المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الإحياء 1 - معنى الإحياء في اللغة: لفظ إحياء يرجع إلى الكلمة - الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية

[آمال بنت عبد العزيز العمرو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: المصادر والقواعد في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها عند أهل السنة ومخالفيهم

- ‌الفصل الأول: مصادر أهل السنة وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌المصدر الثاني: السنة النبوية

- ‌المصدر الثالث: لغة العرب

- ‌المصدر الرابع: آثار السلف

- ‌المبحث الثاني: قواعد أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌ القاعدة الأولى: التزام ألفاظ الشرع

- ‌القاعدة الثانية: التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌القاعدة الثالثة: تجنب الألفاظ البدعية

- ‌القاعدة الرابعة: تجنب الألفاظ المجملة، والتفصيل فيها

- ‌القاعدة الخامسة: تجنب التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثاني: مصادر المخالفين وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: العقل

- ‌المصدر الثاني: الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي

- ‌المصدر الثالث: الملل والديانات الأخرى

- ‌المصدر الرابع: الكشف

- ‌المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌الأولى: عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها

- ‌الثانية: عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌الثالثة: استعمال الألفاظ البدعية

- ‌الرابعة: استعمال الألفاظ المجملة

- ‌الخامسة: التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثالث: معنى الحد عند المنطقيين ونقده عند أهل السنة

- ‌المبحث الأول: معنى الحد في اللغة

- ‌المبحث الثاني: معنى الحد عند المنطقيين

- ‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين

- ‌الفصل الرابع: أشهر المؤلفات في مصطلحات العقيدة عرض وتقويم

- ‌المبحث الأول: كتاب: المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين

- ‌التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: كتاب: التعريفات

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثالث: كتاب: التوقيف على مهمات التعاريف

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌الباب الثاني: دراسة تطبيقية على ألفاظ توحيد الربوبية ومصطلحاته

- ‌الفصل الأول: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بخصائص الربوبية

- ‌تمهيد

- ‌الرّب

- ‌الإحياء

- ‌الإماتة

- ‌الأمر

- ‌المُلْك

- ‌الرَّزق

- ‌الخلق

- ‌الإبداع

- ‌التأثير

- ‌الإيجاد - الموجود - الوجود

- ‌الماهية

- ‌القِدَم

- ‌الأبدية

- ‌الأزلية

- ‌الواحد بالعين

- ‌الواحد بالنوع

- ‌الوحدة في الأفعال

- ‌الفصل الثاني: ألفاظ أدلة توحيد الربوبية ومصطلحاتها

- ‌مقدمة:

- ‌الدليل

- ‌العلم الضروري

- ‌العلم النظري

- ‌الشك

- ‌المعرفة

- ‌النظر

- ‌التسلسل

- ‌الدور

- ‌الجسم

- ‌الجوهر

- ‌العرض

- ‌المعدوم

- ‌الممتنع

- ‌المستحيل

- ‌الممكن

- ‌واجب الوجود

- ‌العالَم

- ‌العالم حادث

- ‌الأفول

- ‌دليل التغير

- ‌إمكان الصفات "إمكان الأعراض

- ‌حدوث الذوات"حدوث الأجسام

- ‌حدوث الصفات"حدوث الأعراض

- ‌الإحكام والإتقان

- ‌دليل التمانع

- ‌الفطرة

- ‌الفصل الثالث: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة ب‌‌الشرك في الربوبية

- ‌الشرك في الربوبية

- ‌التعطيل

- ‌الزندقة

- ‌الإلحاد

- ‌العلة

- ‌العقل

- ‌النفس

- ‌الصدور والفيض

- ‌التولد

- ‌الموجب بالذات

- ‌قدم العالم

- ‌الهيولى

- ‌الدهر

- ‌الصدفة

- ‌الطبيعة

- ‌الاتحاد

- ‌الحلول

- ‌التثليث

- ‌الثنوية

- ‌السحر

- ‌التولة

- ‌التنجيم

- ‌الاستسقاء بالأنواء

- ‌الطِّلسم

- ‌الكهانة

- ‌الطِّيَرة

- ‌العرافة

- ‌العيافة

- ‌الفصل الرابع: المصطلحات البدعية في توحيد الربوبية

- ‌الأبدال

- ‌الأوتاد

- ‌القطب والغوث

- ‌النجباء والنقباء

- ‌العارف

- ‌رجال الغيب

- ‌الفناء

- ‌الكشف

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌الإحياء 1 - معنى الإحياء في اللغة: لفظ إحياء يرجع إلى الكلمة

‌الإحياء

1 -

معنى الإحياء في اللغة:

لفظ إحياء يرجع إلى الكلمة الثلاثية حيى، والحياة في لغة العرب ضد الموت، والإحياء ضد الإماتة، يقول ابن فارس: "الحاء والياء والحرف المعتل أصلان: أحدهما خلاف الموت، والآخر الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة.

