الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظر
1 -
معنى النظر في اللغة:
سبق تعريف النظر في اللغة وأنه تأمل الشيء بالعين، ومعاينته، وقد يكون بالقلب، بمعنى التفكر في الشيء، كما يعني الانتظار1.
2 -
معنى النظر في الشرع:
لقد جاء الفعل نظر بتصريفاته في القرآن الكريم، وكان على عدة معان، فمن ذلك نظر العين، قال - تعالى -:{قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف - 143] وهو صريح في نظر العين، حيث قال - تعالى - بعد ذلك:{قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف - 143]، وقوله - تعالى -:{أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف - 185]، قال الطبري رحمه الله:"يقول - تعالى ذكره - أولم ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله في ملك الله، وسلطانه، في السماوات، وفي الأرض، وفيما خلق - جل ثناؤه - من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به، ويعلموا أن ذلك ممن لا نظير له ولا شبيه "2.
وجاء النظر بمعنى الانتظار، قال - تعالى -:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد - 13] قال الطبري: "واختلفت القراء في قراءة قوله: {انْظُرُونَا} ، فقرأت ذلك عامة قراء المدينة، والبصرة، وبعض أهل الكوفة {انْظُرُونَا} ، موصولة بمعنى انتظرونا"3. وهذه المعاني التي وردت في القرآن الكريم قد وردت في اللغة.
كما ورد لفظ النظر، والفعل منه، في السنة كثيراً، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا
1 - انظر ص226، من البحث.
2 -
تفسير الطبري 9/136.
3 -
المرجع السابق 27/224.
اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه" 1. فالنظر في الشرع جاء بمعاني النظر في اللغة.
3 -
معنى النظر في الاصطلاح:
يقول الجويني: "النظر في اصطلاح الموحدين، هو الفكر الذي يطلب به من قام به، علماً، أو غلبة ظن، ثم ينقسم النظر قسمين؛ إلى الصحيح، وإلى الفاسد، والصحيح منه كل ما يؤدي إلى العثور على الوجه الذي منه يدل الدليل، والفاسد ما عداه"2.
ويقول الرازي: "النظر والفكر عبارة عن ترتيب مقدمات علمية، أو ظنية، ليتوصل بها إلى تحصيل علم، أو ظن"3، وقال:"النظر ترتيب تصديقات، ليتوصل بها إلى تصديقات أخر"4.
ويقسم القاضي عبد الجبار النظر في أمور الدين إلى قسمين: "أحدها النظر في الشبه لتحل، والثاني النظر في الأدلة ليتوصل بها إلى المعرفة"5.
فالنظر إذاً عند المتكلمين هو التفكر، والانتقال من المقدمات العلمية، أو الظنية، إلى ما يترتب عليها من نتيجة علمية أو ظنية. ويرى كثير من المتكلمين أن النظر في طريق معرفة الله أول واجب على العبد. يقول الباقلاني:"وأن يعلم أن أول ما فرض الله عز وجل على جميع العباد، النظر في آياته، والاعتبار بمقدوراته، والاستدلال عليه بآثار قدرته، وشواهد ربوبيته"6.
ويقول الجويني: "أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ، أو الحلم، شرعاً، القصد إلى النظر الصحيح، المفضي إلى العلم بحدث العالم"7، فهم يقيدون النظر بدليل حدوث العالم كما هو ظاهر من كلام الجويني.
1 - أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان باب زنا الجوارح دون الفرج 4/139، ح 6243، وبنحوه مسلم في كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره 4/2046، ح 2657.
2 -
الإرشاد ص3.
3 -
معالم أصول الدين ص20.
4 -
محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص40.
5 -
شرح الأصول الخمسة ص45.
6 -
الإنصاف ص22، وانظر: شرح الأصول الخمسة ص45، المحصل ص47.
7 -
الإرشاد ص3.
وقد خالف أهل السنة المتكلمين في إيجابهم النظر، وجعله أول واجب، ودللوا على بطلان مذهب المتكلمين من وجوه عدة منها:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع أحداً من الخلق إلى النظر ابتداء، ولا إلى مجرد إثبات الصانع، بل أول ما دعاهم إليه الشهادتان، وبذلك أمر أصحابه، كما قال في الحديث المتفق على صحته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، لما بعثه إلى اليمن:"إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم"1.
والقرآن ليس فيه أن النظر أول الواجبات، ولا فيه إيجاب النظر على كل أحد، وإنما فيه الأمر بالنظر لبعض الناس. وهذا موافق لقول من يقول إنه واجب على من لم يحصل له الإيمان إلا به، بل هو واجب على كل من لا يؤدي واجباً إلا به وهذا أصح الأقوال2. كما أن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر به العباد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ، لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ. والشهادة تتضمن الإقرار بالصانع - تعالى - وبرسوله3.
