المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإيجاد - الموجود - الوجود - الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية

[آمال بنت عبد العزيز العمرو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: المصادر والقواعد في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها عند أهل السنة ومخالفيهم

- ‌الفصل الأول: مصادر أهل السنة وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌المصدر الثاني: السنة النبوية

- ‌المصدر الثالث: لغة العرب

- ‌المصدر الرابع: آثار السلف

- ‌المبحث الثاني: قواعد أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌ القاعدة الأولى: التزام ألفاظ الشرع

- ‌القاعدة الثانية: التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌القاعدة الثالثة: تجنب الألفاظ البدعية

- ‌القاعدة الرابعة: تجنب الألفاظ المجملة، والتفصيل فيها

- ‌القاعدة الخامسة: تجنب التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثاني: مصادر المخالفين وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: العقل

- ‌المصدر الثاني: الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي

- ‌المصدر الثالث: الملل والديانات الأخرى

- ‌المصدر الرابع: الكشف

- ‌المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌الأولى: عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها

- ‌الثانية: عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌الثالثة: استعمال الألفاظ البدعية

- ‌الرابعة: استعمال الألفاظ المجملة

- ‌الخامسة: التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثالث: معنى الحد عند المنطقيين ونقده عند أهل السنة

- ‌المبحث الأول: معنى الحد في اللغة

- ‌المبحث الثاني: معنى الحد عند المنطقيين

- ‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين

- ‌الفصل الرابع: أشهر المؤلفات في مصطلحات العقيدة عرض وتقويم

- ‌المبحث الأول: كتاب: المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين

- ‌التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: كتاب: التعريفات

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثالث: كتاب: التوقيف على مهمات التعاريف

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌الباب الثاني: دراسة تطبيقية على ألفاظ توحيد الربوبية ومصطلحاته

- ‌الفصل الأول: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بخصائص الربوبية

- ‌تمهيد

- ‌الرّب

- ‌الإحياء

- ‌الإماتة

- ‌الأمر

- ‌المُلْك

- ‌الرَّزق

- ‌الخلق

- ‌الإبداع

- ‌التأثير

- ‌الإيجاد - الموجود - الوجود

- ‌الماهية

- ‌القِدَم

- ‌الأبدية

- ‌الأزلية

- ‌الواحد بالعين

- ‌الواحد بالنوع

- ‌الوحدة في الأفعال

- ‌الفصل الثاني: ألفاظ أدلة توحيد الربوبية ومصطلحاتها

- ‌مقدمة:

- ‌الدليل

- ‌العلم الضروري

- ‌العلم النظري

- ‌الشك

- ‌المعرفة

- ‌النظر

- ‌التسلسل

- ‌الدور

- ‌الجسم

- ‌الجوهر

- ‌العرض

- ‌المعدوم

- ‌الممتنع

- ‌المستحيل

- ‌الممكن

- ‌واجب الوجود

- ‌العالَم

- ‌العالم حادث

- ‌الأفول

- ‌دليل التغير

- ‌إمكان الصفات "إمكان الأعراض

- ‌حدوث الذوات"حدوث الأجسام

- ‌حدوث الصفات"حدوث الأعراض

- ‌الإحكام والإتقان

- ‌دليل التمانع

- ‌الفطرة

- ‌الفصل الثالث: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة ب‌‌الشرك في الربوبية