فأما الأول فالحياة والحيوان، وهو ضد الموت والمَوَتان، ويسمى المطر حياً لأن به حياة الأرض، ويقال ناقة مُحْي ومُحْيِيَة لا يكاد يموت لها ولد"1.

ويقول الخليل: "حيي يحْيا فهو حيٌّ، ويقال للجميع حَيُّوا..والحيوان كل ذي روح.. والحيا مقصور حيا الربيع، وهو ما تحيا به الأرض من الغيث"2.

والإحياء البعث بعد الموت، والإحياء الإنشار، أنشر الموتى فنشروا إذا حيوا، وأنشرهم الله أي أحياهم3.

وأحيا الله الأرض أخرج فيها النبات. وإحياء الأرض مباشرتها بتأثير شيء فيها من إحاطة أو زرع أو عمارة ونحو ذلك4.

وإحياء الليل: السهر فيه بالعبادة وترك النوم5.

هذه خلاصة أقوال أهل اللغة في معنى كلمة الإحياء. وفي كتب المتأخرين جاء معنى الإحياء في كشاف اصطلاحات الفنون بأنه: "لغة جعل الشيء حياً أي ذا قوة احساسية أو نامئة"6.

1 - معجم مقاييس اللغة 2/122، وانظر: الصحاح 6/2323، لسان العرب 14/211.

2 -

العين 3/317.

3 -

انظر: لسان العرب 5/207، المُغَرِّب في ترتيب المعرب لأبي الفتح المطرزي ص452.

4 -

انظر: لسان العرب 14 /214، 216.

5 -

انظر: المرجع السابق 14/214.

6 -

كشاف اصطلاحات الفنون 1/401.

ص: 140

وبتأمل معنى الإحياء في اللغة نجد أنه مصدر للفعل أحيا، وأنه يدور على معنيين: الأول هو إحياء الميت بمعنى بعثه بعد الموت وإرجاع الحياة إليه.

الثاني إحياء معنوي كإحياء الأرض بمعنى إخراج النبات فيها، وإحياء الإنسان للأرض بمعنى التأثير فيها بوضع حائط أو زرع ونحو ذلك، وإحياء الليل بمعنى السهر فيه للعبادة.

ص: 141

2 -

معنى الإحياء في الشرع:

لقد ورد في الكتاب والسنة فعل الإحياء مثل: أحيا ونحيي ويحيي، وجاء اسم الفاعل من ذلك وهو المحيي، ولوضوح معنى الإحياءلم يعرفه أهل السنة في مؤلفاتهم وإنما تحدثوا عن هذا اللفظ بكلام عام يبين معناه عندهم.

وقد ورد الإحياء في الشرع بمعنى نفخ الروح في الجسد، وإيجاد الحياة فيه، يقول الإمام الطبري عند تفسير قوله - تعالى -:{وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة - 28]، وقوله:{رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر - 11] : "..كانوا نطفاً لا أرواح فيها فكانت بمعنى سائر الأشياء الموات التي لا أرواح فيها، وإحياؤه إياها - تعالى ذكره - نفخه الأرواح فيها، وإماتته إياهم بعد ذلك قبضه أرواحهم، وإحياؤه إياهم بعد ذلك نفخ الأرواح في أجسامهم يوم ينفخ في الصور، ويبعث الخلق للموعود"1. ويقول الإمام ابن القيم في معنى الإحياء أنه:" إحياء الميت وإيجاد الحياة فيه"2.ويقول ابن كثير في معنى قوله - تعالى -: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ} [الحجر - 23] : "إخبار عن قدرته - تعالى - على بدء الخلق وإعادته، وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم، ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع"2.

كما جاء الإحياء في بعض الآيات بمعنى إحياء الأرض بإنبات النبات فيها نحو قوله - تعالى -: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم _50]، قال الإمام الطبري:" {وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم - 19] فينبتها، ويخرج زرعها بعد خرابها وجدوبها"3.

وأما الإحياء في قوله - تعالى -: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال _ 24] فالمراد ما يحييكم من الحق، وقيل الإسلام، وقيل الإيمان5.