ثانياً: أن هؤلاء المتكلمين بنوا دينهم على النظر، وهو لفظ مجمل، يدخل فيه الحق والباطل، فالحق هو النظر الشرعي، والنظر الشرعي هو النظر فيما بعث به الرسول من الآيات، والهدى كما قال:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة - 185] ، ولكن لما ظهرت البدع والتبس الحق بالباطل، صار اسم النظر يطلق على ثلاثة أمور: النظر البدعي؛ فيريدون بالدليل ما ابتدعوه من الأدلة الفاسدة والنظر فيها. ومنهم من يريد مطلق الدليل والنظر من غير تقييدها، لا بشرعي، ولا ببدعي، وهؤلاء أوسطهم، وهم أحسن حالاً من الذين قيدوا ذلك بالبدعي. وأما القسم الثالث فهم صفوة الأمة، وخيارها، المتبعون للرسول علماً وعملاً،
1 - سبق تخريج الحديث ص 16من البحث.
2 -
انظر: درء التعارض 8/6 - 8.
3 -
انظر: المرجع السابق 8/8 - 11.
يدعون إلى النظر، والاستدلال، والاعتبار بالآيات، والأدلة، والبراهين التي بعث الله بها رسوله، وتدبر القرآن، وما فيه من البيان1.
ثالثاً: أنه قد تنازع النظار في مسألة وجوب النظر، المفضي إلى معرفة الله - تعالى - على ثلاثة أقوال؛ فقالت طائفة من الناس إنه يجب على كل أحد، وقالت طائفة لا يجب على أحد، وقال الجمهور إنه يجب على بعض الناس دون بعض، فمن حصلت له المعرفة أو الإيمان - عند من يقول إنه يحصل بدون المعرفة - بغير النظر، لم يجب عليه، ومن لم تحصل له المعرفة، ولا الإيمان، إلا به وجب عليه2.
رابعاً: أنه لما كان في لفظ النظر إجمال كثر اضطراب الناس في هذا المقام، وتناقض من تناقض منهم، فيوجبون النظر لأنه يتضمن العلم، ثم يقولون النظر يضاد العلم؛ فكيف يكون ما يتضمن العلم مضاداً له لا يجتمعان؟ فمن فرق بين النظر في الدليل، وبين النظر الذي هو طلب الدليل، تبين له الفرق. والنظر في الدليل لا يستلزم الشك في المدلول، بل قد يكون القلب ذاهلاً عن الشيء، ثم يعلم دليله، فيعلم المدلول، وإن لم يتقدم ذلك شك وطلب. وقد يكون عالماً به، ومع هذا ينظر في دليل آخر لتعلقه بذلك الدليل، فتوارد الأدلة على المدلول الواحد كثير، لكن هؤلاء لزمهم المحذور؛ لأنهم إنما أوجبوا النظر لكون المعرفة لا تحصل إلا به، فلو كان الناظر عالماً بالمدلول لم يوجبوا عليه النظر، فإذا أوجبوه لزم انتفاء العلم بالمدلول، فيكون الناظر طالباً للعلم، فيلزم أن يكون شاكاً، فصاروا يوجبون على كل مسلم، أنه لا يتم إيمانه حتى يحصل له الشك في الله، ورسوله بعد بلوغه، سواء أوجبوه، أو قالوا هو من لوازم الواجب3.
خامساً: أن إيجاب النظر مطلقاً، غير إيجاب النظر في الطريق المعين؛ كطريقة حدوث الأعراض ولزومها للأجسام، فإن هذه لا يقول بوجوبها على المسلمين أحد من الأئمة الذين يعرفون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويتبعونه، إذ كان معلوماً بالاضطرار لكل من عرف ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجب النظر في
1 - انظر: النبوات 89 - 91.
2 -
انظر: درء التعارض 7/405، 352 - 357.
3 -
انظر: المرجع السابق 7/420 - 421.
هذه الطريقة، بل ولا دل على صحتها، بل ما أخبر به يناقض موجبها1. فقول هؤلاء مخالف لما أجمع عليه أئمة الدين، ولما تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
سادساً: أن كثيراً من المتكلمين قد تراجعوا في نهاية الأمر عن إيجاب النظر2، وهذا من أدلة بطلانه أيضاً، إذ تراجعهم عن إيجابه، يدل على أنه لم يحصل المقصود.
فما أوجبوه من النظر على الجميع غير صحيح، وكذلك حصرهم النظر في طريق معين غير صحيح أيضاً.
1 - انظر: درء التعارض 8/358.
2 -
انظر: المرجع السابق7/440 - 441.