الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلة
1 -
معنى العلة في اللغة:
قال الخليل:"العَلَلُ الشربة الثانية.. والعِلَّة المرض، وصاحبها معتل، والعلة حدثٌ يشغل صاحبه عن وجهه"1.
وقال ابن فارس: "العين واللام أصول ثلاثة صحيحة، أحدها تكرر أو تكرير، والآخر عائق يعوق، والثالث ضعف في الشيء"2. وهذا علة لهذا، أي سبب3.
فالعلة في اللغة هي المرض، والحدث الذي يشغل صاحبه عن حاجته، وذكر ابن منظور اطلاق العلة على السبب.
2 -
معنى العلة في الشرع:
لم يرد لفظ العلة في كتاب الله، وورد لفظ العلة بمعنى المرض في السنة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب، ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم، ليست بهم علة، فأحرقها عليهم"4.
وقد استخدم الأصوليون لفظ العلة وهي عندهم: ما يجب به الحكم5.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله:"لفظ العلة يعبر به عن العلة التامة، وهو مجموع ما يستلزم الحكم.. ويعبر به عن المقتضي للحكم، الذى يتوقف اقتضاؤه على ثبوت الشروط وانتفاء
1 - العين 1/88، وانظر: الصحاح 5/1773، معجم مقاييس اللغة 4/13 - 14، لسان العرب 11/471.
2 -
معجم مقاييس اللغة 4/12.
3 -
انظر: لسان العرب 11/471.
4 -
أخرجه البيهقي في الكبرى في جماع أبواب فضل الجماعة، باب ما جاء من التشديد في ترك الجماعة 3/56، ح 4715، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة 1/150، ح 549، والحديث بنحوه مخرج في الصحيحين من غير لفظ علة.
5 -
انظر: المعجم الفلسفي للدكتور صليبا 2/95.
الموانع"1. فالعلة التامة يجب ثبوت الحكم بها، أما العلة بالمعنى الثاني فيتوقف ثبوت الحكم على وجود الشروط وانتفاء الموانع. وهذا المعنى الثاني قد يعبر عنه بلفظ السبب2. فالعلة قد ترادف السبب، إلا أنها قد تغايره، فيراد بالعلة المؤثر، وبالسبب ما يفضي إلى الشيء في الجملة، أو ما يكون باعثاً عليه، وقيل السبب ما يتوصل به إلى الحكم من غير أن يثبت به، أما العلة فهي ما يثبت به الحكم3.
3 -
معنى العلة في اصطلاح الفلاسفة:
العلة مصطلح فلسفي، ذكره الفلاسفة المتقدمون أمثال أرسطو، وقد تلقف هذا المصطلح الفلاسفة المنتسبون إلى الإسلام، كابن سينا، والفارابي، وغيرهم، وتناولوه بالشرح والإضافة.
يقول ابن سينا: "حد العلة هي كل ذات وجود ذات آخر بالفعل، من وجود هذا بالفعل، ووجود هذا بالفعل، ليس من وجود ذلك بالفعل"4.
ودخلت تعريفات أهل الفلسفة للعلة إلى كتب المتأخرين من المتكلمين، فنجد الرازي يحد العلة بحد يجمع أنواعها فيقول:"العلة ما يحتاج إليه الشيء في حقيقته، أو وجوده"5.
وينتقد الرازي تعريف ابن سينا بأنه لا يتناول إلا العلة الفاعلية، قال:"فإن تكلفنا حتى أدخلنا العلة الغائية والصورية، فالعلة المادية على كل حال خارجة عنه"6.
ويقول التفتازاني: "العلة ما يحتاج إليه الشيء، وإن كان إطلاقها ينصرف إلى ما يصدر عنه الشيء"7.
ومعظم الفلاسفة المنتسبين للإسلام كالكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد يفضلون استعمال لفظ العلة على لفظ السبب، أما الغزالي وعلماء الكلام فإنهم يستعملون لفظ السبب
1 - مجموع الفتاوى 18/273، وانظر:21/356من المرجع نفسه.
2 -
المرجع السابق 21/356.
3 -
انظر: المعجم الفلسفي للدكتور صليبا 2/96، التعريفات ص155.
4 -
الحدود لابن سينا ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص260، وانظر: معيار العلم ص283.
