الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر
1 -
معنى الأمر في اللغة:
قال الخليل: "الأمر نقيض النهي، والأمر واحد من أمور الناس"1.وقال الجوهري: "وأمرته بكذا أمراً، والجمع الأوامر "2.
والأمر الحادثة، والأمر بمعنى الحال، والجمع أمور3.
"والأمر بمعنى الطلب جمعه أوامر"4.
وأمَّر أَمارة، إذا صَيَّر علماً، وأُمِّر فلان إذا صُيِّر أميراً، وآمرت فلاناً ووامرته، إذا شاورته5.
وقال الراغب: "الأمر الشأن وجمعه أمور، ومصدر أمرته إذا كلفته أن يفعل شيئاً"6.
وفي الكليات: "الأمر هو في اللغة استعمال صيغة دالة على طلب من المخاطب على طريق الاستعلاء"7.
فالأمر في اللغة نقيض النهي، كما يأتي بمعنى الشأن، والحادثة، والحال، ويأتي بمعنى الطلب.
1 - العين 8/297، وانظر: تهذيب اللغة 15/289، معجم مقاييس اللغة 1/137، لسان العرب 4/26 - 27، القاموس المحيط ص 439.
2 -
الصحاح 2/581.
3 -
انظر: لسان العرب 4/27.
4 -
المصباح المنير 1/29.
5 -
انظر: تهذيب اللغة 15/292.
6 -
المفردات ص 88.
7 -
الكليات ص 176.
2 -
معنى الأمر في الشرع:
ورد لفظ الأمر في كتاب الله في مواضع كثيرة؛ وكان له أكثر من معنى حسب السياق الذي ورد فيه، ومن تلك الآيات قوله - تعالى -:{ألا له الخلق والأمر} [الأعراف - 54] ، والأمر في الآية الكلام، وهو صفة من صفاته - سبحانه -، قال الإمام أحمد:"فأخبر تبارك وتعالى بالخلق، ثم قال والأمر، فأخبر أن الأمر غير الخلق"1.
وعن سفيان بن عيينة قال: "قد بين الله الخلق من الأمر بقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف - 54] فالخلق بأمره، كقوله: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم - 4] وكقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس - 82] "2، وفي رواية عنه:"فقال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف - 54] فالخلق هو المخلوقات والأمر هو الكلام"2.
قال الحافظ في الفتح: "وسبق ابن عيينة إلى ذلك محمد بن كعب القرظي، وتبعه الإمام أحمد بن حنبل، وعبد السلام بن عاصم وطائفة، أخرج كل ذلك ابن أبي حاتم عنهم"3.
كما استدل الإمام البخاري رحمه الله بهذه الآية على أن القرآن كلام الله غير مخلوق ومثله الإمام ابن خزيمة رحمه الله 5.
ويقول شيخ الإسلام وهو يبين أنواع المضاف إلى الله: "وأما ما كان صفة لا تقوم بنفسها، ولم يذكر لها محل غير الله، كان صفة له؛ فكالقول والعلم والأمر إذا أريد به المصدر كان المصدر من هذا الباب كقوله - تعالى -: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف - 54] ، وإن أريد به المخلوق المكون بالأمر كان من الأول كقوله - تعالى -: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل - 1] "4.
1 - السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 1/139 وانظر السنة للخلال 5/138.
2 -
خلق أفعال العباد ص 38، وانظر: السنة لعبد الله بن أحمد 1/169، الشريعة للآجري ص 80.
2 -
فتح لباري 13/542.
3 المرجع السابق 13/542.
5 -
انظر: خلق أفعال العباد ص37 - 38، التوحيد لابن خزيمة 1/391، الإبانة للأشعري ص31، رسالة إلى أهل الثغر للأشعري ص 221 - 223، مجموع الفتاوى 6/17.
4 -
شرح العقيدة الأصفهاني ص 66.
كما بين رحمه الله أن الأمر والنهي والخبر والاستخبار من أنواع الكلام، والجنس ينقسم إلى أنواعه، واسمه صادق على كل نوع من الأنواع، فيجب أن يكون حد الكلام واسمه صادقا على أنواعه ومنها الأمر1.
كما فُسر الأمر بأنه القول، يقول ابن القيم رحمه الله في قوله - تعالى -:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف - 54] : "فالخلق فعله والأمر قوله"2.
وفُسر الأمر بأنه التصرف، والتدبير، يقول ابن كثير في معنى هذه الآية:"أي له الملك والتصرف"3. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والأمر هو التدبير"4.