- ‌الشرك في الربوبية

- ‌التعطيل

- ‌الزندقة

- ‌الإلحاد

- ‌العلة

- ‌العقل

- ‌النفس

- ‌الصدور والفيض

- ‌التولد

- ‌الموجب بالذات

- ‌قدم العالم

- ‌الهيولى

- ‌الدهر

- ‌الصدفة

- ‌الطبيعة

- ‌الاتحاد

- ‌الحلول

- ‌التثليث

- ‌الثنوية

- ‌السحر

- ‌التولة

- ‌التنجيم

- ‌الاستسقاء بالأنواء

- ‌الطِّلسم

- ‌الكهانة

- ‌الطِّيَرة

- ‌العرافة

- ‌العيافة

- ‌الفصل الرابع: المصطلحات البدعية في توحيد الربوبية

- ‌الأبدال

- ‌الأوتاد

- ‌القطب والغوث

- ‌النجباء والنقباء

- ‌العارف

- ‌رجال الغيب

- ‌الفناء

- ‌الكشف

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الإيجاد - الموجود - الوجود

‌الإيجاد - الموجود - الوجود

1 -

معنى الإيجاد في اللغة:

يقول ابن فارس: "الواو والجيم والدال يدل على أصل واحد، وهو الشيء يُلفيه، ووجدت الضالة وجداناً"1. ووَجَدَ مطلوبه يجِده وُجُوداً، وأوجده الله مطلوبه أي أظفره به، وأوجده الله أي أغناه. وُوجِد الشيء عن عدم فهو موجود وأوجده الله2.

و"خلقه الله خلقاً أوجده"3. و"كوّن الله الشيء فكان أي أوجده"4.

و" الوجود خلاف العدم، وأوجَد الله الشيء من العدم فهو موجود، من النوادر"5.

و"وجَدْتُ الشيء أي أصبته"6.

والمعاني السابقة تدل على أن الإيجاد في اللغة يعني خلق الشيء بعد أن كان عدماً، وتكوينه، وأن الموجود خلاف المعدوم، والوجود خلاف العدم، وهو الكون.

1 معجم مقاييس اللغة 6/86.

2 -

انظر: الصحاح 2/547، لسان العرب 3/445 - 446، القاموس المحيط ص413 - 414، المصباح المنير 2/891.

3 -

المغرب ص153.

4 -

المصباح المنير 2/748.

5 -

المرجع السابق 2/891.

6 -

العين 6/169.

ص: 187

2 -

معنى الإيجاد في الاصطلاح:

أ - معنى الإيجاد في اصطلاح أهل السنة:

لم يرد لفظ الإيجاد أو الوجود أو الموجود في كتاب الله، وقد ورد الفعل وجدوما تصرف منه في آيات كثيرة، والمعنى فيها قريب من بعض.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من المعلوم أن لفظ الوجود هو في أصل اللغة مصدر وجدت الشيء أجده وجوداً، ومنه قوله - تعالى -: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء - 43، المائدة - 6] وقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} [النور - 39] وقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى - 6 - 7] وأمثال ذلك، فالموجود هو الذي يجده الواجد كنسبة المعلوم إلى العلم، والمذكور إلى الذكر.."1.

ولا يوجد في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم المنقول إلينا لفظ الإيجاد ولا الموجود ولا الوجود2.

ولم يتحدث أهل السنة كثيراً عن لفظ الإيجاد لأن له مرادفاً شرعياً وارداً في الكتاب والسنة وهو لفظ الخلق، ومما ذكره أهل السنة عن لفظ الإيجاد؛ قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ولفظ الوجود قد يعنى به المصدر، إما مصدر وَجَد يَجِد وجوداً، أو مصدر أوجده الله، أو مصدر وجدته أجده وجوداً. لكن ليس المراد في هذا المقام مسمى المصادر فإن إيجاد الله للخلق هو خلقه لهم، وهذا عند الأكثرين هو فعل غير المخلوقين، وعند كثير من النظار الخلق هو المخلوق"3.

فالإيجاد هو خلق المخلوقات. وقال ابن القيم رحمه الله: "فالخلق الإيجاد"

1 - بيان تلبيس الجهمية 1/328، وانظر: مفردات الراغب ص 854 - 855.

2 -

وذلك حسب اطلاعي.

3 -

الصفدية 2/190.

4 -

شفاء العليل ص65.