5 -
المباحث المشرقية 1/586.
6 -
المرجع السابق 1/586.
7 -
شرح المقاصد 2/77، وانظر: الصحايف الإلهية ص 131، التعريفات ص199.
للدلالة على العلة1. بينما نجد المتأخرين من المتكلمين كالرازي، والتفتازاني، ونحوهم قد تابعوا الفلاسفة في استخدام لفظ العلة.
4 -
أقسام العلة:
العلة عند أرسطو أربعة أقسام: العلة المادية، والعلة الصورية، والعلة الفاعلة، والعلة الغائية2. وهناك من قسم العلة إلى تامة، وناقصة. والعلة الناقصة إلى علة الماهية وعلة الوجود. والعلة الماهية تنقسم إلى العلة المادية، والعلة الصورية. وعلة الوجود تنقسم إلى العلة الفاعلية والعلة الغائية3. وفيما يلي التعريف بهذه الأنواع:
"1" - العلة التامة:
العلة التامة جميع ما يحتاج إليه الشيء، سواء كان هو الفاعل وحده، أو مع الغاية، أو مع غيرها4.
"2" - العلة الناقصة:
العلة غير التامة أو الناقصة هي بعض ما يحتاج إليه الشيء5، وهي تنقسم إلى قسمين:
1 -
علة الماهية: وهي جزء لذلك الشيء، وهي ما يكون بها الشيء بالقوة أو الفعل، وتنقسم إلى العلة المادية، والعلة الصورية6.
أ - العلة المادية:
العلة المادية هي ما به الشيء بالقوة كالخشب للسرير7. وقال الرازي: "وعلة مادية وهي الجزء الذي لا يجب عند حصوله الشيء، بل إمكان حصوله"8. وقد يسمى العلة القابلية9.
1 - انظر: المعجم الفلسفي للدكتور صليبا 2/96.
2 -
انظر: المرجع السابق 2/96.
3 -
انظر هذه التقسيمات في النجاة 2/62، الصحايف الإلهية ص139.
4 -
انظر: شرح المقاصد 2/80 - 81، التعريفات ص199.
5 -
انظر: شرح المقاصد 2/81، التعريفات للجرجاني ص199 - 200.
6 -
انظر: النجاة 2/62، معيار العلم ص319 - 320، الصحايف الإلهية ص131 - 132، شرح المقاصد 2/78.
7 -
انظر: النجاة 2/62، الصحايف الإلهية ص139.
8 -
المباحث المشرقية 1/586.
9 -
انظر: معيار العلم ص319 - 320.
ب - العلة الصورية:
العلة الصورية هي جزء يصير الكل به بالفعل؛ كالصورة السريرية للسرير1. وقال الرازي: "علة صورية وهي جزء الشيء الذي يجب عند حصوله الشيء"2.
2 -
علة الوجود: وهي ليست جزءاً من الشيء، بل خارجة عنه، وتنقسم إلى العلة الفاعلية، والعلة الغائية3.
أ - العلة الفاعلية:
العلة الفاعلية هي ما به وجود الشيء4. وقال الرازي:"وعلة فاعلية وهي التي تكون سببا لحصول شيء آخر"5. وقال الآمدي: "فأما العلة الفاعلية فعبارة عما وجود غيره مستفاد من وجوده، ووجوده غير مستفاد من وجود ذلك الغير؛ كالنجار بالنسبة إلى السرير"6.
ب - العلة الغائية:
العلة الغائية هي ما لأجله الإيجاد، وهي علة بماهيتها إذ تقدمها إنما يكون في العقل، ومعلولة بوجودها؛ إذ وجودها يتوقف على تحقق المعلول7.
"3" - العلة الأولى:
العلة الأولى هي العلة التي لا علة لها، أو علة العلل، أو العلة النهائية، أو علة لكل وجود، ولعلة حقيقة كل وجود في الوجود8. وهي المبدأ الأول عندهم، وهو الله - سبحانه -، والعلة الأولى عند ابن سينا وأتباعه هي علة فاعلية، أما أرسطو فقد أثبت العلة الأولى كعلة غائية يتحرك الفلك للتشبه بها، فلم يثبت علة فاعلية9.
1 - انظر: النجاة 2/62، الصحايف الإلهية ص140.
2 -
المباحث المشرقية 1/586.
