الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النفس
1 -
معنى النفس في اللغة:
قال الخليل: "النَّفْس وجمعها النفوس لها معان: النفس الروح الذي به حياة الجسد، وكل إنسان نفس، حتى آدم عليه السلام، الذكر والأنثى سواء. وكل شيء بعينه نفس، ورجل له نفْس أي خلق وجلادة وسخاء، والنَّفَس التنفس أي خروج النسيم من الجوف، وشربت الماء بنفس وثلاثة أنفاس، وكل مستراح منه نفَس، وشيء نفيس متنافس فيه، ونفست به علي نفساً، ونفاسة، ضننت، ونَفُس الشيء نفاسة أي صار نفيساً"1.
فالنفس في اللغة الروح، والنفس الدم، والجسد، والعين، ونفس الشيء عينه، وذاته، يؤكد به، يقال رأيت فلاناً نفسه، وجاءني بنفسه2.
2 -
معنى النفس في الشرع:
ورد لفظ النفس في كتاب الله - تعالى - في عدة مواضع، فورد بمعنى الروح كما في قوله - تعالى -:{أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ} [الأنعام - 93] ، فالنفس هنا بمعنى الروح3، كما جاءت النفس بمعنى الذات، قال - تعالى -:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة - 235]، وقال - تعالى -:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة - 116]، وقال:{وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران - 28] ، فالنفس هنا بمعنى الذات4، قال شيخ الإسلام: "ومعلوم أن نفس الله، التي هي ذاته المقدسة، الموصوفة بصفات الكمال، ليست مثل نفس أحد من المخلوقين، وقد ذهب طائفة من المنتسبين إلى السنة، من أهل الحديث، وغيرهم، وفيهم طائفة من أصحاب الشافعي،
1 - العين 7/270 - 271.
2 -
انظر: الصحاح 3/984، لسان العرب 6/233 - 234.
3 -
انظر: المفردات ص818.
4 -
انظر: المرجع السابق نفس الصفحة.
وأحمد، وغيرهما، إلى أن النفس صفة من الصفات، والصواب أنها ليست صفة، بل نفس الله هي ذاته - سبحانه -، الموصوفة بصفاته - سبحانه -"1.
وفي السنة ورد لفظ النفس كثيراً بمعنى الذات، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"من حلف على يمين الإسلام كاذباً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر في شيء لا يملكه"2.
كما ورد لفظ النفس بمعنى الروح3، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره؟ " قالوا: بلى، قال:"فذلك حين يتبع بصره نفسه"4.
كما جاءت النفس بمعنى العين، ففي الحديث أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا محمد اشتكيت فقال: "نعم"، قال: "باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس، أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك" 5، قال النووي رحمه الله: "وقوله: "من شر كل نفس"، قيل يحتمل أن المراد بالنفس نفس الآدمي، وقيل يحتمل أن المراد بها العين، فإن النفس تطلق على العين، ويقال رجل نفوس إذا كان يصيب الناس بعينه، كما قال في الرواية الأخرى "من شر كل ذي عين" 6، ويكون قوله "أو عين حاسد" من باب التوكيد بلفظ مختلف، أو شك من الراوي في لفظه والله أعلم"7. فالنفس في الشرع جاءت بمعانيها في اللغة.
1 - درء التعارض 10/308.
2 -
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه 1/104، ح 110، وبنحوه البخاري في كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن4/99، ح 6047.
3 -
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 6/224.
4 -
أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب في شخوص بصر الميت يتبع نفسه 2/635، ح 921.
5 -
أخرجه مسلم في كتاب السلام باب الطب والمرض والرقى4/1718، ح 2186.
6 -
أخرجه مسلم في كتاب السلام باب الطب والمرض والرقى4/1718، ح 2185.
7 -
شرح النووي على صحيح مسلم 14/170.
3 -
معنى النفس في اصطلاح الفلاسفة:
يقول ابن سينا: "النفس اسم مشترك، يقع على معنى يشترك فيه الإنسان، والحيوان، والنبات، وعلى معنى يشترك فيه الإنسان، والملائكة. فحد المعنى الأول أنه كمال جسم طبيعي، آلي، ذي حياة بالقوة. وحد النفس بالمعنى الآخر أنه جوهر غير جسم هو كمال محرك له بالاختيار، عن مبدأ نطقي - أي عقلي - بالفعل، أو بالقوة، والذي بالقوة هو فصل النفس الإنسانية، والذي بالفعل هو فصل، أو خاصة، للنفس الملاكية"1.
ومن خلال هذا التعريف يتضح أن النفس عند الفلاسفة تطلق على أمرين:
"الجوهر المفارق عن المادة في ذاته دون فعله، وهو على قسمين: نفس فلكية، ونفس إنسانية.
وعلى ما ليس بمجرد بل قوة مادية، وهو على قسمين أيضاً: نفس نباتية، ونفس حيوانية"2.
والنفس الكلية هي المعنى المقول على كثيرين مختلفين بالعدد في جواب ما هو، التي كل واحد منها نفس خاصة لشخص.
ونفس الكل هي جملة الجواهر غير الجسمانية، التي هي كمالات مدبرة للأجسام السماوية، المحركة لها على سبيل الاختيار العقلي. ونفس الكل هو مبدأ قريب لوجود الأجسام الطبيعية، ومرتبته في نيل الوجود بعد مرتبة عقل الكل، ووجوده فائض عنه3، وهي الملائكة السماوية4.
