الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإماتة
1 -
معنى الإماتة في اللغة:
الموت في اللغة ذهاب القوة من الشيء، قال ابن فارس:"الميم والواو والتاء أصل صحيح يدل على ذهاب القوة من الشيء، منه الموت خلاف الحياة.. والموتان: الأرض لم تحي بعد بزرع، ولا إصلاح "1.
والموت ضد الحياة2. وأماته الله وموّته شدد للمبالغة3. وأمَاتت الناقة إذا مات ولدها، فهي مُميت ومُميتة، وأمات فلان إذا مات له ابن أو بنون4. وقبضه الله: أماته5. وتوفاه الله: أماته6.
والموات بالفتح مالا روح فيه7. وقول العرب ما أموته إنما يراد به ما أموت قلبه8. ورجل موتان الفؤاد، وامرأة موتانة الفؤاد9.
والعرب تقول: اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان، أي اشتر الأرض والدور، ولا تشتر الرقيق والدواب10.
وعلى هذا فالموت في اللغة ضد الحياة، وهو ما لاروح فيه، كما يعني ذهاب القوة من الشيء فتكون الإماتة إذهاب قوة الشيء.
1 - معجم مقاييس اللغة 5/283، وانظر: العين 8/141.
2 -
انظر: الصحاح 1/266.
3 -
انظر: المرجع السابق 1/267، لسان العرب 2/93.
4 -
انظر: الصحاح 1/267، العين 8/141، معجم مقاييس اللغة 5/283.
5 -
انظر: المصباح المنير 2 /802 - 803.
6 -
انظر: المرجع السابق 2/667.
7 -
انظر: الصحاح 1 /267.
8 -
انظر: المرجع السابق 1 /267.
9 -
انظر: المرجع السابق 1 /267، العين 8/141، معجم مقاييس اللغة 5/283.
10 -
انظر: الصحاح 1/267، معجم مقاييس اللغة 5/283.
2 -
معنى الإماتة في الشرع:
ورد فعل الإماتة في القرآن الكريم "أمات" بتصريفاته، كما جاء لفظ الموت والموتى والميت ونحوها من تفريعات هذه المادة، والذي يهم هنا هو ما كان قريباً من المصدر "الإماتة" وهو فعل الإماتة. وقد جاءت الإماتة بمعنى إخراج الروح من الجسد، أو قبض الأرواح كما في قوله - تعالى -:{فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة - 259] وقوله - تعالى -: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس - 21]، يقول الطبري رحمه الله عند شرح قوله - تعالى -:{وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة - 28] الإماتة: "هي خروج الروح من الجسد"1، وقال:"ثم يميتكم بقبض أرواحكم، وإعادتكم كالذي كنتم قبل أن يحييكم؛ من دروس ذكركم، وتعفي آثاركم، وخمول أموركم"1.
ويقول ابن القيم رحمه الله: "موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها، وخروجها منها"3.
وقوله - تعالى -: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر - 11] وقوله - تعالى -: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة - 28] ، والإماتة هنا تعني جعلهم أمواتاً في أصلاب آبائهم، لم يكونوا شيئاً، يقول ابن القيم رحمه الله:"فكانوا أمواتاً وهم نطف في أصلاب آبائهم، وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور"4.
ويذكر الشوكاني رحمه الله قولين في معنى قوله - تعالى -: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر - 11] فيقول: "والمراد بالإماتتين أنهم كانوا نطفاً لا حياة لهم في أصلاب آبائهم، ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا..وقيل: معنى الآية أنهم أميتوا في الدنيا عند انقضاء آجالهم، ثم أحياهم الله في قبورهم للسؤال، ثم أميتوا ثم أحياهم الله في الآخرة،
1 - تفسير الطبري 1/188، وانظر: تفسير القرطبي 3/291.
1 -
تفسير الطبري 1/188.
3 -
الروح ص 49.
4 -
المرجع السابق ص50، وانظر: تفسير ابن كثير 1/58، تفسير الطبري 1/186، تفسير القرطبي 1/249، مجموع الفتاوى 4/274 - 275، شرح الطحاوية 2/571.
ووجه هذا القول أن الموت سلب الحياة، ولا حياة للنطفة، ووجه القول الأول أن الموت قد يطلق على عادم الحياة من الأصل، وقد ذهب إلى تفسير الأول جمهور السلف"1.