والإحياء المضاف إلى الله - تعالى - في الآيات السابقة صفة فعلية من صفات الرب - سبحانه -، يقول ابن تيمية رحمه الله:" معلوم بالسمع اتصاف الله - تعالى - بالأفعال

1 - تفسير الطبري 1/188، وانظر: تفسير ابن كثير 1/68، تفسير القرطبي 12/93، زاد المسير 5/448.

2 -

مفتاح دار السعادة 3/209.

2 -

تفسير ابن كثير 2/209.

3 -

تفسير الطبري 21/30 وانظر تفسير ابن كثير 4/333.

5 -

انظر: تفسير الطبري 9/213.

ص: 142

الاختيارية القائمة به، كالاستواء إلى السماء، والاستواء على العرش، والقبض والطي والإتيان والمجيء والنزول ونحو ذلك، بل والخلق والإحياء والإماتة"1، وقد ذكر رحمه الله الآيات والأحاديث التي تدل على اتصاف الله بذلك، ثم دلل من طريق العقل فقال: "وأما من جهة العقل فمن جوز أن يقوم بذات الله - تعالى - فعل لازم له كالمجيء والاستواء، ونحو ذلك لم يمكنه أن يمنع قيام فعل يتعلق بالمخلوق كالخلق والبعث والإماتة والإحياء"2. كما بين رحمه الله اختصاص الرب - تعالى - بهذه الصفة فقال:"وكذلك المسيح لما خلق من الطين كهيئة الطير إنما مقدوره تصوير الطين، وإنما حصول الحياة فيه فبإذن الله، فإن الله يحيي ويميت، وهذا من خصائصه، ولهذا قال الخليل: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} "3. ويقول الطبري رحمه الله: "وكان إحياء عيسى الموتى بدعاء الله، يدعو لهم فيستجيب له"4.

كما أطلق الإحياء على إبقاء النفس المعصومة، وعدم قتلها، كما في قوله - تعالى -:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة - 32] فقد قال المفسرون إن المراد بذلك أي: "من حرم قتل من حرم الله - عز ذكره - قتله على نفسه، فلم يتقدم على قتله فقد حيي الناس منه بسلامتهم منه وذلك إحياؤه إياها"5.

وكذلك جاء في السنة أحيا ويحيي والمحيي، وكان معنى الإحياء في بعض الأحاديث يعني إحياء الموتى نحو قوله صلى الله عليه وسلم:"ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وإن الله أحيا أباك فكلمه كفاحاً 6"7، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال

1 - درء تعارض العقل والنقل 2/3، وانظر: مفتاح دار السعادة 2 /205.

2 -

درء تعارض العقل والنقل 2 /5.

3 -

النبوات ص 438.

4 -

تفسير الطبري 3/278.

5 -

المرجع السابق 6/204، وانظر: تفسير ابن كثير 2/75.

6 -

كفاحاً: أي مواجهة من دون حجاب، قال الخليل في كتاب العين 3/65:"المكافحة مصادفة الوجه بالوجه عن مفاجأة،.. وكافحها قبلها عن غفلة وجاها، والمكافحة في الحرب المضاربة تلقاء الوجوه"، وانظر: الصحاح 1/399.

7 -

أخرجه الترمذي في كتاب القراءات عن رسول الله، باب ومن سورة آل عمران 5/230ح 3010، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه 15/490، ح 7022، وهو في نوادر الأصول 1/475. قال المنذري في الترغيب والترهيب 2/314:"رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه بإسناد حسن أيضا، والحاكم وقال صحيح الإسناد".

ص: 143

لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت.." 1. وقوله صلى الله عليه وسلم:"ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل"2.

وجاء إحياء الأرض بمعنى التأثير فيها بزرع أو حائط ونحوه3، كقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحيا أرضاً ميتة فهي له"4. وجاء الإحياء بمعنى إعادة اليقظة بعد النوم، ورد القوة والحركة بعدما أزالهما منا بالنوم5؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" 6، ونحوها من الأحاديث الواردة في دعاء الاستيقاظ من النوم. كما جاء الإحياء بمعنى إعادة إقامة الدين، والشرع، كما في قوله:"اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه"7. وجاء بمعنى إحياء الليل بالعبادة والصلاة، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله"8، قال ابن حجر: "وأحيا ليله: أي سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه "9.

ومن خلال الآيات، والأحاديث السابقة، وشرح أهل السنة لها، يمكن تعريف الإحياء بأنه: صفة فعلية قائمة بذات الرب، ومتعلقة بقدرته ومشيئته، اختص بها، وهي تعني إعادة الحياة إلى الميت، أو إيجادها ابتداء ً فيه.

1 - أخرجه الترمذي كتاب الدعوات، باب ماجاء في فضل التسبيح والتكبيروالتهليل والتحميد 5 /512، ح 3468 وقال حديث حسن صحيح.

