الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدم العالم
1 -
معنى قدم العالم في اللغة:
سبق التعريف بلفظ القدم، ولفظ العالم، حيث ذكرت أن القِِدَم، مصدر القديم، وهو يعني السبق، والتقدم على الغير، كما يأتي في مقابل الحدوث1.
وأما معنى العالم في اللغة فهو الخلق كله، وقيل إنه مختص بمن يعقل2.
وقد سبق بيان معنى القديم في الشرع، ومعناه عند المتكلمين، وهنا نبين قول الفلاسفة في قدم العالم.
2 -
معنى قدم العالم في اصطلاح الفلاسفة:
يفصل الفلاسفة في معنى القدم، حيث يقول ابن سينا: "حد القدم هو أن يقال على وجوه: فيقال قديم بالقياس، وقديم مطلقاً. والقديم بالقياس هو شيء زمانه في الماضي، أكثر من زمان شيء آخر، هو قديم بالقياس إليه.
وأما القديم المطلق فهو أيضاً يقال على وجهين: بحسب الزمان وبحسب الذات، أما الذي بحسب الزمان، فهو الشيء الذي وجد في زمان ماض غير متناه. وأما القديم بحسب الذات، فهو الشيء الذي ليس له مبدأ لوجود ذاته مبدأ أوجبه. فالقديم بحسب الزمان هو الذي له مبدأ زماني، والقديم بحسب الذات هو الذي ليس له مبدأ يتعلق به، وهو الواحد الحق، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً"3.
1 - انظر: البحث ص202.
2 -
انظر: البحث ص283.
3 -
الحدود لابن سينا ضمن المصطلح الفلسفي للدكتور الأعسم ص262 - 263، وانظر: النجاة 2/69، معيار العلم ص323.
فالقديم بالذات هو الله، وأما القديم بحسب الزمان فهو وجود الملائكة، والسماوات، وجملة أصول العالم عندهم1. والقديم بالذات والقديم بالزمان يتفقان في القدم المطلق، وعدم السبق بالعدم. ويدل على ذلك معنى الحادث عندهم، فالحادث يطلق ويراد به ما يفتقر إلى العلة، وإن كان غير مسبوق بالعدم كالعالم، وعلى ما لوجوده أول وهو مسبوق بالعدم. فعلى هذا العالم إن سمي عندهم قديماً فباعتبار أنه غير مسبوق بالعدم، وإن سمي حادثاً فباعتبار أنه مفتقر إلى العلة في وجوده2.
وبعض المتكلمين المتأخرين أمثال الرازي، والتفتازاني، والآمدي، والجرجاني، يعرفون القديم بمثل تعريف ابن سينا؛ حيث يقسمونه إلى القديم بالذات، والقديم بالزمان3.
يقول الجرجاني: "القديم يطلق على الموجود الذي لا يكون وجوده من غيره، وهو القديم بالذات، ويطلق القديم على الموجود الذي ليس وجوده مسبوقاً بالعدم، وهو القديم بالزمان.. وقيل القديم ما لا ابتداء لوجوده الحادث، والمحدث مالم يكن كذلك، فكأن الموجود هو الكائن الثابت والمعدوم ضده، وقيل القديم هو الذي لا أول ولا آخر له"4.
وقال التفتازاني: "لا قديم بالذات سوى الله - تعالى -، وأما بالزمان فزادت الفلاسفة كثيرا من الممكنات، والمتكلمون صفات الله - تعالى -"5.
وقال الآمدي: "وأما القديم فقد يطلق على مالا علة لوجوده، كالباري - تعالى -، وعلى مالا أول لوجوده، وإن كان مفتقرا إلى علة، كالعالم على أصل الحكيم"6.
3 -
نقد قول الفلاسفة بقدم العالم:
اختلف الفلاسفة في قدم العالم، فالذي استقر عليه رأي جماهيرهم المتقدمين والمتأخرين القول بقدمه، وأنه لم يزل موجوداً مع الله - تعالى -، ومعلولاً له، ومساوقاً له، غير متأخر عنه
1 - انظر: معيار العلم ص285.
2 -
المبين ص119، وانظر موسوعة مصطلحات دستور العلماء ص345.
3 -
انظر: المباحث المشرقية 1/228 - 229، شرح المقاصد2/8، التعريفات ص220 - 221
4 -
التعريفات ص220 - 221.
5 -
شرح المقاصد 2/8.
6 -
المبين ص118 - 119.
بالزمان، مساوقة المعلول للعلة، ومساوقة النور للشمس، وأن تقدم الباري - تعالى - عليه كتقدم العلة على المعلول، وهو تقدم بالذات والرتبة لا بالزمان1.
ويقول ابن تيمية إن المشهور من مقالة أساطين الفلاسفة، قبل أرسطو، هو القول بحدوث العالم، وإنما اشتهر القول بقدمه عنه، وعن متبعيه كالفارابي، وابن سينا، والحفيد، وأمثالهم2. وهذا جلي من خلال تعريفهم للفظ القديم، وقولهم بأن الله علة العالم، وأن العالم معلول له. وقد رد على الفلاسفة في قولهم بقدم العالم كثير من نظار أهل السنة والمتكلمين؛ وتتركز وجوه الرد على بيان فساد تعريفهم للقدم، وعلى بطلان القول بقدم العالم وفق المعنى الذي يريدون، ومن وجوه الرد عليهم:
أولاً: أن لفظ القديم في اللغة المشهورة التي خاطبنا بها الأنبياء، يراد به ما كان متقدماً على غيره تقدماً زمانياً، سواء سبقه عدم أولم يسبقه، كما قال - تعالى -:{حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس - 39]، وقال - تعالى -:{تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف - 95] ، فلهذا كان القديم الأزلي، الذي لم يزل موجوداً، ولم يسبقه عدم أحق باسم القديم من غيره، وليس لأحد أن يجعل القديم، والمتقدم، اسماً لما قارن غيره في الزمان، لزعمه أنه متقدم عليه بالعلة، ويقول إنه متقدم على غيره، وسابق له بهذا الاعتبار، وإن ذلك المعلول متأخر عنه بهذا الاعتبار، ثم يحمل ماجاء من كلام الأنبياء، وأتباع الأنبياء، وعموم الخلق على هذا الاصطلاح لو كان حقاً، فكيف إذا كان باطلاً! 3.