ص: 188

وقال: "وأما الجعل فقد أطلق على الله - سبحانه - بمعنيين أحدهما: الإيجاد والخلق، والثاني التصيير "1. وقد فسر ابن كثير رحمه الله قوله - تعالى -: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك - 2] فقال: "ومعنى الآية أنه أوجد الخلائق من العدم"2.

ومن خلال النقول السابقة يمكن القول أن معنى الإيجاد هو الخلق، وأنه من الألفاظ التي يخبر بها عن الله - تعالى - ولكن لا يوصف به، لأن الله - تعالى - لم يصف نفسه به ولم يصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "وأما لفظ الموجد فلم يقع في أسمائه - سبحانه -، وإن كان هو الموجد على الحقيقة، ووقع في أسمائه الواجد وهو بمعنى الغني الذي له الوجد، وأما الموجد فهو مفعل من أوجد وله معنيان: أحدهما أن يجعل الشيء موجوداً وهو تعدية وجده وأوجده.. والمعنى الثاني: أوجده جعل له جدة وغنى"3.

1 - شفاء العليل ص133.

2 -

تفسير القرآن العظيم 4/422.

3 -

شفاء العليل ص132.

ص: 189

ب - معنى الإيجاد عند المتكلمين والفلاسفة:

يفسر كثير من المتكلمين الإيجاد بالخلق، والتكوين، والاختراع، وما في معناه، يقول الرازي:"الإيجاد عبارة عن إخراج الشيء من العدم إلى الوجود"1.ويقول أيضاً: "أما الخلق بمعنى الإحداث والإيجاد فعندنا أنه - سبحانه - منفرد به"2. ويقول ابن حزم: "إن الإيجاد هو الخلق نفسه"3.

ومما قالوا في معنى الإيجاد: "التكوين والاختراع والإيجاد والخلق، ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان، والمشترك فيه كون الشيء موجداً من العدم ما لم يكن موجوداً"4.

وتفسير الإيجاد بالخلق يتفق أهل السنة فيه مع المتكلمين؛ ولكن يعود النقد إلى معنى الخلق عند المتكلمين وموقفهم من صفات الفعل، وقد سبق بيان رد أهل السنة على المتكلمين في قولهم إن الخلق هو المخلوق5. وأما الماتريدية فيقول البزدوي6:"إن التكوين والإيجاد صفة لله - تعالى - غير حادث بل هو أزلي"7. وذلك لأن الماتريدية ترجع جميع صفات الفعل إلى التكوين، وقد سبق الرد على الماتريدية في قولهم بأزلية صفات الفعل، وعدم تعددها، وعدم تعلقها بمشيئة الرب8.

أما الفلاسفة فيقول ابن رشد في كتاب تفسير ما بعد الطبيعة: "الإيجاد هو إخراج ما بالقوة إلى الفعل، فإن الكائن بالفعل هو فاسد بالقوة، وكل قوة فإنما تصير إلى الفعل من قِبَل مخرج لها هو بالفعل، فلو لم تكن القوة موجودة لما كان هاهنا فاعل أصلا، ولو لم يكن الفاعل موجوداً لما كان هاهنا شيء هو بالفعل أصلاً"9، وقال في كتاب تهافت

1 - المسائل الخمسون ص 22.

2 -

المطالب العالية 9/137.

3 -

الفصل 5/55.

4 -

تلخيص المحصل للطوسي ص 312، وانظر الكليات ص29.

5 -

انظر البحث ص 149 - 152.

6 -

هو العلامة شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن مجاهد البزدوي، من مؤلفاته: كتاب المبسوط في الفقه، وكتاب أصول الدين، توفي في بخارى في تاسع رجب سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة. انظر: السير19/49، كشف الظنون2/1581.

7 -

أصول الدين ص 69 - 70.

8 -

انظر: البحث ص149 - 152.

9 -

تفسير ما بعد الطبيعة لابن رشد ص1504، وانظر: موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب للدكتور جيرار جهامي ص142.