2 -

أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب الجهاد من الإيمان 1/28، ح 36، وفي كتاب الجهاد والسير، باب تمني الشهادة2/305، ح 2797، كما أخرجه في كتاب التمني، باب ما جاء في التمني ومن تمنى4/349، ح 7226.

3 -

انظر: التمهيد 22/286.

4 -

أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات 3/662، ح 1378 وقال:"هذا حديث حسن غريب وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والعمل على هذا الحديث"، وأخرجه أبو داود في السنن كتاب الخراج والإمارة والفيء باب في إحياء الموات 3/178 ح 3073، والنسائي في السنن الكبرى كتاب إحياء الموات باب الحث على إحياء الموات 3/404ح 5756.

5 -

انظر: شرح النووي على مسلم 17/35، عون المعبود 13/266، تحفة الأحوذي للمباركفوري 9/256، سبل السلام للصنعاني 4/222.

6 -

أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا نام4/155، ح 6312، كما أخرجه برقم 6314، 6324، 7394، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع 4/2083، ح 2711.

7 -

أخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى 3/1327 ح 1700.

8 -

أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان 2/64، ح 2024.

9 -

فتح الباري 4 /316.

ص: 144

3 -

معنى الإحياء عند المتكلمين:

يتبين معنى الإحياء عند الأشاعرة من خلال تعريفهم للمحيي، يقول البيهقي1:"المحيي ويختص بخلق الحياة"2، ويعرف المحيي مرة أخرى فيقول:"المحيي جاعل الخلق حياً بإحداث الحياة فيه"3، كما يعرف الإحياء بقوله:"الإحياء إنما هو إعادة الحياة إلى من كان حياً فأميت"4.

وقال الرازي في تعريف المحيي: "واعلم أنه - تعالى - يحيي النطفة والعلقة بخلق الحياة فيهما، ويحيي الأرض بإنزال الغيث.. يحيي الأجسام بالأرواح، ويحيي الأرواح بالمعارف والواردات الغيبية"5.

ويلاحظ على التعريفات السابقة أنها تجعل الإحياء بمعنى الخلق، والخلق عندهم هو المخلوق، فهو صفة بائنة عن ذات الرب، كما أن "الإحياء عندهم هو وجود الحياة في الحي من غير فعل يقوم بالرب، فقد جعلوه محيياً بوجود الحياة في غيره، وكذلك جعلوه مميتاً، وهذا مما عارضهم به المعتزلة، ولم يجيبوا عنه بجواب صحيح"6.

يقول عبد القاهر البغدادي وهو يتحدث عن أسماء الله - تعالى -: "أسماء الله - تعالى - على ثلاثة أقسام: قسم منها يستحق لذاته كوصفه بأنه شيء وموجود وذات وغني ونحو ذلك. وقسم منها يستحق لمعنى قام به كالحي والعالم والقادر والمريد والمتكلم والسميع والبصير. وقسم منها يستحقه لفعل من أفعاله كالخالق والغافر ونحو ذلك، وأما ما اشتق منها عن فعله فليس من أسمائه الأزلية"7.

ويقول البيهقي مبيناً أنواع صفات الله: "ثم صفات الله - عز اسمه - قسمان:

أحدهما: صفات ذاته، وهي ما استحقه فيما لم يزل ولا يزال. والآخر: صفات فعله وهي ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل..ثم منه ما اقترنت به دلالة العقل كالحياة والقدرة

1 - البيهقي هو الحافظ العلامة الثبت الفقيه، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي الخراساني، له مؤلفات كثيرة منها كتاب السنن، وكتاب الأسماء والصفات، توفي سنة 458هـ. انظر: السير 18/163 - 168، كشف الظنون1/9، 20، 175.

2 -

شعب الإيمان للبيهقي 1/66.

3 -

الأسماء والصفات للبيهقي ص 95.

4 -

شعب الإيمان 1 /168.

5 -

شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص 305 - 306.

6 -

مجموع الفتاوى 6/317.

7 -

أصول الدين 121 - 122.

ص: 145

والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام ونحو ذلك من صفات ذاته، وكالخلق والرزق والإحياء والإماتة والعفو والعقوبة، ونحو ذلك من صفات فعله، ومنه ما طريق إثباته ورود خبر الصادق به فقط كالوجه واليدين والعين في صفات ذاته، وكالاستواء على العرش والإتيان والمجيء والنزول ونحو ذلك من صفات فعله..ونعتقد في صفات ذاته أنها لم تزل موجودة بذاته، ولا تزال موجودة به، ولا نقول فيها أنها هو ولا غيره، ولا هي هي ولا غيرها.. ونعتقد في صفات فعله أنها بائنة عنه - سبحانه -، ولا يحتاج في فعله إلى مباشرة {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس - 82] "1.

