الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العالم حادث
"حدوث العالم"
1 -
معنى الحدوث في اللغة:
يقول الخليل:"والحديث الجديد من الأشياء، ورجل حدث كثير الحديث، والحَدَث الإبْداء"1.
وقال ابن فارس: "الحاء والدال والثاء أصل واحد؛ وهو كون الشيء لم يكن، يقال حدث أمر بعد أن لم يكن "2.
وفي الصحاح: "والحدوث كون الشيء لم يكن، وأحدثه الله فحدث، وحدث أمر أي وقع"3.
وحدث الشيء حدوثاً تجدد وجوده فهو حادث وحديث، ومنه يقال حدث به عيب إذا تجدد وكان معدوماً4.
والحديث نقيض القديم، والحديث الخبر، واستحدثت خبراً أي وجدت خبراً جديداً5.
ويتضح مما سبق أن لفظ الحدوث يعني كون الشيء لم يكن، كما يعني تجدد وجود الشيء، والحديث نقيض القديم، والحديث الجديد.
2 -
معنى الحدوث عند أهل السنة:
لم يرد لفظ الحدوث أو الحادث في كتاب الله، وإنما ورد لفظ أُحْدِث ويحدث ومحدث وحديث ونحوها، قال - تعالى -:{لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق - 1] وقال - تعالى -: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء - 2] ومعنى محدث هنا: "أي جديد إنزاله"6، وأما معنى قوله:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق - 1]
1 - العين 3/177.
2 -
معجم مقاييس اللغة 2/36.
3 -
الصحاح 1/278، وانظر: لسان العرب 2/131.
4 -
انظر: المصباح المنير 1/124.
5 -
انظر: الصحاح 1/278.
6 – تفسير ابن كثير 3/181، وانظر: تفسير الطبري 28/135، مجموع الفتاوى 12/522.
فيقول الطبري: "يقول - جل ثناؤه - لا تدري ما الذي يحدث، لعل الله يحدث بعد طلاقكم إياهن رجعة"1.
ولم يرد لفظ الحدوث أو الحادث في السنة2، ولكن ورد الفعل منه وبعض مشتقاته كمحدث وحديث ونحوها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة"3. وهذا الحديث موافق لقوله - تعالى -: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء - 2] ، قال شيخ الإسلامابن تيمية رحمه الله: "لما قال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ} [الأنبياء - 2] علم أن الذكر منه محدث، ومنه ما ليس بمحدث، لأن النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره، كما لو قال: ما يأتينى من رجل مسلم إلا أكرمته، وما آكل إلا طعاماً حلالاً، ونحو ذلك، ويعلم أن المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمي، ولكنه الذي أنزل جديداً، فإن الله كان ينزل القرآن شيئاً بعد شيء، فالمنزل أولاً هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخراً، وكل ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب، كما قال: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس - 39] ، وقال: {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف - 95] ، وقال: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف - 11] "4.
فالمحدث في الشرع جاء بمعنى جديد الإنزال. كما قد يراد بالمحدث المخلوق المسبوق بالعدم.
1 - تفسير الطبري 28/135، وانظر: تفسير ابن كثير 4/403.
2 -
وذلك حسب إطلاعي.
3 -
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب "كل يوم هو في شأن" 4/410.
4 -
مجموع الفتاوى 12/522.
3 -
معنى حدوث العالم في الاصطلاح:
أ - معنى "حدوث العالم" عند أهل السنة:
ذكرت فيما سبق أن لفظ العالم لا يوجد في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا في كلام الصحابة، والمعنى الصحيح المفهوم من هذه العبارة "العالم حادث" أن كل ما سوى الله مخلوق، حادث كائن بعد أن لم يكن، وأن الله وحده القديم الأزلي، وهذا المعنى هو المعروف عن الأنبياء، وأتباع الأنبياء، من المسلمين، واليهود، والنصارى، وهو مذهب كثير من الفلاسفة وغيرهم1، يقول ابن تيمية رحمه الله:"والمشهور من مقالة أساطين الفلاسفة، قبل أرسطو، هو القول بحدوث العالم، وإنما اشتهر القول بقدمه عنه، وعن متبعيه كالفارابي، وابن سينا، والحفيد، وأمثالهم"2.