وما ذهب إليه جمهور السلف هو الصحيح، فقد ورد في القرآن إطلاق لفظ الموت على الجماد، كالأصنام التي كان يعبدها المشركون، قال - تعالى -:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل20 - 21] قال المفسرون: "وهي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله، أموات لا أرواح فيها "2.كما وصف الله الأرض بالميتة، قال - تعالى -: {وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [يس - 33] .
وقد اختلف في الموت هل هو وجودي أو عدمي، قال شيخ الإسلام رحمه الله:"وكثير من النزاع في ذلك يكون لفظياً، فإنه قد يكون عدم الشيء مستلزماً لأمر وجودي، مثل الحياة مثلاً فإن عدم حياة البدن مثلاً مستلزم لأعراض وجودية، والناس تنازعوا في الموت هل هو عدمي أو وجودي، ومن قال إنه وجودي احتج بقوله - تعالى - {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك - 2] ، فأخبر أنه خلق الموت، كما خلق الحياة. ومنازعه يقول العدم الطارئ يخلق كما يخلق الوجود، أو يقول الموت المخلوق هو الأمور الوجودية اللازمة لعدم الحياة وحينئذ فالنزاع لفظي"3.
وفي السنة ورد لفظ أمات ويميت ونحوها، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" 4، "والمراد بأماتنا: النوم "5. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت.." 6، والإماتة هنا تعني قبض الأرواح. وفي الحديث أيضاً قوله: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" 7، ومعنى الإماتة هنا إبطال العمل بشرع الله.
1 - فتح القدير 4/484، وانظر: تفسير الطبري 1/186 - 188.
2 -
تفسير الطبري 14/93، وانظر: تفسير القرطبي 10/94، زاد المسير لابن الجوزي 4/438.
3 -
درء التعارض 2/383.
4 -
سبق تخريجه ص144من البحث.
5 -
شرح النووي على صحيح مسلم 17/35.
6 -
سبق تخريجه ص144من البحث.
7 -
سبق تخريجه ص144 من البحث.
ومن خلال النقول السابقة يمكن أن نتبين تعريف أهل السنة للإماتة وهو: أن الإماتة صفة فعلية قائمة بذات الرب - تعالى -، متعلقة بقدرته ومشيئته، اختص بها، وتعني إخراج الروح من الجسد، وسلب الحياة منه.
3 -
معنى الإماتة عند المتكلمين:
عرف بعض الأشاعرة المميت بأنه: "جاعل الخلق ميتاً بسلب الحياة، وإحداث الموت فيه "1 وهو قول البيهقي، وقال في شعب الإيمان:"المميت ويختص بخلق الموت"2، وقال أبو السعود3 في تفسيره:"الإماتة جعل الشيء عادم الحياة"4.
وقد سبق أن ذكرت موقف الأشاعرة من صفات الأفعال للرب - تعالى -، وأنهم لا يقولون بقيامها في ذاته - سبحانه - بل يجعلونها هي المخلوق المنفصل. وكذلك الماتريدية لا يجعلون صفات الأفعال تقوم بمشيئة الرب واختياره، بل يجعلونها أزلية، ويجمعونها كلها في صفة واحدة هي التكوين.
وأما المعتزلة فمن يرى الموت عرضاً؛ كالقاضي عبد الجبار، وغيره، عرف الإماتة بأنها:"إبطال الحياة، وإزالتها، وتفريق البنية التي تحتاج هي في الوجود إليها"5. ومن يرى الموت جسماً قال: "الإماتة هي إدخال الله عز وجل الجسم المضاد للحياة عليها وحسها قائم"6. والمعتزلة لا يثبتون صفة الإماتة كصفة فعلية لله - تعالى -، بل يجعلونها مخلوقاً منفصلاً عن الله - تعالى -، كما ينفون غيرها من الصفات. وقد سبق الرد عليهم جميعاً في ذلك7.
1 - الأسماء والصفات ص 95.
2 -
شعب الإيمان 1/66، وانظر: فيض القدير 2/486، 492.
3 -
أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي، له عدة مؤلفات أشهرها تفسيره الذي سماه "إرشاد العقل السليم". توفي سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة. انظر: طبقات المفسرين لأحمد الأدنروي ص 398 - 399، كشف الظنون1/65، 247.
4 -
تفسير أبو السعود 7/269.
5 -
شرح الأصول الخمسة ص 731.
6 -
مقالات الإسلاميين 2/109.
7 -
انظر الرد ص149 - 152من البحث.