الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموجب بالذات
1 -
الموجب بالذات في اللغة:
سبق تعريف الوجوب والذات في اللغة1.
2 -
الموجب بالذات في الاصطلاح:
الموجب بالذات من مصطلحات الفلاسفة، والموجب هو اسم الفاعل من الإيجاب، ضد المختار الذي إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل، فهو الذي يجب أن يصدر عنه الفعل من غير قصد وإرادة2.
ويعرف الجرجاني الموجب بالذات بقوله: "الموجب بالذات هو الذي يجب أن يصدر عنه الفعل، إن كان علة تامة له، من غير قصد وإرادة، كوجوب صدور الإشراق عن الشمس والإحراق عن النار"3.
ويجري الحديث عن الموجب بالذات في كتب المتكلمين عند بحثهم صفة القدرة والاختيار4، حيث يردون على الفلاسفة لقولهم بأن الله موجب بالذات، فالذي يراه الفلاسفة هو أن وجود العالم عن الله - تعالى - إنما هو على سبيل اللزوم لذاته، من غير قصد واختيار، كما شرحوا ذلك من خلال نظرية الفيض والصدور، فيكون - تعالى - موجباً بالذات؛ لأنه يصدر عنه الفعل من غير قصد وإرادة، لأنه لو كان هناك قصد وإرادة؛ لأحدث ذلك تكثر في ذاته، وهو منزه عن ذلك - كما يقولون -5.
1 - انظر: البحث ص280، 303.
2 -
انظر: موسوعة مصطلحات جامع العلوم ص915.
3 -
التعريفات ص257.
4 -
انظر: المطالب العالية3/77وما بعدها، شرح المقاصد 4/89 وما بعدها، شرح المواقف للجرجاني الموقف الخامس في الإلهيات ص84.
5 -
انظر في هذا المعنى النجاة 2/133 - 134.
3 -
موقف أهل السنة:
رد أهل السنة على قول الفلاسفة بأن الله موجب بالذات من وجوه:
الوجه الأول: مناقشة لفظ الموجب بالذات؛ لأنه لفظ مجمل، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "لفظ الموجب بالذات فيه إجمال؛ فإن أريد به أنه يوجب ما يحدثه بمشيئته وقدرته، فلا منافاة بين كونه فاعلاً بالقدرة والاختيار، وبين كونه موجباً بالذات بهذا التفسير. وإن أريد بالموجب بالذات أنه يوجب شيئاً من الأشياء، بذات مجردة عن القدرة والاختيار، فهذا باطل ممتنع. وإن أريد أنه علة تامة أزلية، تستلزم معلولها الأزلي، بحيث يكون من العالم ما هو قديم بقدمه، لازم لذاته أزلاً، وأبداً..فهذا أيضا باطل.
فالموجب بالذات إذا فسر بما يقتضى قدم شيء من العالم مع الله، أو فسر بما يقتضى سلب صفات الكمال عن الله فهو باطل، وإن فسر بما يقتضى أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو حق، فإن ما شاء وجوده فقد وجب وجوده، بقدرته ومشيئته"1.
الوجه الثاني: أن يقال إن أردتم بالموجب بالذات ما يستلزم معلوله؛ فالتغيرات التي في العالم تبطل كونه موجباً بهذا الإعتبار. وإن أردتم بالموجب بالذات ما قد تكون مفعولاته أمراً لا يلزمه، بل يحدث شيئاً بعد شيء، فحينئذ إذا وافقكم المنازعون على تسميته موجباً بالذات، لم يكن في ذلك ما ينافي أن تكون مفعولاته تحدث شيئاً بعد شيء، ولا يمتنع أن تكون هذه الأفلاك من جملة الحوادث المتأخرة، فبطل قولكم2.
الوجه الثالث: مما يبين فساد قول الفلاسفة، القائلين بقدم العالم عن الموجب بالذات، أن يقال إما أن يكون مجرد ذاته هي الموجب للعالم، أو هي متوقفة على أمر آخر، فإن كان الأول لزم قدم كل شيء في العالم، ودوامه، بقدم الموجب، ودوامه، فإنه إذا لم يكن هنا إلا مؤثر تام قديم مستلزم لأثره، لزم أن يكون أثره قديماً معه بقدمه، وهو مكابرة للحس. وإن كان تأثيره موقوفاً على غيره، كان هذا مع بطلانه بالاتفاق، مبطلاً لقولهم بقدم العالم. وأن يقال ذلك الغير إن كان قديماً واجباً معه، ومجموعهما هو العلة التامة، لزم قدم الآثار
1 - منهاج السنة1/164 - 165، وانظر: منهاج السنة 3/274 - 275، الصفدية2/103.
2 -
انظر: درء التعارض 1/394.
بقدمهما، فسواء فرض المؤثر القديم الموجب واحداً، أو عدداً، متى قيل إنه موجب بذاته في الأزل، لزم حصول جميع موجبه في الأزل، فيلزم ألا يحدث شيء وهو مخالف للعيان. وإن قيل إن تأثيره موقوف على حادث غيره، كان القول في حدوث ذلك الحادث، كالقول في غيره، فيمتنع صدوره عنه، فتبين أنه يلزمهم كون الحوادث لا محدث لها كيفما داروا، ويلزمهم أيضا ألا يكون واجباً بذاته؛ لأن الواجب بذاته لا بد أن يكون غنياً عن غيره من كل وجه1.
وبهذا يتبين بطلان قول الفلاسفة بأن الله - تعالى - موجب بالذات، كما يتبين اللوازم الفاسدة لهذا القول.
1 - انظر: الصفدية 1/57 - 58.