ثانياً: أن ابن سينا وأتباعه قد ناقضوا أنفسهم حين زعموا أن القديم الموجود بغيره يوصف بالإمكان؛ وإن كان قديماً أزلياً لم يزل واجباً بغيره. فالممكن لا يكون واجباً أزلياً، وقد صرح هو وأصحابه في غير موضع بنقيض ذلك، وأصحابه الفلاسفة المتبعون لأرسطو أنكروا ذلك
1 - انظر: تهافت الفلاسفة ص22.
2 -
انظر: الصفدية 1/130.
3 -
انظر: الجواب الصحيح 4/483، الدرء 1/374.
عليه، وقالوا إنه خالف به سلفهم، كما خالف به جمهور النظار، وخالف به ما ذكره هو مصرحاً به في غير موضع1.
ثالثاً: أن قولهم بقدم العالم يستلزم امتناع حدوث حادث، فإن القديم إما واجب بنفسه، أو لازم للواجب بنفسه، ولوازم الواجب لا تكون محدثة، ولا مستلزمة لمحدث، فالحوادث ليست من لوازمه، وما لا يكون من لوازمه يتوقف وجوده على حدوث سبب حادث، فإذا كان القديم الواجب بنفسه، أو اللازم للواجب لا يصدر عنه حادث؛ امتنع حدوث الحوادث2.
رابعاً: أن لفظ القديم والأزلي فيه إجمال، فقد يراد بالقديم الشيء المعين الذي ما زال موجوداً ليس لوجوده أول، ويراد بالقديم الشيء الذي يكون شيئاً بعد شيء، فنوعه المتوالي قديم وليس شيء منه بعينه قديماً، ولا مجموعه قديم، فإذا كان المفعول مستلزماً للحوادث، لم يفعل إلا والحوادث مفعولة معه، وهي وإن كانت مفعولة فيه شيئاً بعد شيء، فالمحدث لها شيئاً بعد شيء إن أحدث مقارنها في وقت بعينه، لزم أن يكون محدثاً من جملتها، وهو المطلوب، وإن قيل هو مقارن له، قديم معه، بحيث يوجد معه كل وقت. قيل: فهذا لا يمكن إلا إذا كان علة موجبة له، لا محدثاً له، ولا بد أن يكون علة تامة، فيكون في الأزل مؤثراً تام التأثير، مستجمعاً لشروط التأثير لشيء معين، وإذا كان مؤثراً قديماً دائماً لشيء معين، كانت لوازم ذلك المعين معه، لا يمكن تأخر شيء منها عنه، لامتناع وجود الملزوم، بدون اللازم فيلزم وجود الحوادث كلها في الأزل3، وهذا باطل.
خامساً: أن هؤلاء الفلاسفة يقولون العالم قديم أزلي، ومحدث، مخلوق. فيقال لهم: لم يستعمل أحد من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، بل ولا أحد من سائر الأمم، لفظ الخلق إلا فيما كان بعد عدمه، وهو ما كان مسبوقاً بعدمه ووجود غيره، ومعنى هذا اللفظ معلوم بالاضطرار في جميع لغات الأمم. وأيضاً فاللفظ المستعمل في لغة العامة، والخاصة، لا يجوز أن يكون معناه ما لا يعرفه إلا بعض الناس. وهذا المعنى الذي يدعونه لو كان حقاً لم
1 - انظر: درء التعارض 3/247.
2 -
انظر: المرجع السابق 2/151.
3 -
انظر: الصفدية 2/47 - 48.
يتصوره إلا بعض الناس، فلا يجوز أن يكون اللفظ العام الذي تداوله العامة والخاصة موضوعاً له، إذا كان هذا يبطل مقصود اللغات، ويبطل تعريف الأنبياء للناس، فكيف وهو باطل في صريح المعقول، كما هو باطل في صحيح المنقول، فإنه لم يعرف أن أحدا ًقط عبر عن القديم الأزلي، الذي لم يزل موجوداً، ولا يزال، بأنه محدث، أو مخلوق، أو مصنوع، أو مفعول. والكتب الإلهية كالتوراة والقرآن مصرحة بأن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، والقديم الأزلي لا يكون مخلوقاً في ستة أيام1.
هذه بعض الردود على القائلين بقدم العالم من الفلاسفة، وبهذا يتضح حقيقة قولهم، وكيف حاولوا إخفاء المعنى الذي يريدون بإطلاقهم لفظ الحدوث عليه، فالعالم عندهم غير مسبوق بالعدم، وهذا يعني أنه غير مخلوق، وهذا مما كُفِّر به الفلاسفة المنتسبون للإسلام.
1 - انظر: الجواب الصحيح 4/147 - 148. وانظر في الرد على أدلة الفلاسفة على قدم العالم التهافت للغزالي ص23 - 52.