المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الجوهر 1 - معنى الجوهر في اللغة: جاء في الصحاح: "والجوهر معرب، - الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية

[آمال بنت عبد العزيز العمرو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: المصادر والقواعد في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها عند أهل السنة ومخالفيهم

- ‌الفصل الأول: مصادر أهل السنة وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌المصدر الثاني: السنة النبوية

- ‌المصدر الثالث: لغة العرب

- ‌المصدر الرابع: آثار السلف

- ‌المبحث الثاني: قواعد أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌ القاعدة الأولى: التزام ألفاظ الشرع

- ‌القاعدة الثانية: التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌القاعدة الثالثة: تجنب الألفاظ البدعية

- ‌القاعدة الرابعة: تجنب الألفاظ المجملة، والتفصيل فيها

- ‌القاعدة الخامسة: تجنب التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثاني: مصادر المخالفين وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: العقل

- ‌المصدر الثاني: الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي

- ‌المصدر الثالث: الملل والديانات الأخرى

- ‌المصدر الرابع: الكشف

- ‌المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌الأولى: عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها

- ‌الثانية: عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌الثالثة: استعمال الألفاظ البدعية

- ‌الرابعة: استعمال الألفاظ المجملة

- ‌الخامسة: التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثالث: معنى الحد عند المنطقيين ونقده عند أهل السنة

- ‌المبحث الأول: معنى الحد في اللغة

- ‌المبحث الثاني: معنى الحد عند المنطقيين

- ‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين

- ‌الفصل الرابع: أشهر المؤلفات في مصطلحات العقيدة عرض وتقويم

- ‌المبحث الأول: كتاب: المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين

- ‌التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: كتاب: التعريفات

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثالث: كتاب: التوقيف على مهمات التعاريف

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌الباب الثاني: دراسة تطبيقية على ألفاظ توحيد الربوبية ومصطلحاته

- ‌الفصل الأول: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بخصائص الربوبية

- ‌تمهيد

- ‌الرّب

- ‌الإحياء

- ‌الإماتة

- ‌الأمر

- ‌المُلْك

- ‌الرَّزق

- ‌الخلق

- ‌الإبداع

- ‌التأثير

- ‌الإيجاد - الموجود - الوجود

- ‌الماهية

- ‌القِدَم

- ‌الأبدية

- ‌الأزلية

- ‌الواحد بالعين

- ‌الواحد بالنوع

- ‌الوحدة في الأفعال

- ‌الفصل الثاني: ألفاظ أدلة توحيد الربوبية ومصطلحاتها

- ‌مقدمة:

- ‌الدليل

- ‌العلم الضروري

- ‌العلم النظري

- ‌الشك

- ‌المعرفة

- ‌النظر

- ‌التسلسل

- ‌الدور

- ‌الجسم

- ‌الجوهر

- ‌العرض

- ‌المعدوم

- ‌الممتنع

- ‌المستحيل

- ‌الممكن

- ‌واجب الوجود

- ‌العالَم

- ‌العالم حادث

- ‌الأفول

- ‌دليل التغير

- ‌إمكان الصفات "إمكان الأعراض

- ‌حدوث الذوات"حدوث الأجسام

- ‌حدوث الصفات"حدوث الأعراض

- ‌الإحكام والإتقان

- ‌دليل التمانع

- ‌الفطرة

- ‌الفصل الثالث: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة ب‌‌الشرك في الربوبية

- ‌الشرك في الربوبية

- ‌التعطيل

- ‌الزندقة

- ‌الإلحاد

- ‌العلة

- ‌العقل

- ‌النفس

- ‌الصدور والفيض

- ‌التولد

- ‌الموجب بالذات

- ‌قدم العالم

- ‌الهيولى

- ‌الدهر

- ‌الصدفة

- ‌الطبيعة

- ‌الاتحاد

- ‌الحلول

- ‌التثليث

- ‌الثنوية

- ‌السحر

- ‌التولة

- ‌التنجيم

- ‌الاستسقاء بالأنواء

- ‌الطِّلسم

- ‌الكهانة

- ‌الطِّيَرة

- ‌العرافة

- ‌العيافة

- ‌الفصل الرابع: المصطلحات البدعية في توحيد الربوبية

- ‌الأبدال

- ‌الأوتاد

- ‌القطب والغوث

- ‌النجباء والنقباء

- ‌العارف

- ‌رجال الغيب

- ‌الفناء

- ‌الكشف

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌الجوهر 1 - معنى الجوهر في اللغة: جاء في الصحاح: "والجوهر معرب،

‌الجوهر

1 -

معنى الجوهر في اللغة:

جاء في الصحاح: "والجوهر معرب، الواحدة جوهرة"1. و"الخرز فصوص من جيد الجوهر، ورديئه، من الحجارة ونحوها"2.