ويقول الجويني2: "من أسمائه ما نقول إنه هو هو؛ وهو كل ما دلت التسمية به على وجوده، ومن أسمائه ما نقول إنه غيره؛ وهو كل ما دلت التسمية به على فعل كالخالق والرازق، ومن أسمائه ما لا يقال إنه هو ولا يقال إنه غيره؛ وهو كل ما دلت التسمية به على صفة قديمة كالعالم والقادر"3. وقال أيضا: "والمرتضى عندنا طريقة شيخنا رضي الله عنه، فإن الأسماء تتنزل منزلة الصفات، فإذا أطلقت ولم تقتض نفيا حملت على ثبوت متحقق، فإذا قلنا الله الخالق؛ وجب صرف ذلك إلى ثبوت وهو الخلق، وكان معنى الخالق من له الخلق، ولا ترجع من الخلق صفة متحققة إلى الذات، فلا يدل الخالق إلا على إثبات الخلق، ولذلك قال أئمتنا: لا يتصف الباري - تعالى - في أزله بكونه خالقاً، إذ لا خلق في الأزل، ولو وصف بذلك على معنى أنه قادر كان تجوزاً"4.

وقالوا: "وصفات الأفعال كالإحياء والإماتة فإنها غير أيضاً، بمعنى أنها منفكة، لأنها هي تعلقات القدرة التنجيزية الحادثة"5.

فالأشاعرة لا يثبتون صفات الأفعال لله - تعالى - ومنها الإحياء، وقد فسروه في التعريفات السابقة بالخلق، والخلق عندهم هو المخلوق، وليس صفة قائمة بذات الله -

1 - الأسماء والصفات ص 137 - 138.

2 -

هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، الفقيه الشافعي، ولد في جوين من نواحي نيسابور، خرج إلى مكة فجاورفيها أربع سنين، وبالمدينة فلهذا قيل له إمام الحرمين توفي سنة 478 هجرية، من مؤلفاته البرهان في الفقه، والإرشاد. انظر: وفيات الأعيان 3/167، البداية والنهاية 12/136، الأعلام4/160.

3 -

الإرشاد ص 143 - 144.

4 -

المرجع السابق ص 143.

5 -

شرح جوهرة التوحيد ص80.

ص: 146

تعالى - بل هو من متعلقات القدرة عندهم، فالخلق والإحياء والإماتة، بل وجميع صفات الأفعال يقولون إنها بائنة عنه - سبحانه -، وأنها لا تحقق وصفاً في ذاته.

فالخلاصة إذاً هي أن الأشاعرة لا يثبتون صفة الإحياء، وإن كانوا قد عرفوا الإحياء والمحيي بما يوهم أنهم يثبتون هذه الصفة لله.

أما الماتريدية1 فإنهم يرجعون صفة الإحياء، بل وجميع صفات الأفعال، إلى صفة التكوين، والتكوين هو إخراج المعدوم من العدم إلى الوجود2. ويقولون في تعريف التكوين أنه:"صفة معنى قديمة قائمة بالذات العلية تسمى التكوين، زيادة على السبع، فإن تعلقت بالحياة سميت إحياء، وبالموت سميت إماتة وغير ذلك"3.

ويقول ملا علي قاري4: "فالصفات الأزلية عندنا ثمانية، لا كما زعم الأشعري من أن الصفات الفعلية إضافات، ولا كما تفرد به بعض علماء ما وراء النهر بكون كل من الصفات الفعلية صفة حقيقية أزلية، فإن فيه تكثير القدماء جداً، وإن لم تكن متغايرة فالأولى أن يقال: إن مرجع الكل إلى التكوين، فإنه إن تعلق بالحياة يسمى إحياءً، وبالموت إماتةً، وبالصورة تصويراً إلى غير ذلك، فالكل تكوين، وإنما الخصوص بخصوصيات المتعلقات"5.

وفي دستور العلماء: "والتكوين عند بعض المتكلمين صفة أزلية لله - تعالى -، وهو المعنى الذي يعبر عنه بالفعل، والتخليق، والإيجاد، والإحداث، والاختراع، ونحو ذلك. ويفسر بإخراج المعدوم من العدم إلى الوجود، والمحققون منهم على أنه من الإضافات والاعتبارات العقلية، وعلى أن الحاصل في الأزلي هو مبدأ التخليق، والترزيق، والإماتة، والإحياء، وغير ذلك، وليس ذلك المبدأ سوى القدرة والإرادة"6.