وقد يراد بالأمر المخلوق المكون بالأمر كما في قوله - تعالى -: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل - 1]5.
وقوله - تعالى -: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء - 47] قال الطبري: "يعني به: ما أمر الله به، وهو المأمور الذي كان عن أمر الله عز وجل"6.
وقوله - تعالى -: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} [يونس - 3] ، الأمر الشأن وهو أحوال ملكوت السموات والأرض والعرش وسائر الخلق7، "وقال مجاهد: يقضيه ويقدره وحده، وقال ابن عباس: لا يشركه في تدبير خلقه أحد"8.
وورد لفظ الأمر في السنة كثيراً بالمعاني السابقة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان"9.
1 - انظر: الاستقامة 1/212.
2 -
شفاء العليل ص156.
3 -
تفسير القرآن العظيم 2/230.
4 -
شرح العقيدة الواسطية 1/21.
5 -
انظر: شرح العقيدة الأصفهانية ص66.
6 -
تفسير الطبري 3/269، وانظر: تفسير القرطبي 5/245، فتح القدير 1/475.
7 -
انظر: فتح القدير 2/423.
8 -
تفسير القرطبي 8/308.
9 -
أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب مناقب قريش 2/504، ح 3051، ومسلم في كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش 3/1452ح 1820.
ومما سبق يتبين أن الأمر في الشرع نوع من أنواع الكلام، وهو صفة من صفات الله الفعلية الذاتية، متعلق بقدرته ومشيئته، ويعني كلامه - سبحانه - في تدبيره لشؤون خلقه وتصرفه - سبحانه - فيهم، ومنه قوله - تعالى -:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف - 54] ، وقد يكون بمعنى المخلوق المكون بالأمر، كقوله - تعالى -:{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء - 47] .
3 -
معنى الأمر عند المتكلمين:
بما أن الأمر هو الكلام - كما ذكرت قبل قليل - سأبين هنا أقوال الطوائف في صفة الكلام ومنه الأمر، وإذا نظرنا إلى الأشاعرة ومن وافقهم نجد أنهم يقولون إن كلام الله معنى واحد قائم بالنفس، وذلك المعنى هو الأمر بكل مأمور والخبر عن كل مخبر عنه والنهي عن كل منهي عنه، والأصوات والحروف مخلوقة، وهي عبارة عن الكلام، أو حكاية عنه - كما يقول ابن كلاب - فيكون الأمر عندهم معنى قائم بالنفس، وهوعين النهي والخبر1، قال أبو حامد الإسفراييني2:"وذهب الأشعري ومن تابعه إلى أن الأمر هو معنى قائم بنفس الآمر، لا يفارق الذات ولا يزايلها، وكذلك عنده سائر أقسام الكلام من النهي والخبر والاستخبار وغير ذلك.. وسواء في هذا أمر الله - تعالى - أو أمر الآدميين، إلا أن أمر الله - تعالى - يختص بكونه قديماً وأمر الآدمي محدث، وهذه الألفاظ والأصوات ليست عندهم أمراً ولا نهياً، وإنما هي عبارة عنه..وكان ابن كلاب عبد الله بن سعيد القطان يقول هي حكاية عن الأمر"3.
ويقرر الرازي أن الأمر مغاير للعبارات والحروف والأصوات، وأن حقيقة الأمر والنهي هي الإخبار! ثم يقول:"فثبت بما ذكرنا أن أمر الله - تعالى - صفة حقيقية قائمة بذاته، وتلك الصفة مدلولة لهذه الحروف والأصوات والعبارات والإطلاقات"4.
وابن كلاب هو أول من ابتدع القول في أن كلام الله معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت؛ محاولة منه في الرد على المعتزلة، وتبعه على ذلك الأشعري وغيره5.
1 - انظر: الإرشاد ص104، 120.
2 -
الأستاذ العلامة شيخ الإسلام أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني شيخ الشافعية ببغداد. ولد سنة أربع وأربعين وثلاث. وتوفي سنة ست وأربع مائة. انظر: سير أعلام النبلاء 17/193 - 196.
3 -
درء تعارض العقل والنقل 2/107، وكلام أبي حامد في كتابه التعليق في أصول الفقه.
4 -
المسائل الخمسون ص54 - 55، وانظر: الأربعين في أصول الدين ص178.
5 -
انظر: درء التعارض 2/84، 111، الاستقامة 1/212، مجموع الفتاوى 5/533، 552.