وفي لسان العرب: "الجوهر معروف، الواحدة جوهرة، والجوهر كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به"3.

فالجوهر لفظ معرب، ومعناه هو كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به، وقد يكون حجراً ثميناً، وقد يكون رديئاً.

ولم يرد لفظ الجوهر في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

1 - الصحاح 2/216.وانظر: لسان العرب 4/153.

2 -

العين 4/207.

3 -

لسان العرب 4/152، وانظر: المصباح المنير1/113، القاموس المحيط ص468.

ص: 257

2 -

معنى الجوهر في الاصطلاح:

الجوهر من المصطلحات التي يكثر استعمالها في كتب الفلسفة والكلام، ومعناه عند الفلاسفة - كما يقول الكندي -:"الجوهر هو القائم بنفسه، وهو حامل للأعراض لا تتغير ذاتيته؛ موصوف لا واصف، ويقال هو غير قابل للتكوين والفساد"1.

ويقول ابن سينا في حد الجوهر: "هو اسم مشترك؛ يقال جوهر لذات كل شيء كان كالإنسان، أو كالبياض. ويقال جوهر لكل موجود لذاته، لا يحتاج في الوجود إلى ذات أخرى يقارنها، حتى يقوم بالفعل؛ وهذا معنى قولنا الجوهر قائم بذاته. ويقال جوهر لما كان بهذه الصفة، وكان من شأنه أن يقبل الأضداد، بتعاقبها عليه. ويقال جوهر لكل ذات وجوده ليس في محل. ويقال جوهر لكل ذات وجوده ليس في موضوع2، وعليه اصطلح الفلاسفة القدماء منذ عهد أرسطوطاليس، في استعمالهم اسم الجوهر"3.

ويقول الآمدي: "وأما الجوهر فعلى أصول الحكماء ما وجوده لا في موضوع. والمراد بالموضوع: المحل المتقوم بذاته المقوم لما يحل فيه"4. ويوافق الرازي الفلاسفة في تعريف الجوهر حيث قال في المباحث المشرقية: "الجوهر هو الموجود لا في موضوع"5.

وأما عند المتكلمين فيقول الباقلاني: "والجوهر الذي له حيز، والحيز هو المكان، أو ما يقدر تقدير المكان، عن أنه يوجد فيه غيره"6.

ويقول أبو المعالي: "الجوهر قد ذكرت له حدود شتى، غير أنا نقتصر على ثلاثة منها، فنقول: الجوهر، المتحيز، وقيل: الجوهر ماله حجم، وقيل: الجوهر ما يقبل العرض"7. ويقول الآمدي: "وأما على أصول المتكلمين، فالجوهر عبارة عن المتحيز، وهو ينقسم إلى

1 - الحدود للكندي ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص191، وانظر: مفاتيح العلوم ص167.

2 -

الموضوع هو المحل المتقوم بذاته، المقوم لما يحل فيه، وينقسم إلى بسيط ومركب، أما البسيط فهو العقل والنفس والمادة والصورة، وأما المركب فهو الجسم. انظر: المبين ص109.

3 -

الحدود لابن سينا ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص249، وانظر: معيار العلم ص291.

4 -

المبين ص109.

5 -

المباحث المشرقية 1/240

6 -

الإنصاف ص16.

7 -

لمع الأدلة ص87، وانظر: الشامل 1/48 - 49، المطالب العالية 2/35.

ص: 258

بسيط، ويعبر عنه بالجوهر الفرد، وإلى مركب وهو الجسم"1.وقال الغزالي:"والجوهر على اصطلاح المتكلمين عبارة عما ليس في محل"2.

ويذكر الأشعري عن بعض المعتزلة، تعريفهم الجوهر بأنه ما احتمل الأعراض3.

وقال الجويني: "وقال المعتزلة الجوهر ما تحيز في الوجود"4.

ويعرف النصارى الجوهر بأنه القائم بذاته5.

ويطلق الفلاسفة المتقدمون؛ كأرسطو، وأمثاله، لفظ الجوهر على الله - تعالى -، وعنهم أخذت النصارى هذه التسمية، فإن أرسطو كان قبل المسيح بأكثر من ثلاثمائة سنة، كما أن بعض النصارى يحتج على هذا الإطلاق بأنه موجود في كتب الفلسفة6.