1 - أتباع أبي منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي، وهي فرقة قريبة في أصولها الكلامية من مذهب الأشاعرة، وأهم ما تميزت به هو القول بأزلية التكوين، وهي الصفة الثامنة التي تضيفها الماتريدية على الصفات السبع عند الأشاعرة. انظر: الماتريدية دراسة وتقويماً للشيخ أحمد الحربي.

2 -

انظر: التمهيد لأبي المعين النسفي ص 28، شرح الفقه الأكبر ص 35، موسوعة مصطلحات جامع العلوم ص 34.

3 -

حاشية العدوي على كفاية الطالب 1 /54.

4 -

نور الدين علي بن سلطان محمد الهروي القاري، نزيل مكة المكرمة المتوفى بها سنة أربعة عشر وألف، من علماء الماتريدية، له عدة مؤلفات منها: المرقاة شرح المشكاة، شرح الفقه الأكبر. انظر: البدر الطالع 1/445 - 446، كشف الظنون 1/445، 671، 731.

5 -

شرح الفقه الأكبر ص 35.

6 -

موسوعة مصطلحات جامع العلوم المسمى دستور العلماء لأحمد نكري ص34.

ص: 147

ويتضح من خلال النقول السابقة أن الماتريدية لا تثبت صفات الأفعال على أنها أوصاف حقيقية لذات الرب، وتجعلها صفة واحدة أزلية هي التكوين، وهذه الصفة لا تتعلق بمشيئة الرب.

وأما المعتزلة فإنهم ينفون جميع صفات الله - تعالى -، وقد تأولوا الإحياء والإماتة على أنها مخلوق منفصل عن الله - تعالى -، يقول معمر1:" {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك - 2] إنما معناه خلق الإماتة والإحياء "2، وعلق ابن حزم3 عليه بقوله:".. الموت والحياة هما الإحياء والإماتة بلا شك، لأن الإحياء والحياة هو جمع النفس مع الجسد المركب الأرضي، والموت والإماتة شيء واحد وهو التفريق بين الجسد والنفس المذكورة فقط، وإذا كان جمع الجسد والنفس، وتفريقهما، مخلوقين لله عز وجل، فقد صح أن الموت والحياة مخلوقان له عز وجل يقينا"4.

ويتفق المعتزلة، مع الأشاعرة، وطائفة من الفلاسفة المتأخرين، على أن فعل الله هو عين المفعول، وأن التكوين عين المُكَون، وأن الرب - تعالى - لا يقوم به شيء من الأفعال الاختيارية المتعلقة بقدرته ومشيئته.

وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله أصل النزاع في الأفعال اللازمة والمتعدية، وأن ذلك ناشىء عن نزاع الناس في أصلين5:

الأصل الأول: هل يقوم بالرب - تعالى - فعل من الأفعال، فيكون خلقه للسموات والأرض فعلاً فعله غير المخلوق، أو أن فعله هو المفعول والخلق هو المخلوق؟ على قولين، والأول هو المأثور عن السلف قاطبة، وهو قول جمهور أصحاب أحمد، متقدميهم كلهم وأكثر المتأخرين منهم، وهو قول أئمة المالكية والشافعية وأهل الحديث، وهو مذهب

1 - معمر بن عباد السلمي، رأس فرقة المعمرية من المعتزلة. انظر مقالاته في: الفرق بين الفرق ص151 - 155، الملل والنحل1/65 - 70.

2 -

الفصل لابن حزم2/92.

3 -

أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، عالم الأندلس في عصره، قيل إنه تفقه أولا للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، له مصنفات كثيرة منها: الفصل في الملل والنحل، و"المحلى"في الفقه، توفي سنة456هجرية. انظر: السير18/184 - 186، الأعلام4/254.

4 -

الفصل2/92.

5 -

انظر: مجموع الفتاوى 5 /528 - 536، الدرء 2/18 - 20، 147 بتصرف.

ص: 148

الصوفية والحنفية والكرامية1وكثير من الهشامية2وبعض المعتزلة، وكثير من أساطين الفلاسفة متقدميهم ومتأخريهم.

وذهب آخرون من أهل الكلام كالجهمية وأكثر المعتزلة والأشعرية إلى أن الخلق هو نفس المخلوق، وليس لله عند هؤلاء صنع ولا فعل ولا خلق ولا إبداع إلا المخلوقات أنفسها، وهو قول طائفة من الفلاسفة المتأخرين كابن سينا وأمثاله.