ب - معنى "حدوث العالم" عند المتكلمين:
معنى الحدوث عند المتكلمين هو الخروج من العدم إلى الوجود، أو هو حصول الشيء بعد أن لم يكن3، وفي التعريفات للجرجاني:"الحدوث عبارة عن وجود الشيء بعد عدمه"4.
وعندما يقال: العالم حادث، يُضَمّن المتكلمون معنى غير صحيح لهذا المصطلح؛ فالمعتزلة يرون أن صفات الله مخلوقة، بائنة عنه، وكثير من المتكلمين من الأشاعرة يجعل صفات الله الفعلية، بائنة عن ذات الله، وأنها مخلوقة داخلة في مسمى العالم5، ومن ضمن ما يعنونه بقولهم "العالم حادث": أن كل ما سوى الله مخلوق كائن بعد أن لم يكن، وأن الله لم يزل لا يفعل شيئاً، ولا يتكلم بمشيئته، ثم حدثت الحوادث من غير سبب يقتضي ذلك، وأنه يمتنع وجود حوادث لا أول لها. فهذا المعنى هو الذي يعنيه أهل الكلام من الجهمية، والمعتزلة، ومن اتبعهم من الأشاعرة، بحدوث العالم. وهذا المعنى الذي أضافوه معنى باطل لا يوجد في كتاب الله، ولم يعرف عن الأنبياء، ولا يوجد في حديث عن النبي
1 - انظر: درء التعارض 1/125.
2 -
انظر: الصفدية 1/130.
3 -
انظر: الكليات ص400، موسوعة مصطلحات دستور العلماء ص345.
4 -
التعريفات ص116.
5 -
انظر: الإرشاد ص17، الأسماء والصفات ص138، شرح الأصول الخمسة ص151، 183، 528.
- صلى الله عليه وسلم، ولا أثر عن صحابته رضي الله عنهم -1. وقد جعلوا حدوث العالم الدليل الأكبر على وجود الله، لكن طريقة تقريرهم لهذا الدليل لم تكن صحيحة، ولذلك رد عليها كثير من النظار من أهل السنة، ومن المتكلمين أنفسهم، ومن الفلاسفة2.
ج - معنى "حدوث العالم" عند الفلاسفة المتأخرين:
لقد أحدث الفلاسفة المتأخرون؛ كابن سينا، وأمثاله، لهذه العبارة معنى مبتدعاً باطلاً، حيث قالوا: العالم محدث: أي معلول لعلة قديمة، أزلية، أوجبته فلم يزل معها، وأن العالم معلول، ممكن بنفسه، واجب بغيره، وأن وجوده من غيره، لا من نفسه3.
يقول الآمدي مبيناً معنى حدوث العالم عند الفلاسفة: "وأما الحادث فقد يطلق ويراد به ما يفتقر إلى العلة، وإن كان غير مسبوق بالعدم كالعالم، وعلى ما لوجوده أول وهو مسبوق بالعدم. فعلى هذا العالم إن سمي عندهم قديماً فباعتبار أنه غير مسبوق بالعدم، وإن سمي حادثاً فباعتبار أنه مفتقر إلى العلة في وجوده"4.
وقسموا الحدوث إلى نوعين:
1 -
حدوث ذاتي: وهو كون الشيء مفتقراً في وجوده إلى الغير، وهي العلة عندهم5.
2 -
حدوث زماني: وهو كون الشيء مسبوقاً بالعدم سبقاً زمانياً6.
فحقيقة قولهم هي أن العالم قديم غير مخلوق، وكونه محدثاً يعني افتقاره إلى العلة وإن لم يسبق بالعدم.
1 - انظر: درء التعارض 1/125 - 126.
2 -
انظر في الرد على براهينهم في حدوث العالم: درء التعارض 2/344وما بعدها، 3/3 - 23، 448 - 449، 4/19، 267 - 268 نقض التأسيس 1/117، التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى 5/254 - 255، شرح الأصفهانية ص70 - 73، مناهج الأدلة ص47 - 48.
3 -
انظر: درء التعارض 1/125 - 126، الصفدية 1/240.
