الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب الوجود
1 -
معنى واجب الوجود في اللغة:
سبق بيان معنى الوجود في اللغة1، وأما لفظ واجب فيقول الجوهري:"وجب الشيء أي لزم، يجب وجوباً، وأوجبه الله..ووجب الميت إذا سقط ومات، ويقال للقتيل واجب"2.
وقال ابن فارس: "الواو والجيم والباء أصل واحد، يدل على سقوط الشيء ووقوعه، ثم يتفرع"3، وفي اللسان:"وجب الشيء يجب وجوباً أي لزم، وأوجبه هو، أو استوجبه أي استحقه"4. فالوجوب في اللغة هو اللزوم، كما يأتي بمعنى السقوط.
ولم يرد لفظ واجب الوجود في القرآن الكريم، ولم يرد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وورد لفظ وجب في القرآن في قوله - تعالى -:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج - 36] .
وورد لفظ الواجب في السنة نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" 5، أي لازم وثابت6.
1 - انظر: البحث ص187.
2 -
الصحاح 1/232، وانظر: العين 6/193.
3 -
معجم مقاييس اللغة 6/89.
4 -
لسان العرب1/793.
5 -
أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان 1/285، ح 895، ومسلم في كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة 2/580، ح 846.
6 -
النهاية في غريب الحديث 5/152.
2 -
معنى واجب الوجود في اصطلاح الفلاسفة والمتكلمين:
قد بينت فيما سبق أن تقسيم الموجودات إلى واجب وممكن مستحدث من ابن سينا ومن جاء بعده، وفي تعريف الواجب يقول ابن سينا:"إن الواجب الوجود، هو الموجود الذي متى فرض غير موجود، عرض منه محال..والواجب الوجود هو الضروري الوجود"1.
ويقسم واجب الوجود إلى قسمين فيقول: "ثم إن الواجب الوجود قد يكون واجباً بذاته، وقد لا يكون بذاته، أما الذي هو واجب الوجود بذاته فهو الذي بذاته، لا لشيء آخر، أي شيء كان يلزم محال من فرض عدمه. وأما الواجب الوجود لا بذاته، فهو الذي لو وضع الشيء مما ليس هو، صار واجب الوجود"2. وتابعه على هذا التقسيم بعض متأخري المتكلمين كالرازي3.
ويقول الرازي: "..فسرنا واجب الوجود بذاته، بأنه الموجود الذي تكون حقيقته غير قابلة للعدم البتة"4.
وعرفه الرازي أيضاً بأنه الذي يكون غنياً في وجوده عن السبب5. وقال التفتازاني: "الوجوب ضرورة الوجود أو اقتضاؤه أو استحالته العدم"6. وفي الصحايف: "الواجب بالذات ما يقتضي لذاته وجوده في الخارج"7.
3 -
موقف أهل السنة من لفظ واجب الوجود:
لفظ واجب الوجود غير وارد في كلام الله - تعالى -، ولا في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم كما أسلفت، وقد استحدثه الفلاسفة المتأخرون، يقول شيخ الإسلام:"وأما الكلام بلفظ الواجب الوجود، وممكن الوجود، فهذا من كلام ابن سينا وأمثاله، الذين اشتقوه من كلام المتكلمين المعتزلة ونحوهم، وإلا فكلام سلفهم، إنما يوجد فيه لفظ العلة والمعلول"8.
1 - النجاة 2/77، وانظر: معيار العلم ص331، المبين ص79.
2 -
النجاة 2/77، وانظر: معيار العلم ص331 - 332، المبين ص79، التعريفات ص304.
3 -
انظر: المباحث المشرقية1/214.
4 -
المطالب العالية 1/134.
5 -
انظر: المرجع السابق 1/134.
6 -
شرح المقاصد 1/458.
7 -
الصحايف الإلهية ص124.
8 -
الصفدية 2/180، وانظر: منهاج السنة النبوية 2/132.
فالفلاسفة المتأخرون غالب ما يسمون الرب - تعالى - بواجب الوجود1، وقلدهم في ذلك متأخرو الأشاعرة2، وهذا غير صحيح؛ لعدم ورود هذا اللفظ، فضلاً عن أن يكون من الأسماء الحسنى.
وأهل السنة قد يطلقون واجب الوجود على الله، من باب الإخبار عن الله، وذلك في المناظرات، والمناقشات، مع من يستخدم هذا اللفظ. كما أنهم يرون أن الوجوب الذي دل عليه الدليل هو وجوده - سبحانه - بنفسه، واستغناؤه عن موجد. بينما يضيف الفلاسفة إلى هذا اللفظ معاني أخرى غير صحيحة.
يقول شيخ الإسلام عن ابن سينا: "فسلك طريق تقسيم الوجود إلى الواجب والممكن، كما يقسمونه هم إلى القديم والمحدث3. وتكلم على خصائص واجب الوجود بكلام بعضه حق وبعضه باطل، لأن الوجوب الذي دل عليه الدليل، إنما هو وجوده بنفسه، واستغناؤه عن موجد، فحمل هو هذا اللفظ ما لا دليل عليه، مثل عدم الصفات، وأشياء غير هذه. وهذا اشتقه من كلام المعتزلة في القديم، فلما أثبتوا قديماً، وأخذوا يجعلون القدم مستلزماً لما يدعونه من نفي الصفات، جعلوا الوجود4 الذي ادعاه، كالقدم الذي ادعوه، وليس في واحد منهما ما يدل على مقصود الطائفتين"5.
ولفظ واجب الوجود فيه إجمال؛ فقد يراد به الموجود بنفسه، الذي لا فاعل له، ولا علة فاعلة له، وذات الرب عز وجل وصفاته واجبة الوجود بهذا الاعتبار. ويراد به مع ذلك المستغني عن محل يقوم به، والذات بهذا المعنى واجبة دون الصفات. ويراد به ما لا تعلق له بغيره، أو ما لا يلازم غيره لينفوا بذلك صفاته اللازمة له وهذا باطل6. ولذلك لابد من الاستفصال عن المراد بهذا اللفظ.
1 - انظر: درء التعارض 2/391.
2 -
انظر: شرح أسماء الله الحسنى ص359.
3 -
أي كما يقسمه المتكلمون من المعتزلة وأمثالهم.
4 -
لعلها الوجوب.
5 -
الصفدية 2/181، وانظر: منهاج السنة النبوية 2/131 - 132.
6 -
انظر: الجواب الصحيح 3/289 - 290، منهاج السنة 2/131 - 132، درء التعارض8/123 - 12، الصفدية2/28 - 29.