وأما المتأخرون من الفلاسفة؛ كابن سينا، فقد منع من إطلاق لفظ الجوهر على الله؛ لأنه يقول الجوهر ما إذا وجد كان وجوده لا في موضوع، وهذا إنما يكون فيما وجوده زائد على ذاته، وواجب الوجود وجوده عين ذاته، فلا يكون جوهرا، ونفى الجوهر عن الله نفاة الصفات، الذين يقولون إن الجوهر ما شغل الحيز، وحمل الأعراض، قالوا: والله سبحانه وتعالى ليس كذلك7.

3 -

موقف أهل السنة من لفظ الجوهر:

لا يختلف موقف أهل السنة من لفظ الجوهر، عن موقفهم من لفظ الجسم، إذ كلها ألفاظ محدثة، مجملة، مغايرة لمعناها في لغة العرب، وعامة من أطلقها في النفي أو الإثبات أراد بها ما هو باطل، فنفاة الصفات كلهم ينفون الجسم، والجوهر، والمركب، ونحوها، ويدخلون في نفي ذلك، نفي صفات الله - تعالى -.

ولذلك ينبغي الاستفسار عن المعنى المراد بلفظ الجوهر، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وما تنازع فيه المتأخرون نفياً وإثباتاً فليس على أحد، بل ولا له أن يوافق أحداً

1 - المبين ص109.

2 -

معيار العلم ص305.

3 -

انظر: مقالات الإسلاميين 2/8.

4 -

الشامل 1/49.

5 -

انظر: مقالات الإسلاميين 2/8، الشامل 1/49.

6 -

انظر: الجواب الصحيح 5/8 - 9، الدرء 4/142، هداية الحيارى ص144.

7 -

انظر: الجواب الصحيح 5/9، الإرشاد لأبي المعالي ص46 - 47، التمهيد ص78 - 79، المطالب العالية 2/35.

ص: 259

على إثبات لفظه أو نفيه، حتى يعرف مراده، فإن أراد حقاً قبل، وإن أراد باطلاً رد، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل، لم يقبل مطلقاً، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ ويفسر المعنى"1.

وقول المتكلمين والفلاسفة في معنى الجوهر باطل من عدة وجوه:

الأول: أن لفظ الجوهر لفظ محدث، لم يرد في كلام الله، ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم ينطق به الصحابة رضي الله عنهم لا نفياً ولا إثباتاً، ومثل هذا اللفظ يستحيل أن تبنى عليه المسائل المهمة في أصول الدين. يقول شيخ الإسلام عن لفظ الجوهر:"والشريعة لم تتعرض لهذا الاسم، وأمثاله، لا بنفي ولا بإثبات، فليس له في الشريعة ذكر، حتى يحتاج أن ينظر في معناه، والنظر العقلي إنما يكون في المعاني، لا في مجرد الاصطلاحات، فلم يبق فيه بحث علمي؛ لا شرعي ولا عقلي"2.

الثاني: أن لفظ الجوهر بمعناه الذي يريده الفلاسفة والمتكلمون، غير وارد في اللغة، فليس في اللغة أن معنى الجوهر؛ المتحيز، أو الموجود لا في موضوع، أو ما يقبل العرض. ولفظ الجوهر من العربية المعربة، لا من العربية العرباء، فهو كلفظ سجيل، واستبرق، وأمثال ذلك من الألفاظ المعربة. ولما عرب كان معناه في اللغة هو الجوهر المعروف، وتسمية القائم بنفسه، أو الشاغل للحيز جوهراً، أمر اصطلاحي، ليس هو من الأسماء اللغوية، ولا العرفية العامة، ولا من الأسماء الشرعية3.

الثالث: أن نفاة الصفات من المتكلمين والفلاسفة كلهم ينفون الجوهر، والجسم، ونحو ذلك. ويدخلون في نفيها نفي صفات الله، وحقائق أسمائه، ومباينته لمخلوقاته، بل قد يتضمن ذلك نفي حقيقة ذاته - سبحانه - كما سبق ذكر ذلك عند لفظ الجسم، وهذا باطل شرعاً وعقلاً.

الرابع: أن في بعض تعريفات الفلاسفة للجوهر ما يدل على قولهم بقدمه، وأبديته، وهذا يشبه قول بعض المتأخرين عن المادة إنها لا تفنى ولا تستحدث من العدم. وهو من تفريعات قول الفلاسفة بقدم العالم.

1 - التدمرية ص 65 - 66، وانظر: درء التعارض 4/146.

2 -

درء التعارض 10/239.

3 -

انظر: الجواب الصحيح 5/11.

