الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها
الأولى: عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها
…
المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها:
1 -
عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها.
2 -
عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها.
3 -
استعمال الألفاظ البدعية.
4 -
استعمال الألفاظ المجملة.
5 -
التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات.
1 -
عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها.
يتخذ المتكلمون والفلاسفة العقل مصدراً رئيساً لمسائل العقيدة؛ بما في ذلك ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها، وهم يقصون السمع بعيداً في أمور العقيدة؛ لأنهم يزعمون أن الدلائل اللفظية - وهي السمع - لا تفيد اليقين، يقول الفخر الرازي في تقرير ذلك:"إن التمسك بالدلائل اللفظية، موقوف على أمور عشرة، وكل واحد منها ظني، والموقوف على الظني: ظني، ينتج أن التمسك بالدلائل اللفظية لا يفيد إلا الظن"1. ثم بين تلك الأمور العشرة وهي:
نقل مفردات اللغة، ونقل النحو والتصريف، وعدم الاشتراك، وعدم إرادة المجاز، وعدم الإضمار والحذف، وعدم التقديم والتأخير، وعدم المخصص، وعدم المعارض النقلي، وعدم المعارض العقلي، وأن يكون الدليل النقلي قطعي الدلالة والمتن، وأن تكون دلالته مانعة من النقيض2.
وبهذا طرحوا دلالة السمع لأنها في نظرهم ظنية. وإذا تعارض العقل والنقل - في نظرهم - قدموا العقل لأنه قطعي الدلالة، وأما النقل فإما أن يرفضوه لأنه غير صحيح - بزعمهم - أو يشتغلوا بتأويله لأن ظاهره غير مراد! 3. يقول الغزالي:"كل خبر مما يشير إلى إثبات صفة للباري - تعالى - يشعر ظاهره بمستحيل في العقل، نظر: إن تطرق إليه التأويل قبل وأول، وإن لم يندرج فيه احتمال تبين على القطع كذب الناقل"1.
2 - المطالب العالية 9/114 - 118، وانظر: المحصل ص 51، المواقف ص40.
3 -
انظر: أساس التقديس ص 220 - 221، المستصفى 2/137 - 138.
1 -
المنخول للغزالي ص 286.
ويقول أبو المعين النسفي1: "إن حمل الآيات على ظواهرها والامتناع عن صرفها إلى ما يحتمله من التأويل، يوجب تناقضاً فاحشاً في كتاب الله - تعالى -"2.
ومن الأمثلة لذلك قول الرازي: "لما ثبت بالدليل أنه - سبحانه - منزه عن الجهة والجسمية، وجب علينا أن نضع لهذه الألفاظ الواردة في القرآن والأخبار محملاً صحيحاً، لئلا يصير ذلك سبباً للطعن فيها"3.
وتأويلهم تحريف للفظ عن معناه الصحيح، وهم يستعينون على ذلك بغرائب المجازات، وبعيد اللغة، يقول شيخ الإسلام رحمه الله:"وأما أهل التحريف والتأويل فهم الذين يقولون إن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال إلا ما هو الحق في نفس الأمر، وإن الحق في نفس الأمر هو ما علمناه بعقولنا، ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات، التي يحتاجون فيها إلى إخراج اللغات عن طريقتها المعروفة، وإلى الاستعانة بغرائب المجازات والاستعارات"1.
ومن مظاهر عدم التزامهم ألفاظ الشرع واستبدالهم غيرها من الألفاظ؛ أن كتب العقائد التي يؤلفونها مليئة بألفاظ لم تجيء في الشرع، ومع ذلك هي عمدة مسائلهم، كحديثهم عن الجوهر والعرض والجسم والواجب والتحيز والجهة والمركب والمنقسمونحوها، فمثل هذه المسائل ليست هي أصول الدين - كما زعموا -، لأن أصول الدين هي ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم 5، أما هذه الألفاظ فلم يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته من بعده في مسائل أصول الدين، مما يدل على أنها محدثة مبتدعة، وكل بدعة ضلالة.
وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك وهم الذين يطرحون النصوص، ولا يرون حجيتها في العقائد، وهم الذين يرون أن الأنبياء قصدوا ظواهر النصوص لإفهام العامة، وإن كان هذا الظاهر باطلاً ولكن للمصلحة فقط، وهؤلاء يسميهم ابن تيمية رحمه الله أهل
1 - الشيخ أبو المعين ميمون بن محمد النسفي الحنفي، من أشهر علماء الماتريدية، له مؤلفات كثيرة منها تبصرة الأدلة، وبحر الكلام توفي سنة ثمان وخمسمائة. انظر: الجواهر المضية3/527، كشف الظنون1/225، 337، 484، 563، 569.
3 -
أساس التقديس ص 109.
1 -
درء التعارض 1/12 وانظر بيان تلبيس الجهمية 1/523.
5 -
انظر: درء التعارض 1/24.
الوهم والتخييل1، ومنهم ابن سينا فهو يقول:"أما أمر الشرع فينبغي أن يعلم فيه قانون واحد، وهو أن الشرع والملل الآتية على لسان نبي من الأنبياء، يرام بها خطاب الجمهور كافة، ثم من المعلوم الواضح أن التحقيق الذي ينبغي أن يرجع إليه في صحة التوحيد؛ من الإقرار بالصانع موحداً، مقدساً عن الكم، والكيف، والأين، والمتى، والوضع، والتغير.. ممتنع إلقاؤه إلى الجمهور"2. ويستبعد إرادة المجاز والاستعارة في آيات التوحيد لأنه لا يرى حجيتها مطلقاً، بل يرى أنها جاءت لإفهام الجمهور، وإن كان كذباً، فيقول: "ثم هب الكتاب العربي جائياً على لغة العرب، وعادة لسانهم من الاستعارة والمجاز، فما قولهم في الكتاب العبراني كله، وهو من أوله إلى آخره تشبيه صرف
…
فظاهر من هذا كله أن الشرائع واردة لخطاب الجمهور بما يفهمون، مقرباً ما لا يفهمون إلى أفهامهم بالتشبيه، والتمثيل..فكيف يكون ظاهر الشرع حجة في هذا الباب؟! "1، وهذا كفر بكتاب الله - تعالى -.
وهؤلاء وأولئك جعلوا الألفاظ المبتدعة المجملة هي ألفاظ العقيدة التي لا يعرفها إلا الخواص، وأعرضوا عن ألفاظ الشرع، يقول شيخ الإسلام:"وهؤلاء جعلوا هذه الألفاظ المبتدعة المجملة أصلاً أمروا بها، وجعلوا ما جاء به الرسول من الآيات والأحاديث فرعاً يعرض عنها ولا يتكلم بها فكيف يكون تبديل الدين إلا هكذا! "4.
فالمتكلمون والفلاسفة لا يلتفتون إلى ألفاظ الشرع، وإن استعملوها أعملوا فيها التأويل والمجاز.
1 - درء التعارض 1/8 - 9.
2 -
الأضحوية في المعاد ص 97 - 98.
1 -
المرجع السابق ص 102 - 103.
4 -
التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى 5/14.