3 -
انظر: النجاة 2/62، معيار العلم ص319 - 320، الصحايف الإلهية ص131 - 132، شرح المقاصد 2/78.
4 -
انظر: النجاة 2/62، الصحايف الإلهية ص133.
5 -
المباحث المشرقية 1/586.
6 -
المبين ص117.
7 -
انظر: النجاة 2/62، الصحايف الإلهية ص141، المباحث المشرقية 1/586.
8 -
انظر: الإشارات والتنبيهات 2/18، المعجم الفلسفي للدكتور صليبا 2/97.
9 -
انظر على سبيل المثال: الصفدية 1/85، 2/159، مجموع الفتاوى 9/135.
وحيث يذكر لفظ العلة مطلقاً يراد به الفاعلية، ويذكر البواقي بأوصافها1.
5 -
معنى المعلول عند الفلاسفة والمتكلمين:
المعلول هو كل ذات وجوده بالفعل من وجود غيره، ووجود ذلك الغير ليس من وجوده2. وقيل: المعلول ما يحتاج إلى الشيء3.
6 -
نقد أهل السنة لعقيدة الفلاسفة في العلة:
يتركز موقف أهل السنة في الإنكار على الفلاسفة في معنى العلة عندهم، وقولهم بأن الله هو العلة الأولى، وأن العالم معلول لعلة أزلية تامة، ومن الوجوه التي رد بها أهل السنة على الفلاسفة ما يلي:
أولاً: أن قولهم بالعلة التامة القديمة باطل، لأن العلة التامة القديمة يمتنع أن يحدث عنها شيء، فإنه يجب مقارنة معلولها لها في الأزل، والحادث ليس بمقارن لها في الأزل، وإذا قيل حدث عنها بحدوث الاستعداد والشرائط، قيل الكلام في كل ما يقدر حدوثه عن علة تامة مستلزمة لمعلولها، فإن حدوث حادث عن علة تامة مستلزمة لمعلولها محال، وهذا الإلزام صحيح لا محيد للفلاسفة عنه. وإذا قالوا حدث عنها أمور متسلسلة، واحد بعد واحد، قيل لهم الأمور المتسلسلة يمتنع أن تكون صادرة عن علة تامة؛ لأن العلة التامة القديمة، تستلزم معلولها، فيكون معها في الأزل، والحوادث المتسلسلة ليست معها في الأزل4.
ثانياً: أن العلة الأولى التي يثبتها أرسطو لهذا العالم، إنما هي علة غائية، يتحرك الفلك للتشبه بها، وتحريكها للفلك من جنس تحريك الإمام المقتدى به للمؤتم المقتدي، ولفظ الإله في لغتهم يراد به المتبوع، والإمام الذي يتشبه به، فالفلك عندهم يتحرك للتشبه بالإله، ولهذا جعلوا الفلسفة العليا، والحكمة الأولى، إنما هي التشبه بالإله على قدر الطاقة. وهذا القول من أعظم
1 - انظر: الصحايف الإلهية ص132، شرح المقاصد 2/78.
2 -
انظر: الحدود لابن سينا ص260 - 261، معيار العلم ص283.
3 -
انظر: شرح المقاصد 2/78.
4 -
انظر: درء التعارض 1/335، الصفدية 1/85.
الأقوال كفراً، وضلالاً، ومخالفةً لما عليه جماهير العقلاء من الأولين والآخرين، ولهذا عدل متأخرو الفلاسفة عنه، وادعوا موجِباً، وموجَباً، كما زعمه ابن سينا وأمثاله1.
ثالثاً: إذا كان الصانع قديماً، وعلة تامة أزلية، لزم ألا يتأخر عنه شيء من معلوله، كما ذكروا، لأن المتأخر إن كان قد وجدت علته التامة في الأزل؛ لزم أن يكون أزلياً لا يتأخر، وإن لم يوجد فقد وجدت علته التامة بعد أن لم تكن. ثم القول في علة تلك العلة، كالقول في العلة التي هي معلول هذه، فيلزم ألا يكون لشيء من الحوادث علة تامة في الأزل، وهذا لازم لقولهم لا محيد عنه، فلا يكون لشيء من الحوادث فاعل، ولا محدث، وهذا غاية الجهل، والتعطيل، والسفسطة، وهم يعترفون بفساده. وإن كان المبدع، العلة التامة الأزلية، قد صدرت عنه الحوادث المتعاقبة، فهذا جمع بين النقيضين، إذ العلة التامة يقارنها معلولها ولا يتأخر عنها2.