ص: 260

4 -

معنى الجوهر الفرد:

يخصص المتكلمون اسم الجوهر، بالجوهر الفرد المتحيز، الذي لا ينقسم، ويسمون المنقسم جسماً لا جوهراً1، فالجوهر عند المتكلمين هو الجزء الذي لا يتجزأ. وقد قال بإثبات الجوهر الفرد، وهو الجزء الذي لا يتجزأ كثير من المتكلمين.

وزعم أبو المعالي أن المسلمين متفقون على ذلك، حيث قال:"اتفق الإسلاميون على أن الأجسام تتناهى في تجزيها حتى تصير أفراداً، وكل جزء لا يتجزأ، فليس له طرف واحد شائع لا يتميز "2.

وظنوا أن القول بإثبات الصانع، وبأنه خلق السماوات والأرض، وبأنه يقيم القيامة، ويبعث الناس من القبور، لا يتم إلا بإثبات الجوهر الفرد، فجعلوه أصلاً للإيمان بالله واليوم الآخر3.

5 -

الرد على مثبتي الجوهر الفرد:

إن مصطلح الجوهر الفرد لم يقل به أحد من سلف الأمة، بل جمهور الأمة حتى من طوائف أهل الكلام، ينكرون الجوهر الفرد، وينفون تركب الأجسام منه، وابن كلاب إمام أتباعه هو ممن ينكره4.

ونفى الجوهر الفرد كثير من طوائف أهل الكلام، وأهل الفلسفة، كالهشامية5

والنجارية6، والضرارية7، وكثير من الكرامية8.

1 - انظر: معيار العلم ص291.

2 -

الشامل 1/49.

3 -

انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/280، مجموع الفتاوى 9/299.

4 -

انظر: مجموع الفتاوى 17/244

5 -

سبق التعريف بالهشامية ص149 من البحث.

6 -

النجارية أصحاب الحسين بن محمد النجار، أحد كبار المتكلمين، له مناظرة مع النظام أغضب النظام فيها فرفسه فيقال مات منها بعد تعلل، وأكثر معتزلة الري وما حواليها على مذهبه وافقوا المعتزلة في مسائل الصفات، والقرآن، والرؤية، ووافقوا الصفاتية في خلق الأعمال، وهم فرق كثيرة منها البرغوثية والزعفرانية والمستدركة، انظر: الملل والنحل 1/88 - 89، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص70، سير أعلام النبلاء10/554.

7 -

الضرارية أتباع ضرار بن عمرو الكوفي، وكان في أول أمره تلميذاً لواصل بن عطاء، ثم خالفه في خلق الأعمال وإنكار عذاب القبر، وله تصانيف كثيرة تؤذن بذكائه وكثرة إطلاعه على الملل والنحل، وبعض القصص عنه تدل على موته في زمن الرشيد. انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص72، الملل والنحل1/90 - 91، سير أعلام النبلاء10/544.

8 -

انظر: درء التعارض1/303.

ص: 261

وقال النظام، والفلاسفة، بأن الأجزاء تتجزأ إلى ما لا نهاية1.

والذين نفوا الجوهر الفرد من الكلابية، والكرامية، وغيرهم، لا يقولون بقول النظّام والفلاسفة2.

والتحقيق كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "أن كلا المذهبين باطل، والصواب ما قاله من قاله من الطائفة الثالثة، المخالفة للطائفتين، أن الأجسام إذا تصغرت أجزاؤها، فإنها تستحيل، كما هو موجود في أجزاء الماء، إذا تصغر فإنه يستحيل هواءاً أو تراباً، فلا يبقى موجود ممتنع عن القسمة - كما يقوله المثبتون له - فإن هذا باطل، بما ذكره النفاة من أنه لا بد أن يتميز جانب له عن جانب، ولا يكون قابلاً للقسمة إلى غير نهاية، فإن هذا أبطل من الأول، بل يقبل القسمة إلى حد، ثم يستحيل إذا كان صغيراً، وليس استحالة الأجسام في صغرها محدوداً بحد واحد، بل قد يستحيل الصغير وله قدر يقبل نوعاً من القسمة، وغيره لا يستحيل حتى يكون أصغر منه، وبالجملة فليس في شيء منها قبول القسمة إلى غير نهاية، بل هذا إنما يكون في المقدرات الذهنية، فأما وجود مالا يتناهى بين حدين متناهيين فمكابرة، وسواء كان بالفعل أو بالقوة، ووجود موجود لا يتميز جانب له عن جانب مكابرة، بل الأجسام تستحيل مع قبول الانقسام، فلا يقبل شيء منها انقساماً لا يتناهى، كما أنها إذا كثرت وعظمت تنتهي إلى حد تقف عنده، ولا تذهب إلى أبعاد لا تتناهى"3.

