الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الممكن
1 -
معنى الممكن في اللغة:
قال الخليل: "..المكان في أصل تقدير الفعل مفعل، لأنه موضع للكينونة، غير أنه لما كثر أجروه في التصريف، مجرى الفعال، فقالوا مكنا له، وقد تمكن"1.
وقال الجوهري: "مكنه الله من الشيء، وأمكنه منه، بمعنى. واستمكن الرجل من الشيء، وتمكن منه، بمعنى. وفلان لا يمكنه النهوض، أي لا يقدر عليه"2.
وتمكّن من الشيء، واستمكن، ظفر، والاسم من كل ذلك المكانة، ويقال أمكنني الأمر يمكنني فهو ممكن، ولا يقال أنا أمكنه بمعنى أستطيعه3. و" مكّنه من الشيء، وأمكنه منه، أقدره عليه"4.
ومكن فلان عند السلطان مكانة، عظم عنده وارتفع فهو مكين، ومكّنته من الشيء تمكيناً، جعلت له عليه سلطاناً، وقدرة، فتمكّن منه، واستمكن قدر عليه، وله مكنة أي قوة وشدة5.
ويتبين مما سبق أن معنى الممكن في اللغة المقدور عليه، والإمكان القدرة على الشيء. والمكان موضع الكينونة.
2 -
معنى الممكن في الشرع:
لم يرد لفظ الممكن في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وورد الفعل مكّن وأمكن ونحوها، قال - تعالى -:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ} [يوسف - 21] وقال - تعالى -: {فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال - 71] .
1 - العين 5/387.
2 -
الصحاح6/2205.
3 -
انظر: لسان العرب 13/41.
4 -
المغرب ص432.
5 -
انظر: المصباح المنير 2/794.
قال القرطبي: "مكنا له في الأرض أي أقدرناه على ما يريد"1. وورد في السنة لفظ أمكن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عفريتاً من الجن جعل يفتك علي البارحة، ليقطع علي الصلاة، وإن الله أمكنني منه" 2، أي أقدرني عليه.
2 -
معنى الممكن في اصطلاح الفلاسفة:
إن تقسيم الموجودات إلى ممكن وواجب هو مستحدث من ابن سينا، ومن جاء بعده من الفلاسفة المتأخرين3. ويقول ابن سينا في تعريف الممكن:"الممكن هو الذي ليس يمتنع أن يكون، أو لا يكون، أو الذي ليس بواجب أن يكون، وأن لا يكون"4. وقال أيضاً: "الممكن الوجود هو الذي متى فرض غير موجود، أو موجوداً، لم يعرض منه محال..والممكن الوجود هو الذي لا ضرورة فيه بوجه"5، ثم تناقض في قوله حيث جعل ممكن الوجود بذاته، واجب الوجود بغيره، مع تناقض معنييهما، حيث قال: "وكل ما هو واجب الوجود بغيره، فإنه ممكن الوجود بذاته"6، ومثله الفارابي7.
ويقول ابن باجه: "الممكن وجوده صنفان: أحدهما الضروري، وهو ما لا يمكن عدمه، والآخر الموجود المطلق، وهو ما هو موجود وقتاً ما"8.
وقال الغزالي مبيناً ما يعنيه الفلاسفة بممكن الوجود، وواجب الوجود:"لفظ الممكن والواجب لفظ مبهم، إلا أن يراد بالواجب ما لا علة له، ويراد بالممكن ما لوجوده علة زائدة على ذاته"9.
وقال: "لا يفهم لفظ واجب الوجود، وممكن الوجود، فكل تلبيساتهم مخبأة في هاتين اللفظتين، فلنعدل إلى المفهوم، وهو نفي العلة وإثباتها"10.
1 - تفسير القرطبي 9/217.
2 -
جزء من حديث أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة 1/384، ح 541.
3 -
انظر: الصفدية 2/180، منهاج السنة النبوية 2/132.
4 -
الشفا قسم الإلهيات 1/36.
5 -
النجاة 2/77.
6 -
المرجع السابق 2/78.
7 -
انظر: معجم المصطلحات الفلسفية لوهبة ص667.
8 -
كتاب النفس ص43، نقلا عن موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب ص849.
9 -
التهافت ص81.
10 -
المرجع السابق ص117.
3 -
الممكن في اصطلاح المتكلمين، وأهل السنة:
يقول الغزالي: "الممكن هو الذات الذي لا يلزم ضرورة وجوده، ولا عدمه"1.
وقال الرازي: "الممكن لذاته هو الذي لا يلزم من فرض وجوده، ولا من فرض عدمه، من حيث هو محال"2.
وقال "الممكن هو الذي يقبل الوجود، ويقبل العدم"3.
وقال الشهرستاني: "والممكن معناه أنه جايز الوجود، وجايز العدم"4.
وقال الآمدي: "وأما الممكن فعبارة عن ما لو فرض موجوداً أو معدوماً، لم يلزم عنه لذاته محال، ولا يتم ترجيح أحد الأمرين له إلا بمرجح من خارج. وفي المصطلح العامي عبارة عن ما ليس بممتنع الوجود"5.
