، أو الذهنية، أو شيء ثالث. فإن عنى بها الخارجة فالنطق والضحك في الإنسان حقيقتان لازمتان يختصان به، وإن عنى الحقيقة التي في الذهن؛ فالذهن يعقل اختصاص هاتين الصفتين به دون غيره.

وإن قيل: بل إحدى الصفتين يتوقف عقل الحقيقة عليها، فلا يعقل الإنسان في الذهن حتى يفهم النطق، وأما الضحك فهو تابع لفهم الإنسان. وهذا معنى قولهم: الذاتي ما لا يتصور فهم الحقيقة بدون فهمه، أو ما تقف الحقيقة في الذهن والخارج عليه.

قيل: إدراك الذهن أمر نسبي إضافي. فإن كون الذهن لا يفهم هذا إلا بعد هذا؛ أمر يتعلق بنفس إدراك الذهن، ليس هو شيئاً ثابتاً للموصوف في نفسه. فلا بد أن يكون الفرق بين الذاتي والعرضي بوصف ثابت في نفس الأمر، سواء حصل الإدراك له أو لم يحصل، إن كان أحدهما جزءاً للحقيقة دون الآخر وإلا فلا1.

الوجه الثالث عشر:

أن الحد إذا كان له جزءان فلا بد لجزئيه من تصور كالحيوان والناطق، فإن احتاج كل جزء إلى حد لزم التسلسل أو الدور. فإن كانت الأجزاء متصورة بنفسها بلا حد - وهو تصور الحيوان، أو الحساس، أو المتحرك بالإرادة - فمن المعلوم أن هذه أعم. وإذا كانت أعم يكون إدراك الحس لأفرادها أكثر. فإن كان إدراك الحس لأفرادها كافياً في التصور فالحس قد أدرك أفراد النوع. وإن لم يكن كافياً في ذلك لم تكن الأجزاء معروفة، فيحتاج المعرِّف إلى معرِّف، وأجزاء الحد إلى حد2.

1 - انظر: نقض المنطق ص 189.

2 -

انظر: المرجع السابق ص 192 - 193.

ص: 123

الوجه الرابع عشر:

أنه لو كان الحد يفيد تصوير حقيقة الشيء، ويدل على كنهه وماهيته، لاتفق الناس في تصورهم للأشياء قبل رؤيتها، ولكن الواقع يثبت خلاف ذلك، فلكل شخص تصوره الخاص عما يُحد له، ويتدخل في ذلك الخلفية المعرفية لكل شخص، ومستوى الفهم، والقدرة على التصور والتخيل. فثبت أن الحد لا يصور المحدود.

هذه بعض الردود التي يمكن الرد بها على المنطقيين في تعريفهم للحد، وتضخيمهم لشأنه، ومن خلال هذه الردود يتبين لنا فساد معنى الحد عند المنطقيين، وبطلانه، وأنه غير ممكن، وقد تعسر عليهم تحصيله وفق شروطهم، مع أنهم واضعوه.

ص: 124