رابعاً: قول الفلاسفة أن النفوس والعقول معلولة له، ومتولدة عنه، أعظم كفراً من قول من قال من مشركي العرب أن الملائكة بنات الله، قال الله - تعالى -:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام - 100] وهؤلاء المتفلسفة يقولون العقل بمنزلة الذكر، والنفس بمنزلة الأنثى، وكلاهما متولد عن الله - تعالى -، وأولئك كانوا يقولون إنه خلق الملائكة بمشيئته وقدرته، وأنه هو رب السماوات والأرض، وأما هؤلاء فيقولون إن العقول التي يسميها من يتظاهر بالإسلام منهم ملائكة، يقولون إنها معلولة متولدة عن الله، لم يخلقها بمشيئته وقدرته، ويقولون إنها هي رب العالم، فالعقل الأول أبدع كل ما سوى الله عندهم، والثاني أبدع ما سوى الله وسوى العقل الأول، حتى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر الفعال، المتعلق بفلك القمر، فيقولون إنه أبدع ما تحت الفلك، فهو عندهم المبدع لما تحت السماء، من هواء وسحاب وجبال وحيوان ونبات ومعدن، ومنه يفيض الوحي والعلم على الأنبياء وغيرهم3.
1 - انظر: مجموع الفتاوى 12/329، منهاج السنة1/236.
2 -
انظر: الصفدية 1/18 - 20بتصرف، منهاج السنة النبوية 1/148.
3 -
انظر: الصفدية 1/8 - 9.
خامساً: أن الذي أخبرت به الرسل، ودلت عليه العقول، واتفق عليه جماهير العقلاء من الأولين والآخرين، أن الله خالق كل شيء، وأن كل ما سواه مخلوق له، وكل مخلوق محدث مسبوق بالعدم، وأما تغيير هولاء للفظ المحدث، وقولهم إنا نقول إنه محدث حدوثاً ذاتياً، بمعنى أنه معلول، فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، فإن المحدث معلوم أنه قد كان بعد أن لم يكن، وأنه مفعول أحدثه محدث إحداثاً. وما لم يزل ولا يزال فلا يسميه أحد من العقلاء في لغة من اللغات محدثاً1.
سادساً: أن ما يذكرونه من اقتران المعلول بعلته، فإذا أريد بالعلة ما يكون مبدعاً للمعلول، فهذا باطل بصريح العقل، وبهذا تقر جميع الفطر السليمة، فالإقرار بأنه خالق كل شيء يوجب أن يكون كل ما سواه محدثاً مسبوقاً بالعدم. وإن قدر دوام الخالقية لمخلوق بعد مخلوق، فهذا لا ينافي أن يكون خالقاً لكل شيء، وكل ما سواه محدث مسبوق بالعدم. وأما إذا أريد بالعلة ما ليس كذلك كما يمثلون به من حركة الخاتم بحركة اليد، وحصول الشعاع عن الشمس، فليس هذا من باب الفاعل في شيء، بل هو من باب المشروط، والشرط قد يقارن المشروط، وأما الفاعل فيمتنع أن يقارنه مفعوله المعين، وإن لم يمتنع أن يكون فاعلاً لشيء بعد شيء2.
سابعاً: أن العلة أصلها التغيير كالمرض الذي يحيل البدن عن صحته، والعليل ضد الصحيح، وقد قيل إنه لا يقال معلول إلا في الشرب، يقال شرب الماء علاً بعد نهل، وعللته إذا سقيته مرة ثانية، ولم يرد في لغة العرب المعنى الذي يذكره الفلاسفة للعلة والمعلول3.
وبهذا يتبين ما يعنيه الفلاسفة بلفظ العلة والمعلول، ومقارنة المعلول لعلته، وأنهم يريدون بذلك أن العالم قديم أزلي، وهذا ينفي الخالق، والردود السابقة تبين شيئاً من ضلالهم، وباطلهم.
1 - انظر: الرد على المنطقيين 381.
2 -
انظر: المرجع السابق ص147 - 149.
3 -
انظر: مجموع الفتاوى 4/133.