الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماهية
1 -
معنى الماهية في اللغة:
الماهية في تحليلها اللغوي، مأخوذة عن ما هو، بإلحاق ياء النسبة، وحذف إحدى اليائين للتخفيف، ثم التعليل، وإلحاق التاء للنقل من الوصفية إلى الإسمية. وقيل: ألحق ياء النسبة بما هو، وحذف الواو، وألحق تاء التأنيث1.
والماهية من الأسماء المولدة، وهي المقول في جواب ما هو؟ بما يصور الشيء في نفس السائل2. وفي المعجم الوسيط:"ماهية الشيء كنهه وحقيقته، أخذت من النسبة إلى ما هو أو ما هي "3.
فالماهية هي ما يصور الشيء في نفس السائل، وهي كنه الشيء وحقيقته.
1 - انظر: كشاف اصطلاحات الفنون 2/1313، موسوعة مصطلحات جامع العلوم ص789.
2 -
انظر: الرد على المنطقيين ص65.
3 -
المعجم الوسيط 2/892.
2 -
معنى الماهية في الاصطلاح:
أ - معنى الماهية عند أهل السنة، وسائر أهل الإثبات:
لم يرد لفظ الماهية في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن أحد من الصحابة، والتابعين، استخدامهم هذا اللفظ.
والماهية - كما يقول شيخ الإسلام - هي: "المقول في جواب ما هو، بما يصور الشئ في نفس السائل، وهو الثبوت الذهني"1، أو "هي ما يرتسم في النفس من الشيء"2، وهذا هو الغالب على لفظ الماهية، سواء كان ذلك المقول موجوداً في الخارج، أو لم يكن، فصار بحكم الاصطلاح أكثر ما يطلق الماهية على ما في الذهن، ويطلق الوجود على ما في الخارج، وهذا أمر لفظي اصطلاحي.
وقد يراد بالماهية ما هو موجود في الخارج3، فتكون بمعنى ذات الشيء، ووجوده في الخارج، وحقيقته الثابتة في نفس الأمر4.
وإذا قيد وقيل الوجود الذهني، كان هو الماهية التي في الذهن. وإذا قيل ماهية الشيء في الخارج، كان هو عين وجوده الذي في الخارج. فوجود الشيء في الخارج، عين ماهيته في الخارج، كما اتفق على ذلك أئمة النظار المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة، وسائر أهل الإثبات، من المتكلمة الصفاتية، وغيرهم، كأبي محمد بن كلاب، وأبي الحسن الأشعري، وأبي عبد الله بن كرام، وأتباعهم5.
فلفظ الماهية يراد به ما في النفس والموجود في الخارج، ولفظ الوجود يراد به بيان ما في النفس والموجود في الخارج. فمتى أريد بهما ما في النفس، فالماهية هي الوجود. وإن أريد بهما ما في الخارج، فالماهية هي الوجود أيضا. وأما إذا أريد بأحدهما ما في النفس، وبالآخر ما في الوجود الخارج، فالماهية غير الوجود6.
1 - الرد على المنطقيين ص 65.
2 -
المرجع السابق ص67.
3 -
انظر: المرجع السابق ص67.
4 -
انظر: درء التعارض 1/293.
5 -
انظر: الرد على المنطقيين ص65بتصرف، مجموعة الرسائل 4/19، التدمرية ص129، درء التعارض 5/102 - 103.
6 -
انظر: الرد على المنطقيين ص67بتصرف، التدمرية ص129، مجموع الفتاوى 9/98 - 99.
فالماهية إذاً بحكم الاصطلاح الغالب هي الثبوت الذهني، أو ما يرتسم في النفس من الشيء، وقد يراد بها ماهية الشيء في الخارج فتكون عين وجوده، وحقيقته الثابتة في نفس الأمر. وبناء على ذلك لا يوجد ماهية قائمة بنفسها في الخارج، زائدة على وجود الشيء.
ب - معنى الماهية عند الفلاسفة:
الماهية عند الفلاسفة مابه يجاب عن السؤال بما هو، وربما تفسر بما به الشيء هو هو1، وهذا التعريف يتفق جزؤه الأول مع تعريف أهل السنة السابق. قال الغزالي:"والماهية إنما تتحقق بمجموع الذاتيات المقومة للشيء"2.