والأصل الثاني: وهو أن الله - سبحانه - هل تقوم به الأمور الاختيارية المتعلقة بقدرته ومشيئته أم لا؟ فمذهب السلف وأئمة الحديث، وكثير من طوائف الكلام، والفلسفة، جواز ذلك. وذهب نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة والفلاسفة، والكلابية3 من مثبتة الصفات إلى امتناع قيام ذلك به. وهو قول الأشاعرة والماتريدية كما سبق ذكر ذلك.

وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله شبهتهم في هذين الأصلين ورد عليها. كما ذكر الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف على اتصاف الله - تعالى - بالأفعال الاختيارية وبين أنها متعلقة بقدرته ومشيئته، وأن الفعل غير المفعول4.

ومن وجوه الرد على من نفى قيام الأفعال الاختيارية بذات الرب - سبحانه - ما يلي:

أولاً: أن كتاب الله - تعالى - مليء بالآيات التي تدل على أن الله - يفعل متى شاء - سبحانه -، وعلى اتصافه - سبحانه - بالأفعال الاختيارية، ومن ذلك قوله - تعالى -:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}

1 - الكرامية أتباع أبي عبد الله محمد بن كرام السجستاني المتوفى سنة255هـ، وهم يوافقون السلف في إثبات الصفات، ولكنهم يبالغون في ذلك إلى حد التشبيه والتجسيم، وكذلك يوافقون السلف في إثبات القدر، وكذلك يوافقون المعتزلة في وجوب معرفة الله بالعقل، وفي التحسين والتقبيح العقليين، وهم يعدون من المرجئة لقولهم بأن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب. انظر: الملل والنحل1/108 - 113، الفرق بين الفرق ص215 - 225، لسان الميزان لابن حجر 5/353 - 356.

2 -

الهشامية نسبة إلى هشام بن الحكم الكوفي الرافضي المشبه، من كبار متكلمي الرافضة، وله نظر وجدل وتواليف كثيرة في الرد على المعتزلة وفي التوحيد وغير ذلك، وتنسب الهشامية أيضا إلى هشام بن سالم الجواليقي، والفريقان جميعاً يدينون بالتشبيه والتجسيم. انظر: التبصير في الدين للإسفراييني ص23 - 24، الملل والنحل 1/184، السير10/543 - 544.

3 -

أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان، المتوفى سنة240 هـ، من آرائه: القول بأزلية الصفات، وأن صفات الباري لا تتغاير، وأن العلم لا هو القدرة ولا غيرها، وكذلك سائر الصفات، والكلابية هم مشايخ الأشعرية فإن أبا الحسن الأشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كلاب، وابن كلاب كان أقرب إلى السلف زمناً وطريقةً. انظر: مقالات الإسلاميين 1/249 - 250، 2/225، الاستقامة لابن تيمية 1/105.

4 -

انظر: مجموع الفتاوى 5/529 - 538، 6 /233 وما بعدها 6 /317 - 319، الدرء 2/3 - 146، 2/149 وما بعدها، شرح العقيدة الطحاوية 1/97، خلق أفعال العباد للبخاري ص 186 - 190.

ص: 149

[الإسراء - 16]، وقوله - سبحانه -:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل - 40]، وقوله:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن - 29]، وقوله:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة - 1] ، إلى غير ذلك من الآيات.

كما دلت الأحاديث الصحيحة على ذلك أيضاً، ومنها ما رواه زيد بن خالد قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"1. وقوله - صلى اله عليه وسلم - في حديث الشفاعة: "إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله" 2، ونحوها من الأحاديث.

ثانياً: "أن يقال إذا عرض على العقل الصريح ذات يمكنها أن تتكلم بقدرتها، وتفعل ما تشاء بنفسها، وذات لا يمكنها أن تتكلم بمشيئتها، ولا تتصرف بنفسها البتة، بل هي بمنزلة الزَّمِن، الذي لا يمكنه فعل يقوم به باختياره، قضى العقل الصريح بأن هذه الذات أكمل، وحينئذ فأنتم الذين وصفتم الرب بصفة النقص، والكمال في اتصافه بهذه الصفات لا في نفى اتصافه بها"3.

ثالثاً: أنهم يبنون نفي قيام الأفعال الاختيارية بالرب - تعالى - على مسألة نفي حلول الحوادث به - سبحانه -، وهو لفظ فيه إجمال، فان أريد بالنفي أنه - سبحانه - لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن، فهذا نفي صحيح، وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية؛ من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما

1 - أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء، باب قول الله - تعالى -:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ..} [الواقعة - 82] 1/326، ح 1038، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء 1/83، ح 71.