ص: 190

التهافت: "ليس الإيجاد شيئا إلا قلب عدم الشيء إلى الوجود"1، وهذا يشبه قول من قال إن المعدوم شيء، حيث يرون أن الشيء قبل أن يوجد فيه قوة للوجود، فإن العدم عندهم ذات ما2، فهم يفرقون بين الوجود والثبوت، وهذا باطل، فالمعدوم ليس بشيء، فضلا عن أن يكون فيه قوة للوجود، بل وجود الشيء هو ثبوته.

وفي كتاب دستور العلماء: "الإيجاد إعطاء الوجود، وفي الإشارات إشارة إلى أنه يرادف الإبداع"3.

وتعريف الإبداع عند ابن سينا - كما سبق -: "هو اسم مشترك لمفهومين؛ أحدهما تأسيس الشيء لا عن شيء، ولا بواسطة شيء، والمفهوم الثاني أن يكون للشيء وجود مطلق عن سبب بلا متوسط، وله في ذاته أن لا يكون موجودا وقد أفقد الذي له من ذاته إفقادا تاما "4. والإبداع بهذا المعنى أعلى رتبة عند الفلاسفة من الإحداث والتكوين5.فالإبداع عند الفلاسفة - باختصار - هو إيجاد شيء غير مسبوق بالعدم، وغير مسبوق بمادة أو زمان، وهذا المعنى الذي ذكره ابن سينا للإبداع باطل، يقول شيخ الإسلام رحمه الله معلقا عليه:"ومعلوم أن هذا المعنى ليس هو المعروف من لفظ الإبداع في اللغة التي نزل بها القرآن، كما في قوله - تعالى -: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة - 117، الأنعام - 101] ونحو ذلك، ولفظ الخلق أبعد عن هذا المعنى، فإن هذا المعنى يعلم بالاضطرار أنه ليس هو المراد بلفظ الخلق في القرآن والسنة"6.

كما يفسر الفلاسفة الإحداث بالإيجاد، وهو أقل رتبة من الإبداع، ويتبين أنواع الإيجاد عندهم إذا نظرنا إلى معنى الإحداث الذي ذكروه، فالإحداث عندهم نوعان7:

1 -

الإحداث الزماني: وهو إيجاد شيء بعد أن لم يكن له وجود في زمان سابق.

1 - تهافت التهافت ص91.

2 -

انظر: المرجع السابق ص77.

3 -

موسوعة مصطلحات دستور العلماء ص191.

4 -

الحدود ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص262، وانظر: معيار العلم ص284.

5 -

انظر: الإشارات لابن سينا 3/95.

6 -

بغية المرتاد ص237.

7 -

انظر: الحدود لابن سينا ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص262.

ص: 191

2 -

الإحداث غير الزماني: وهو إفادة الشيء وجوداً، وليس له في ذاته ذلك الوجود لا بحسب زمان دون زمان، بل في كل زمان.

والإحداث بالمعنى الأول هو إيجاد المخلوقات المشاهد حدوثها. ويقصدون بالنوع الثاني العقول فإنها مبدعة عندهم، كما أن العالم مبدع عندهم، وهو يعني قدم العالم، وقدم العقول، وهذا المعنى ظاهر البطلان، فقدم العالم يناقض كون الله أوجده؛ لأن الإيجاد للشيء لابد أن يكون مسبوقا بالعدم.

3 -

معنى الموجود والوجود:

الموجود يطلقه أهل العلم والنظر على ما هو كائن ثابت؛ لكونه يجده الواجد. وتارة يطلقونه من غير أن يستشعر فيه وجود واجد له لا بالفعل ولا بالاستحقاق. والوجود عندهم يراد به الكون والثبوت والحصول، وتارة يراد به الموجود1.

يقول الباقلاني: "والموجود هو الشيء الكائن الثابت "2. أما الوجود فيعرفه الرازي بأنه: "حصول الشيء وتحققه وثبوته"3. قال شيخ الإسلام رحمه الله:" والوجود هو الثبوت"4.