والماهية عندهم هي الحقيقة المعراة عن الأوصاف في اعتبار العقل3. حيث يرى الفلاسفة أن الماهية لها حقيقة ثابتة في الخارج غير وجودها4.
يقول ابن سينا في الإشارات: "قد يجوز أن تكون ماهية الشيء سبباً لصفة من صفاته، وأن تكون صفة له سبباً لصفة أخرى، مثل الفصل للخاصة، ولكن لا يجوز أن تكون الصفة التي هي الوجود للشيء، إنما هي بسبب ماهيته التي ليست هي الوجود، أو بسبب صفة أخرى، لأن السبب متقدم في الوجود، ولا متقدم بالوجود قبل الوجود "5.
وكلامه هذا مبني على أصل فاسد، وهو الفرق بين الماهية ووجودها. وقولهم إن الماهية لها حقيقة ثابتة في الخارج غير وجودها، شبيه بقول من يقول المعدوم شيء، وهو من أفسد ما يكون، وأصل ضلالهم أنهم رأوا الشيء قبل وجوده يعلم ويراد، ويميز بين المقدور عليه والمعجوز عنه، ونحو ذلك، فقالوا لو لم يكن ثابتاًً لما كان كذلك. والتحقيق أن ذلك كله أمر ثابت في الذهن، والمقدر في الأذهان أوسع من الموجود في الأعيان، فالتفريق بين الوجود والثبوت، وكذلك التفريق بين الوجود والماهية، مع دعوى أن كليهما في الخارج غلط عظيم6.
1 - انظر: موسوعة مصطلحات جامع العلوم ص789، كشاف اصطلاحات الفنون 2/1313.
2 -
معيار العلم ص73.
3 -
انظر: موسوعة مصطلحات جامع العلوم ص790.
4 -
انظر: الرد على المنطقيين ص64.
5 -
الإشارات 3/30 - 34، وانظر: الدرء 5/101 - 102.
6 -
انظر: مجموع الفتاوى 9/97 - 98، المواقف ص50.
ومن هنا فرقوا في منطقهم بين الماهية والوجود، وهم لو فسروا الماهية بما يكون في الأذهان، والوجود بما يكون في الأعيان، لكان هذا صحيحاً لا ينازع فيه عاقل، وهذا هو الذي تخيلوه في الأصل، لكن توهموا أن تلك الماهية التي في الذهن، هي بعينها الموجود الذي في الخارج، فظنوا أن في هذا الإنسان المعين، جواهر عقلية قائمة بأنفسها، مغايرة لهذا المعين، مثل كونه حيواناً، وناطقاً، وحساساً، ومتحركاً بالإرادة، ونحو ذلك. والصواب أن هذه كلها أسماء لهذا المعين، كل اسم يتضمن صفة، ليست هي الصفة التي يتضمنها الاسم الآخر، فالعين واحدة، والأسماء والصفات متعددة. وأما إثباتهم أعياناً قائمة بنفسها، في هذه العين المعينة، فمكابرة للحس والعقل والشرع. فهذا الموجود المعين في الخارج هو هو، ليس هناك جوهران اثنان، حتى يكون أحدهما عارضا للآخر، أو معروضاً، بل هناك ذات وصفات1.
فحقيقة قول الفلاسفة في الماهية هو إثبات حقيقة في الخارج، معراة عن الأوصاف، وهذا ممتنع، إذ أقل ما يوصف به الشيء ليتحقق في الخارج، هو صفة الوجود، وهم يفرقون بين الماهية والوجود مطلقاً، وهذا باطل.
ج - معنى الماهية عند المتكلمين:
يعرف كثير من متأخري المتكلمين ماهية الشيء بأنها "مابه يجاب عن السؤال بما هو، ويفسره بما به الشيء هو هو"2، وهذا موافق لتعريف الفلاسفة السابق، ويتضح هذا التعريف بقول الرازي عن الماهية:"إعلم أن لكل شيء حقيقة هو بها هو، وتلك الحقيقة مغايرة لجميع صفاتها، لازمة كانت، أو مفارقة..وهي في نفسها لا واحدة ولا كثيرة، ولا موجودة ولا معدومة"3.
وفي التعريفات: "الماهية تطلق غالبا على الأمر المتعقل، مثل المتعقل من الإنسان، وهو الحيوان الناطق، مع قطع النظر عن الوجود الخارجي"4.