4 -
المبين ص119، وانظر: موسوعة مصطلحات دستور العلماء ص345.
5 -
انظر: الحدود لابن سينا ضمن المصطلح الفلسفي للدكتور الأعسم ص262، النجاة لابن سينا 2/75، تعريفات الجرجاني ص116، موسوعة مصطلحات دستور العلماء ص 345.
6 -
انظر: الحدود لابن سينا ضمن المصطلح الفلسفي للدكتور الأعسم ص262، النجاة لابن سينا 2/70 - 71، تعريفات الجرجاني ص116، موسوعة مصطلحات دستور العلماء ص345.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله مبيناً حقيقة مذهبهم: "وحقيقة الخلق منتفية عندهم عن العقل الأول، بل عن العالم وإنما هو عندهم معلول ومبدع، لكنهم يحرفون الكلم عن مواضعه فيقولون العالم محدث ومخلوق، ويعنون بقولهم محدث أنه معلول ممكن بنفسه واجب بغيره، وأن وجوده من غيره لا من نفسه، وكذلك يعنون بقولهم مخلوق، لكن من المعلوم بالاضطرار أن أهل اللغة لا يريدون بقولهم هو محدث، ومخلوق، هذا المعنى المتضمن أنه قديم أزلي لم يزل ولا يزال، بل الحدوث عندهم يناقض القدم، وكذلك الخلق، ولا تحتمل اللغة بوجه من الوجوه أن القديم الذي لم يزل ولا يزال يقال له محدث ومخلوق. والمخلوق عندهم أبلغ من المحدث والحادث؛ فكل مخلوق فهو محدث وحادث باتفاق أهل اللغة وأهل الكلام، وأما أن كل حادث ومحدث فهو مخلوق فهذا مما تنازع فيه أهل الكلام، والنظر، واللغة، لا يوجب أن كل ما كان حادثاً يسمى مخلوقاً؛ لأن المخلوق هو الذي خلقه غيره، والخلق يجمع معنى الإبداع ومعنى التقدير، وأما لفظ حادث فلا يقتضي أنه مفعول، ولو قيل محدث فمعنى الخلق أخص من معنى الحدوث"1.
وقولهم في معنى الحدوث باطل لأمور:
أولاً: لمخالفته للغة العرب، فمن المعلوم بالاضطرار أن أهل اللغة لا يريدون بقولهم هو محدث، ومخلوق، هذا المعنى، المتضمن أنه قديم أزلي، لم يزل ولا يزال، بل الحدوث عندهم يناقض القدم، وكذلك الخلق، ولا تحتمل اللغة بوجه من الوجوه أن القديم الذي لم يزل ولا يزال يقال له محدث ومخلوق2.
ثانياً: القول بأن العالم محدث بالمعنى الذي ذكروه، ليس قول أحد من الأنبياء، ولا أتباعهم، ولا أمة من الأمم العظيمة، ولا طائفة من الطوائف المشهورة، التي اشتهرت مقالاتها في عموم الناس، بحيث كان أهل مدينة على هذا القول، وإنما يقول هذا طوائف قليلة مغمورة في الناس، وهذا القول إنما هو معروف عن طائفة من المتفلسفة المليينكابن سينا، وأمثاله، وقد يحكون هذا القول عن أرسطو، وقوله الذي في كتبه أن العالم قديم، وجمهور الفلاسفة قبله يخالفونه ويقولون إنه محدث3.
1 - الصفدية 1/240.
2 -
انظر: المرجع السابق نفس الجزء والصفحة، درء التعارض 1/126.
3 -
انظر: درء التعارض 1/126.
ثالثاً: أنهم جعلوا العالم معلول لعلة تامة أزلية، والعلة التامة الأزلية، يلزم مقارنة معلولها لها، وكل ما سواه معلول له، فيلزم أن لا يكون في الوجود حادث، أو أن لا يكون للحوادث محدث، وكلاهما معلوم الفساد بالضرورة1.
هذا مجمل ما يمكن أن يرد به قولهم هذا إذ المقام لا يقتضي تفصيل الرد والمناقشة.
1 - انظر: الصفدية 1/280.