وتعريف أهل السنة للممكن موافق للتعريفات السابقة، فيعرف شيخ الإسلام الممكن بقوله:"الممكن هو الذي يقبل الوجود والعدم"6.
وقال: "فإن الممكن هو الذي لا يوجد إلا بموجد يوجده"7.
وقال أيضاً: "فإن حقيقة الممكن هو الذي لا يوجد إلا بغيره لا بنفسه"8.
فالتعريف المختار للممكن هو أنه الذي يقبل الوجود والعدم، ولا يوجد إلا بموجد يوجده.
إلا أن متأخري المتكلمين كالرازي، والآمدي، وافقوا الفلاسفة في إطلاق الواجب على الممكن، وأن الممكن يتناول ما يكون قديماً أزلياً، وأن الممكن لا يترجح أحد طرفيه إلا بمرجح، وفي طريقتهم في الاستدلال بتقسيم الوجود إلى ممكن وواجب، لإثبات وجود الله، مع أنه لا يوصل إلى المطلوب9.
1 - مقاصد الفلاسفة ص204.
2 -
المحصل ص71، وانظر: المطالب العالية 1/81.
3 -
المطالب العالية 1/81، 72.
4 -
نهاية الإقدام ص18.
5 -
المبين ص79 - 80.
6 -
الاصفهانية ص34.
7 -
درء التعارض 4/226، وانظر: بيان تلبيس الجهمية 1/541.
8 -
درء التعارض 9/146
9 -
انظر: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص69 - 81، المطالب العالية 1/72 - 130، المبين ص79.
4 -
الرد على الفلاسفة:
لقد اضطرب الفلاسفة في تعريفهم للمكن، حيث جعلوه ممكناً ثم أطلقوا لفظ الواجب عليه، وقالوا إن الممكن ما لوجوده علة، وجعلوه ملازماً لهذه العلة فكان الممكن أزلياً كعلته، وهذا ظاهر البطلان، ويتضح بطلانه من خلال الوجوه الآتية:
أولاً: أن الفلاسفة تناقضوا حيث جعلوا العالم ممكن الوجود، مع قولهم بأنه قديم لم يزل، فقول القائل إن الممكن هو الذي يقبل الوجود والعدم، مع قوله بأنه لم يزل موجوداً، جمع بين قولين متناقضين، وإذا قيل هو ممكن باعتبار ذاته كان قوله أيضاً متناقضاً، سواء عنى بذاته الوجود في الخارج، أو شيئاً آخر يقبل الوجود في الخارج، فإن تلك الذات إذا لم تزل موجودة ووجودها واجب، لم تكن قابلة للعدم أصلاً، ولم يكن عدمها ممكن أصلاً1.
ثانياً: أن القائلين بأن العالم ممكن وهو قديم كابن سينا، وأمثاله، من متأخري الفلاسفة، قد خالفوا معلمهم أرسطو، كما خالفوا سائر العقلاء، فلم يقل أرسطو أن الفلك قديم، وهو ممكن بذاته، بل كان عندهم ما عند سائر العقلاء، أن الممكن هو الذي يمكن وجوده وعدمه، ولا يكون كذلك إلا ما كان محدثاً، والفلك عندهم ليس بممكن، بل هو قديم لم يزل، وحقيقة قولهم أنه واجب لم يزل، ولا يزال2.
فالممكن هو المحدث عند عامة العقلاء من الفلاسفة وغيرهم، والمحدث لا بد له من فاعل وهذا أيضاً معلوم، بين، مسلّم عند عامة العقلاء3.
ثالثاً: أن حقيقة قولهم أنهم قدروا أموراً متسلسلة كل منها واجب الوجود، ضروري يمتنع عدمه، وكل منها معلول وسموه باعتبار ذلك ممكناً، وقالوا إنه يقبل الوجود والعدم، وحينئذ فلا يمكنهم إثبات افتقار واحد منها إلى علة، فضلاً عن افتقارها كلها، ويعود الأمر إلى الممكن الذي أثبتوه، وهو الضروري الواجب الوجود القديم الأزلي، هل يفتقر إلى فاعل ومرجح يرجح وجوده على عدمه، وقد عرف أنه ليس لهم على ذلك دليل، بل جميع العقلاء يقولون إن هذا لا يفتقر إلى فاعل، ولهذا لما بنوا إثبات واجب الوجود على
1 - انظر: منهاج السنة 1/377.
2 -
انظر: مجموع الفتاوى 5/540.
3 -
انظر: الدرء 8/172.
إثبات هذا الممكن، كما فعله ابن سينا، والرازي، والآمدي، وغيرهم، لم يمكنهم إقامة دليل على أن هذا الممكن بهذا التفسير يفتقر إلى فاعل، وورد على هذا الممكن من الأسئلة ما لم يمكنهم الجواب عنه1.
وبهذا يتضح فساد قول الفلاسفة في الممكن، وما ستروه تحت هذا اللفظ من معان باطلة.
وخلاصة القول أن تعريف الفلاسفة المتأخرين للممكن متناقض، وغير مقبول عقلاً. بينما يتفق أهل السنة مع المتكلمين في تعريفهم للممكن بأنه الذي يقبل الوجود والعدم، ولا يوجد إلا بموجد يوجده.
1 - انظر: درء التعارض 8/178.