1 - انظر: الدرء1/288.
2 -
شرح المقاصد1/399، وانظر: الكليات ص752، 863، كشاف اصطلاحات الفنون 2/1313، التعريفات ص247.
3 -
المباحث المشرقية 1/139 - 140، وانظر: المواقف ص59، شرح المقاصد 1/400 - 401.
4 -
التعريفات ص247، وانظر: المعجم الفلسفي للدكتور صليبا 2/315.
ويخص المتكلمون الماهية بحقيقة الشيء الكلي، وأما حقيقة الجزئي فتسمى هوية1. والماهية وفقا لهذه التعريفات زائدة على الوجود، ومغايرة له وهو مذهب الفلاسفة. في حين يرى أبو الحسن الأشعري وأبو الحسين البصري2 أن الوجود نفس الماهية3.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله معلقاً على هذه الأقوال: "فمن قال إن وجود كل شيء عين ماهيته كما يقوله متكلمو أهل الأثبات، فقد أصاب، إذا أراد أن الوجود الثابت في الخارج، هو الماهية الثابتة في الخارج، ومن قال إن وجود كل شيء غير ماهيته، كما يقوله أبو هاشم بن الجبائي وأمثاله، فقد أصابوا إن أرادوا أن الوجود الثابت في الخارج، مغاير للماهية الثابتة في الذهن، وأما إن أرادوا ما هو المعروف من مذهبهم، أن في الخارج ماهيات ثابتة، وهو المعدوم الثابت في حال عدمه، وأن الوجود صفة لتلك الماهية، فهذا خطأ "4.
3 -
ثبوت الماهية لله:
إن لكل موجود حقيقة تخصه يتميز بها عما سواه، ويباين بها غيره، وهذه الحقيقة هي حقيقة الربوبية، وبنفيها ضل الجهمية من المعتزلة، والفلاسفة، وأمثالهم، وهي الماهية التي أثبتها ضرار، وأبو حنيفة، وغيرهما من الكوفيين، وخالفهم في ذلك معتزلة البصرة، وعلى إثباتها أئمة السنة والجماعة، من السلف والخلف، ولهذا ينفون العلم بماهيه الله وكيفيته فيقولون لا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال.
ومن نفاها من المنتسبين إلى السنة وغيرهم قال ليس له ماهية فتجري في مقال، ولا له كيفيه فتخطر ببال. والأول هو المأثور عن السلف والأئمة، ويدل عليه صريح المعقول وصحيح المنقول5.
1 - انظر: شرح المقاصد 1/400، الصحايف الإلهية ص97.
2 -
أبو الحسين محمد بن علي الطيب البصري، من متأخري المعتزلة ومن أئمتهم، توفي سنة 436هـ، انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 3/401 - 402، شذرات الذهب 3/259.
3 -
انظر: المواقف ص48.
4 -
الصفدية 1/120، وانظر: الدرء 5/102 - 103.
5 -
انظر: جامع الرسائل تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ص172 - 173، بيان تلبيس الجهمية 1/347.
وإذا كان المخلوق المعين، وجوده الذي في الخارج، هو نفس ذاته، وحقيقته، وماهيته، التي في الخارج، ليس في الخارج شيئان، فالخالق - تعالى - أولى أن تكون حقيقته، هي وجوده الثابت، الذي لا يشركه فيه أحد، وهو نفس ماهيته، التي هي حقيقته الثابتة في نفس الأمر1.
وقد ذهب جمهور المتكلمين إلى امتناع إطلاق الماهية على الله - تعالى - لإشعاره بالجنسية2. كما نفى الفلاسفة الماهية عن الله - تعالى - لاستلزامها التركيب - بزعمهم - 3، وشبهة الفريقين باطلة، لأن الماهية هي الحقيقة والوجود، فنفيها يستلزم نفي وجود الشيء. وعلى أصل الفلاسفة، وجمهور المتكلمين، فإن إثبات الصفات عموماً، يستلزم التركيب، ولهذا قالوا بنفي الصفات، وهو قول ظاهر الفساد.
1 - انظر: الدرء1/293.
2 -
انظر: شرح المقاصد 4/53، الكليات ص864.
3 -
انظر: النجاة 2/108، موسوعة مصطلحات جامع العلوم ص790.