وهذا ما أثبته العلم الحديث، حيث إن الذرة في العلم الحديث تقابل الجوهر الفرد عند المتكلمين، وقد أثبت أن لهذه الذرة نواة أصغر منها بآلاف المرات، وأن هذه النواة تنقسم، ويولد انقسامها طاقة هائلة4.

ومثبتو الجوهر الفرد قولهم باطل من وجوه:

الأول: أنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام، أن الرسول، والصحابة، والتابعين، وأئمة المسلمين، لم يبنوا شيئاً من أمر الدين على ثبوت الجوهر الفرد، ولا انتفائه، وليس المراد

1 - انظر: الشامل 1/49.

2 -

انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/284 - 285.

3 -

المرجع السابق 1/285.

4 -

انظر: المعجم الفلسفي للدكتور الحفني ص 128.

ص: 262

بذلك أنهم لم ينطقوا بهذا اللفظ، فإنه قد تجدد بعدهم ألفاظ اصطلاحية، يعبر بها عما دل عليه كلامهم في الجملة، وذلك بمنزلة تنوع اللغات، وتركيب الألفاظ المفردات، وإنما المقصود أن المعنى الذي يقصده المثبتة، والنفاة، بلفظ الجوهر الفرد، لم يبن عليها أحد من سلف الأمة، وأئمتها، مسألة واحدة من مسائل الدين، ولا ربطوا بذلك حكماً علمياً ولا عملياً. وقد أطبق أئمة الإسلام على ذم من بنى دينه على الكلام في الجواهر والأعراض1.

الوجه الثاني: أن "هؤلاء الذين ادعوا توقف الإيمان بالله، واليوم الآخر، على ثبوته، قد شكوا فيه، وقد نفوه في آخر عمرهم؛ كإمام المتأخرين من المعتزلة أبي الحسين البصري، وإمام المتأخرين من الأشعرية أبي المعالي الجويني، وإمام المتأخرين من الفلاسفة والمتكلمين أبي عبد الله الرازي، فإنه في كتابه2بعد أن بين توقف المعاد على ثبوته، وذكر ذلك غير مرة في أثناء مناظرته للفلاسفة، قال في المسألة لما أورد حجج نفاة الجوهر الفرد:..واعلم أنا نميل إلى التوقف في هذه المسألة، بسبب تعارض الأدلة، فإن إمام الحرمين صرح في كتاب التلخيص في أصول الفقه أن هذه المسألة من محارات العقول، وأبو الحسين البصري هو أحذق المعتزلة توقف فيها، فنحن أيضا نختار التوقف"3.

الوجه الثالث: دعواهم أن هذا قول جمهور متكلمي المسلمين غير صحيح، بل هو قول أبي الهذيل العلاف، ومن اتبعه من متكلمي المعتزلة، والذين أخذوا ذلك عنهم.

وقد نفى الجوهر الفرد من أئمة المتكلمين من ليسوا دون من أثبته، بل الأئمة فيهم أكثر من الأئمة في أولئك، فنفاه حسين النجار4وأصحابه، وضرار بن عمرو5 وأصحابه،

1 - انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/283.

2 -

لم أتمكن من معرفة هذا الكتاب.

3 -

انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/283.

4 -

رأس فرقة النجارية، سبق التعريف به عند التعريف بفرقة النجارية ص 261من البحث.

5 -

رأس فرقة الضرارية، سبق التعريف به عند التعريف بفرقة الضرارية ص261من البحث.

ص: 263

ونفاه أيضا هشام بن الحكم1 وأتباعه، وهو المقابل لأبي الهذيل، فإنهما متقابلان في النفي والإثبات، ونفته الكلابية، ونفاه أيضا طائفة من الكرامية ونفاه ابن الراوندي2.

فهذا يدل بجلاء على بطلان القول بالجوهر الفرد، وبطلان ما بنوا عليه من مسائل في العقيدة.

1 - سبق التعريف به عند التعريف بفرقة الهشامية ص 149من البحث.

2 -

انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/284، أما ابن الراوندي فقد قال الذهبي في ترجمته:"الملحد عدو الدين أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق الريوندي صاحب التصانيف في الحط على الملة، وكان يلازم الرافضة والملاحدة فإذا عوتب قال إنما أريد أن أعرف أقوالهم، ثم إنه كاشف وناظر وأبرز الشبه والشكوك.. مات سنة ثمان وتسعين ومئتين": السير14/59 - 61.

ص: 264