ويبين شيخ الإسلام رحمه الله المراد بهذا اللفظ فيقول: "من المعلوم أن لفظ الوجود هو في أصل اللغة مصدر وجدت الشيء أجده وجودا، ومنه قوله - تعالى -:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء - 43، المائدة - 6] ..فالموجود هو الذي يجده الواجد، كنسبة المعلوم إلى العلم، والمذكور إلى الذكر..وهذا الاسم إنما يستحقه من يكون موجودا لواجد يجده؛ لكن هم في مثل هذا قد يقولون مشهود ومرئي وموجود، ونحو ذلك: لما يكون بحيث يشهده الشاهد، ويراه الرائي، ويجده الواجد؛ وإن تكلموا بذلك في الوقت الذي لا يكون فيه يشهده، ويراه، ويجده غيره. وقد لا يقولون هذا إلا في الوقت الذي يشهده الشاهد ويراه الرائي، ويجده الواجد، وكثيراً ما يقصدون به المعنى الأول، فيطلقون الموجود على ما هو كائن ثابت لكونه بحيث يجده الواجد.

1 - انظر: بيان تلبيس الجهميه 1/329، الصفدية 1/119.

2 -

الإنصاف ص15، وانظر: شرح الأصول الخمسه ص175، الصحايف الإلهية ص96.

3 -

المباحث المشرقية 1/133، وانظر: شرح المقاصد 1/295.

4 -

الجواب الصحيح 4/300.

ص: 192

وكذلك لفظ الوجود يريدون بها تارة المصدر الذي هو الأصل فيها، ويريدون بها تارة المفعول: أي الموجود، كما في لفظ الخلق ونحوه، وكذلك لفظ الفعل؛ فإنهم يقولون وجد هذا، وهذا صيغة فعل مبني للمفعول، فقد يريدون بذلك أنه وجده واجد، وقد يريدون بذلك أنه كان وحصل حتى صار بحيث يجده الواجد، ثم لما صار هذا المعنى هو الغالب في قصدهم، صار لفظ الموجود عندهم، والوجود، يراد به الثبوت، والكون، والحصول، من غير أن يستشعر فيه وجود واجد له لا بالفعل ولا بالاستحقاق، فهذه ثلاثة معان، لكن غروب هذا المعنى عن الذهن إنما كان لما لم يقصد الناطق إلا نفس الكون والثبوت، وإن كان المعنى الآخر لازم له"1.

فلا يجوز أن يسمى بالموجود ما يكون حيث لا يجده الواجد، ولا يستعمل لفظ موجود ووجدته فيما لا يحس ولا يمكن الإحساس به ألبتة2.

1 - بيان تلبيس الجهمية 1/328 - 329. وانظر: الصفدية 1/119.

2 -

انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/329 - 330.

ص: 193

4 -

الوجود المطلق:

الوجود المطلق الذي قال به الفلاسفة المتأخرون، وملاحدة الصوفية أنواع:

الأول: الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وهو الذي لا يتعين، ولا يتخصص بحقيقة يمتاز بها عن سائر الموجودات، بل حقيقته وجود محض مطلق، بشرط نفي جميع القيود والمعينات والمخصصات1. وذلك كإنسان مطلق بشرط الإطلاق، وحيوان مطلق بشرط الإطلاق، وهذا لا يكون إلا في الأذهان دون الأعيان2.

الثاني: الوجود المطلق بشرط سلب الأمور الثبوتية، كما هو قول ابن سينا وأتباعه، ويعبرون عن هذا بأن وجوده ليس عارضاً لشيء من الماهيات والحقائق3.

الثالث: الوجود المطلق لا بشرط الإطلاق، وهو قول ملاحدة الصوفية، حيث جعلوا الله هو الوجود من حيث هو هو، مع قطع النظر عن كونه واجباً وممكناً، وواحداً وكثيراً4.