ويوضح ذلك أن النفس الإنسانية، وهي التي يسمونها النفس الناطقة، مقارنة للمادة في أفعالها، يعني لا تفعل إلا إذا كانت في المادة، ولكنها مجردة عنها في ذاتها - كما يرون -5. وكذلك النفس الفلكية عندهم أنها مجردة عن المادة في ذاتها، ولكن لا تفعل إلا بواسطة
1 - الحدود ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص241 - 242، وانظر: معيار العلم ص280.
2 -
كشاف اصطلاحات الفنون 2/1397.
3 -
انظر: الحدود لابن سينا ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص243، معيار العلم ص283.
4 -
انظر: معيار العلم ص 282.
5 -
انظر: موسوعة مصطلحات جامع العلوم ص943.
أجسامها من الأفلاك، قالوا: كل نفس فإنما جعلت خاصة بجسم، بسبب أن فعلها بذلك الجسم وفيه1. فالنفوس عند من يثبتها من المتفلسفة لا تفارق الأجسام، بل النفس عندهملا بد أن تكون متعلقة بالجسم، تعلق التدبير والتصريف، وما دامت نفس الإنسان مدبرة لبدنه، سموها نفساً، فإذا فارقت سموها عقلاً؛ لأن العقل عندهم هو المجرد عن المادة، وعن علائق المادة، وأما النفس فهي المتعلقة بالبدن، تعلق التدبير والتصريف، وقد تنازعوا في النفس الفلكية، هل هي جوهر، أو عرض؟ على قولين أحدهما: أنها أعراض قائمة بالفلك، كالقوة الشهوية، والغضبية، وهذا قول أكثر أتباع أرسطو، والثاني: أنها جواهر قائمة بأنفسها كالنفس الناطقة، وإليه يميل ابن سينا وغيره2.
والمشهور عندهم أن النفوس الفلكية بعدد الأفلاك، فهي تسعة3.
4 -
الرد على الفلاسفة:
الحق أن تلك الآراء التي قال بها الفلاسفة، في العقول، والنفوس، ما هي إلا امتداد للوثنية القديمة عند اليونان، والتي ترى أن الكواكب أجسام سماوية، وأن لها نفوساً تحركها، وأن لحركاتها تأثيراً في نفوسنا، وأجسامنا، وكل كوكب يعتبر إلهاً عندهم4. ففلاسفة اليونان شرحوا تلك الوثنيات بطريقة فلسفية، تلقفها من بعدهم بعض المنتسبين للإسلام كابن سينا والفارابي وأمثالهم.
وقول الفلاسفة في النفوس باطل من وجوه عدة منها:
أولاً: أن هذا التفسير للفظ النفس لم يرد في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا في كلام الصحابة والتابعين، بل جاء لفظ النفس في الشرع بمعنى الروح، وبمعنى العين، والذات، ولم يرد إطلاق النفس على الملائكة فضلاً عن المعنى الذي ذكروه.
1 - انظر: النجاة 2/138، 119، شرح المقاصد 3/316.
2 -
انظر: الصفدية 1/34، 2/252 - 253، درء التعارض 1/35، مجموع الفتاوى 9/273.
3 -
انظر: تهافت الفلاسفة ص70.
4 -
انظر: مقدمة بغية المرتاد للدكتور موسى بن سليمان الدويش ص103.
ثانياً: قولهم بأن النفوس الفلكية هي التي تدبر الأجسام السماوية، وأنها مبدأ قريب للأجسام الطبيعية، قول فاسد، وهو من الشرك في الربوبية، إذ المتفرد بتدبير الخلق، وإيجادهم هو الله وحده.
ثالثاً: أنهم يقولون إن جميع الحوادث مستندة إلى حركة النفس الفلكية، ويقولون إنالنفس الفلكية تعلم جزئيات حركات الفلك، بل ادعى ابن سينا ومن اتبعه أنها تعلم جميع الحوادث؛ لعلمها بأسبابها؛ لأن سببها هو الحركة الفلكية1. واعتقادهم أن النفوس الفلكية عالمة بما يجري من حوادث قول باطل، فالنفوس الفلكية عندهم هي الملائكة، ولا تفعل إلا من خلال حلولها في الأفلاك السماوية، ومعلوم أن الملائكة خلق مسخر من خلق الله، وكل منهم موكل بعمل من الأعمال، وهي لا تعلم جميع ما يقع من حوادث بل لا تعلم إلا ما وكلت به.
رابعاً: قولهم في النفس الإنسانية أنها جوهر، غير جسم، وأنها مفارقة للمادة في ذاتها، وأن النفس إذا فارقت البدن لا يتجدد لها حال من الأحوال، لا علوم ولا تصورات ولا سمع ولا بصر ولا إرادات ولا فرح وسرور، ولا غير ذلك مما قد يتجدد، ويحدث، بل تبقى عندهم على حال واحدة أزلاً وأبداً، غير صحيح2، وهو قول بغير علم، بل قد دلت الأدلة على أن النفس، وهي الروح، جسم حي خفيف متحرك يصعد وينزل ويُرى ويشار إليه، وأنها بعد مفارقتها البدن تكون إما معذبة، وإما منعمة، فهي تحس وتشعر بما يحدث لها بعد مفارقتها البدن.
خامساً: أن قولهم بتولد النفوس عن الله شبيه بقول المشركين إن الملائكة بنات الله3.
فقول الفلاسفة في النفوس مكمل لقولهم في العقول، وهو ظاهر البطلان، ومصدره وثني بعيد عن الإسلام.
1 - انظر: الدرء10/189.
2 -
انظر في هذا المعنى مجموع الفتاوى 9/272.
3 -
انظر: المرجع السابق 3/301.