2 -

أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} 3/250 - 251، ح 4712، كما أخرجه برقم 3340، 3361، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 1/184 ح 194.

3 -

مجموع الفتاوى 6/242.

ص: 150

شاء إذا شاء، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان، كما يليق بجلاله وعظمته، فهذا نفي باطل1.

وقد رد عليهم في مسألة نفي حلول الحوادث فحول النظار من الفلاسفة والمتكلمين؛ أمثال ابن رشد، والفخر الرازي، وسيف الدين أبي الحسن الآمدي، فضلاً عن ردود أهل السنة عليهم في ذلك2.

لكن الرازي والآمدي بعد إبطالهما لحجج نفاة حلول الحوادث، لم يقولا بقيام الأفعال الاختيارية في ذات الله، بل احتجا على نفيها بحجة الكمال والنقصان، وهي قولهم: أن ما يقوم به إن كان صفة كمال كان عدمه قبل حدوثه نقصاً، وإن كان نقصاً لزم اتصافه بالنقص، والله منزه عن ذلك3، قال شيخ الإسلام رحمه الله:" وهذه الحجة ضعيفة، ولعلها أضعف مما ضعفوه، فإن لقائل أن يبطلها من وجوه كثيرة:

أحدها: أن يقال: القول في أفعاله القائمة به، الحادثة بمشيئته وقدرته، كالقول في أفعاله التي هي المفعولات المنفصلة، التي يحدثها بمشيئته وقدرته، فإن القائلين بقدم العالم أوردوا عليهم هذا السؤال، فقالوا: الفعل إن كان صفة كمال، لزم عدم الكمال له في الأزل، وإن كان صفة نقص، لزم اتصافه بالنقائص، فأجابوهم بأنه ليس صفة نقص ولا كمال"4.

وبهذا يتبين أنه ليس لهم دليل عقلي على نفيهم للصفات الاختيارية، التي يسمونها حلول الحوادث، وأما الكتاب والسنة فيدلان على نقيض قولهم، كما دل العقل على ذلك.

أما قول المعتزلة والأشاعرة ومن وافقهم إن الفعل عين المفعول، والخلق عين المخلوق فباطل أيضاً، ومما يرد عليهم في ذلك:

1 - انظر: شرح الطحاوية 1/97.

2 -

انظر ردود بعض الفلاسفة والمتكلمين على حجج نفاة حلول الحوادث في: مناهج الأدلة ص 141 - 144، الأربعين ص 118 - 120، غاية المرام ص 187 - 193، وقد ذكرها شيخ الإسلام في الدرء 4/27 - 40، 62، 71، مجموع الفتاوى 6/231 - 232، وانظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرحمن المحمود 3/1209 - 1213.

3 -

انظر: درء التعارض 4/3، مجموع الفتاوى6/240.

4 -

درء التعارض 4/3.

ص: 151

أولاً: يقول أبو المعين النسفي: "وقول أكثر المعتزلة، وجميع النجارية، والأشعرية، أن التكوين والمكون واحد قول محال، وهذا لأن القول باتحاد التكوين والمكون كالقول بأن الضرب عين المضروب، والكسر عين المكسور، والأكل عين المأكول، وفساد هذا ظاهر يعرف بالبديهة، فكذا هذا، ولأن التكوين لو كان هو المكون، وحصول المكون بالتكوين، لكان حصول المكون بنفسه لا بالله - تعالى -، فلم يكن الله - تعالى - خالقاً للعالم، بل كان العالم وكل جزء من أجزائه خالقاً لنفسه، إذ حصوله بالخلق، وخلقه نفسه، وكذا يكون عينه خالقاً وعينه مخلوقاً، فهو الخالق وهو الخلق وهو المخلوق، وهذا مع ما فيه من تعطيل الصانع وإثبات الغنية عنه، وإبطال تعلق المخلوقات به، مع هذا كله هو محال"1.

ثانياً: أن من المعقول أن المفعول المنفصل الذي يفعله الفاعل، لا يكون إلا بفعل يقوم بذاته، وأما نفس فعله القائم بذاته، فلا يفتقر إلى فعل آخر، بل يحصل بقدرته ومشيئته2، وهذا ظاهر، ومخالفه مغالط.

هذه بإيجاز بعض وجوه الرد على المخالفين في الصفات الاختيارية، ومنها الإحياء والإماتة، والخلق، والرزق وغيرها.

1 - التمهيد لأبي المعين النسفي ص 29.

2 -

انظر: مجموع الفتاوى 5/531 - 532.

ص: 152