5 -

الرد على القائلين بأن الوجود الواجب هو الوجود المطلق:

عندما قسم ابن سينا الوجود إلى واجب وممكن، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام، فلم يمكنه أن يجعل هذا الوجود المنقسم إلى واجب وممكن، هو الوجود الواجب، فجعل الوجود الواجب، هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية، وقوله هذا يعني نفي وجود الله، وبيان ذلك من وجوه:

أولاً: أن يقال الوجود المطلق بشرط الإطلاق، أو بشرط سلب الأمور الثبوتية، أو لا بشرط، مما يعلم بصريح العقل انتفاؤه في الخارج، وإنما يوجد في الذهن. وهذا مما قرروه في منطقهم اليوناني، وبينوا أن المطلق بشرط الإطلاق؛ كإنسان مطلق بشرط الإطلاق، وحيوان مطلق بشرط الإطلاق، لا يكون إلا في الأذهان دون الأعيان. ولما أثبت قدماؤهم الكليات المجردة عن الأعيان، التي يسمونها المثل الأفلاطونية، أنكر ذلك حذاقهم، وقالوا هذه لا تكون إلا في الذهن5.

1 - انظر: شرح العقيدة الأصفهانية ص 52، درء التعارض 3/439.

2 -

انظر: درء التعارض 1/286.

3 -

انظر: المرجع السابق 1/287.

4 -

انظر: المرجع السابق 1/290.

5 -

انظر: المرجع السابق 1/286.

ص: 194

ثانياً: أن الذين ادعوا ثبوت هذه الكليات في الخارج مجردة، قالوا إنها مجردة عن الأعيان المحسوسة، ويمتنع عندهم أن تكون هذه هي المبدعة للأعيان، بل يمتنع أن تكون شرطاً في وجود الأعيان، فإنها إما أن تكون صفة للأعيان، أو جزءاً منها، وصفة الشيء لا تكون خالقة للموصوف، وجزء الشيء لا يكون خالقاً للجملة1.

ثالثاً: أنه إذا جعل وجود الرب مطلقاً بشرط الإطلاق، لم يجز أن ينعت بنعت يوجب امتيازه، فلا يقال هو واجب بنفسه، ولا ليس بواجب بنفسه، فلا يوصف بنفي، ولا إثبات، لأن هذا نوع من التمييز والتقييد، وهذا حقيقة قول القرامطة الباطنية الذين يمتنعون عن وصفه بالنفي والإثبات. ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع، كما أن الجمع بين النقيضين ممتنع، وأما إذا قيد بسلب الأمور الثبوتية، دون العدمية، فهو أسوأ حالاً من المقيد بسلب الأمور الثبوتية والعدمية، فإنه يشارك غيره في مسمى الوجود، ويمتاز عنه بأمور وجودية، وهو يمتاز عنها بأمور عدمية، فيكون كل من الموجودات أكمل منه. فلزمهم أن يكون الوجود الواجب الذي لا يقبل العدم، هو الممتنع الذي لا يتصور وجوده في الخارج، وإنما يقدره الذهن تقديراً، كما يقدر كون الشيء موجوداً معدوماً، أو لا موجوداً ولا معدوماً. فلزمهم الجمع بين النقيضين والخلو عن النقيضين، وهذا من أعظم الممتنعات باتفاق العقلاء2.

رابعاً: أن المطلق لا بشرط، كالإنسان المطلق لا بشرط، يصدق على هذا الإنسان، وهذا الإنسان، وعلى الذهني والخارجي، فالوجود المطلق لا بشرط يصدق على الواجب والممكن، والواحد والكثير، وحينئذ فهذا الوجود المطلق ليس موجوداً في الخارج مطلقاً بلا ريب3.

فمن وصف الله بأنه وجود مطلق، فقد جعل الله ممتنع الوجود - تعالى الله عن قولهم -.

1 - انظر: درء التعارض 1/286 - 287.

2 -

انظر: المرجع السابق 1/288 - 289.

3 -

انظر: المرجع السابق 1/290.

ص: 195