وأما المعتزلة فإنهم يقولون بخلق صفة الكلام ومنه الأمر فهو مخلوق، قال القاضي عبد الجبار:" وأما مذهبنا في ذلك فهو أن القرآن كلام الله - تعالى - ووحيه، وهو مخلوق محدث "1. ويستدلون بقوله - تعالى -: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء - 47] على أن الأمر الذي هو كلام الله مخلوق2.
وقد رد علماء أهل السنة على المخالفين في صفة الكلام وبينوا مخالفة أقوالهم للكتاب والسنة، وأصول لغة العرب. والذي يهم هنا هو الإشارة إلى ردهم على مخالفتهم في معنى الأمر، فمن ردهم على مذهب الأشاعرة ومن وافقهم:
أولاً: أن مجرد تصور هذا القول يوجب العلم الضروري بفساده، كما اتفق على ذلك سائر العقلاء، فإن أظهر المعارف للمخلوق أن الأمر ليس هو الخبر، وأن الأمر بالسبت لليهود ليس هو الأمر بالحج، وأن الخبر عن الله ليس هو الخبر عن الشيطان الرجيم3.
ثانياً: أن من جعل كلام الله بأوامره ونواهيه وأخباره حقيقة واحدة، وجعل الأمر والنهي إنما هي صفات عارضة لتلك الحقيقة العينية، لم يجعل ذلك أقساماً للكلام الكلي، الذي لا يوجد في الخارج كلياً، إذ ليس في الخارج كلام هو أمر بالحج، وهو بعينه خبر عن جهنم، كما ليس في الخارج إنسان هو بعينه فيل، وإن شملهما اسم الحيوان. ومن جعل الحقائق المتنوعة شيئاً واحدا، فهو يشبه من جعل المكانين مكاناً واحداً، حتى يجعل الجسم الواحد يكون في مكانين، ويقول إنما هما مكان واحد، أو لا يجعل الواحد نصف الاثنين، أو يقول الاثنان هما واحد، وهذا كله نمط واحد وهو رفع التعدد في الأشياء المتعددة، وجعلها شيئاً واحداً في الوجود الخارجي بالعين، لا بالنوع4.
ثالثاً: أن يقال إذا جاز لكم أن تجعلوا هذه الحقائق المختلفة حقيقة واحدة، وأن كونها أمراً ونهياً وخبراً إنما هي أمور نسبية لها، فيقال لكم هذا بعينه يلزمكم في الصفات؛ من العلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، فهلا جعلتم هذه الصفات حقيقة واحدة، وهذه
1 - شرح الأصول الخمسة ص528، وانظر: المغني 1/284، شرح الأصول الخمسة ص544.
2 -
انظر: شرح الأصول الخمسة ص544.
3 -
انظر: التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى 5/175.
4 -
انظر: المرجع السابق 5/175 - 176 بتصرف.
الخصائص عوارض نسبية لها، وهم ينفون مثل هذا ويردون عليه، فيلزمهم طرد ذلك في صفة الكلام1.
رابعاً: أن جمهور الناس من أهل السنة والمعتزلة وغيرهم أنكروا ذلك، وقالوا: إن فساد هذا معلوم بصريح العقل، فإن التوراة إذا عربت لم تكن هي القرآن، ولا معنى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص - 1] هو معنى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد - 1]2.
أما المعتزلة فيقال لهم:
أولاً: أن الله فرق بين الخلق والأمر بقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف - 54] فالخلق هو المخلوقات والأمر هو الكلام3.
ثانياً: يقال لهم إن الله فرق بين الخلق والأمر، فالخلق يكون بأمره كما قال - تعالى -:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس - 82] ، ولو كان الأمر مخلوقاً للزم أن يكون مخلوقاً بأمر آخر، والآخر بآخر إلى مالا نهاية له، فيلزم التسلسل وهو باطل4.
ثالثاً: أن طرد باطلهم هو أن تكون جميع صفات الله مخلوقة، كالعلم والقدرة وغيرهما، وذلك صريح الكفر، حيث يستدلون بقوله - تعالى -:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر - 62] ، فإن علم الله شيء وقدرته شيء وحياته شيء، فيدخل ذلك في عموم كل فيكون مخلوقاً بعد أن لم يكن، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً5.
1 - انظر: التسعينية ضمن الفتاوى الكبرى 5/176 - 177 بتصرف.
2 -
انظر: درء التعارض 1/267.
3 -
انظر: فتح الباري 13/532 - 533.
4 -
انظر: خلق أفعال العباد ص 38، شرح العقيدة الطحاوية 1/179.
5 -
انظر: شرح العقيدة الطحاوية 1/179.