المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌دليل التغير 1 - معنى التغير في اللغة: يقول ابن فارس: "قولنا - الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية

[آمال بنت عبد العزيز العمرو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: المصادر والقواعد في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها عند أهل السنة ومخالفيهم

- ‌الفصل الأول: مصادر أهل السنة وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌المصدر الثاني: السنة النبوية

- ‌المصدر الثالث: لغة العرب

- ‌المصدر الرابع: آثار السلف

- ‌المبحث الثاني: قواعد أهل السنة في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌ القاعدة الأولى: التزام ألفاظ الشرع

- ‌القاعدة الثانية: التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌القاعدة الثالثة: تجنب الألفاظ البدعية

- ‌القاعدة الرابعة: تجنب الألفاظ المجملة، والتفصيل فيها

- ‌القاعدة الخامسة: تجنب التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثاني: مصادر المخالفين وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌المصدر الأول: العقل

- ‌المصدر الثاني: الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي

- ‌المصدر الثالث: الملل والديانات الأخرى

- ‌المصدر الرابع: الكشف

- ‌المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها

- ‌الأولى: عدم التزام ألفاظ الشرع، وإعمال المجاز والتأويل فيها

- ‌الثانية: عدم التزام معاني اللغة ودلالاتها

- ‌الثالثة: استعمال الألفاظ البدعية

- ‌الرابعة: استعمال الألفاظ المجملة

- ‌الخامسة: التشبه بغير المسلمين في الألفاظ والمصطلحات

- ‌الفصل الثالث: معنى الحد عند المنطقيين ونقده عند أهل السنة

- ‌المبحث الأول: معنى الحد في اللغة

- ‌المبحث الثاني: معنى الحد عند المنطقيين

- ‌المبحث الثالث: نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين

- ‌الفصل الرابع: أشهر المؤلفات في مصطلحات العقيدة عرض وتقويم

- ‌المبحث الأول: كتاب: المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين

- ‌التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثاني: كتاب: التعريفات

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌المبحث الثالث: كتاب: التوقيف على مهمات التعاريف

- ‌ التعريف بالمؤلف والكتاب:

- ‌ عرض محتوى الكتاب:

- ‌ المآخذ على الكتاب:

- ‌الباب الثاني: دراسة تطبيقية على ألفاظ توحيد الربوبية ومصطلحاته

- ‌الفصل الأول: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بخصائص الربوبية

- ‌تمهيد

- ‌الرّب

- ‌الإحياء

- ‌الإماتة

- ‌الأمر

- ‌المُلْك

- ‌الرَّزق

- ‌الخلق

- ‌الإبداع

- ‌التأثير

- ‌الإيجاد - الموجود - الوجود

- ‌الماهية

- ‌القِدَم

- ‌الأبدية

- ‌الأزلية

- ‌الواحد بالعين

- ‌الواحد بالنوع

- ‌الوحدة في الأفعال

- ‌الفصل الثاني: ألفاظ أدلة توحيد الربوبية ومصطلحاتها

- ‌مقدمة:

- ‌الدليل

- ‌العلم الضروري

- ‌العلم النظري

- ‌الشك

- ‌المعرفة

- ‌النظر

- ‌التسلسل

- ‌الدور

- ‌الجسم

- ‌الجوهر

- ‌العرض

- ‌المعدوم

- ‌الممتنع

- ‌المستحيل

- ‌الممكن

- ‌واجب الوجود

- ‌العالَم

- ‌العالم حادث

- ‌الأفول

- ‌دليل التغير

- ‌إمكان الصفات "إمكان الأعراض

- ‌حدوث الذوات"حدوث الأجسام

- ‌حدوث الصفات"حدوث الأعراض

- ‌الإحكام والإتقان

- ‌دليل التمانع

- ‌الفطرة

- ‌الفصل الثالث: الألفاظ والمصطلحات المتعلقة ب‌‌الشرك في الربوبية

- ‌الشرك في الربوبية

- ‌التعطيل

- ‌الزندقة

- ‌الإلحاد

- ‌العلة

- ‌العقل

- ‌النفس

- ‌الصدور والفيض

- ‌التولد

- ‌الموجب بالذات

- ‌قدم العالم

- ‌الهيولى

- ‌الدهر

- ‌الصدفة

- ‌الطبيعة

- ‌الاتحاد

- ‌الحلول

- ‌التثليث

- ‌الثنوية

- ‌السحر

- ‌التولة

- ‌التنجيم

- ‌الاستسقاء بالأنواء

- ‌الطِّلسم

- ‌الكهانة

- ‌الطِّيَرة

- ‌العرافة

- ‌العيافة

- ‌الفصل الرابع: المصطلحات البدعية في توحيد الربوبية

- ‌الأبدال

- ‌الأوتاد

- ‌القطب والغوث

- ‌النجباء والنقباء

- ‌العارف

- ‌رجال الغيب

- ‌الفناء

- ‌الكشف

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌دليل التغير 1 - معنى التغير في اللغة: يقول ابن فارس: "قولنا

‌دليل التغير

1 -

معنى التغير في اللغة:

يقول ابن فارس: "قولنا هذا غير ذاك، أي هو سواه وخلافه. ومن الباب الاستثناء بغير، تقول: عشرة غير واحد، ليس هو من العشرة"1.

وقال الجوهري: "والغير أيضا الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير..وتغايرت الأشياء، اختلفت، والغيار البدال"2.

وفي اللسان: "وتغير الشيء عن حاله تحول. وغَيَّره: حوله وبدله، كأنه جعله غير ما كان، وفي التنزيل العزيز: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال - 53] ، قال ثعلب: معناه حتى يبدلوا ما أمرهم الله. والغير: الاسم منالتغير"3.فالتغير في اللغة هو التحول من شيء إلى آخر.

2 -

معنى التغير في الشرع:

ولم يرد دليل التغير في الكتاب أو السنة، وقد ورد في كتاب الله لفظ يغير ومغير ويتغير، قال - تعالى -:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد - 11]، قال الطبري:"يقول - تعالى ذكره - إن الله لا يغير ما بقوم من عافية، ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم، حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك، بظلم بعضهم بعضاً، واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره"4.

وقال - تعالى -: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد - 15]، ويبين الراغب معنى التغيير فيقول: "والتغيير يقال على وجهين: أحدهما: لتغيير صورة الشيء دون ذاته. يقال غيرت

1 - معجم مقاييس اللغة 4/404، وانظر: العين 8/441.

2 -

الصحاح 2/776.

3 -

لسان العرب 5/40.

4 -

تفسير الطبري 13/121.

ص: 300

داري: إذا بنيتها بناء غير الذي كان. والثاني: لتبديله بغيره. نحو: غيرت غلامي ودابتي، إذا أبدلتهما بغيرهما. نحو:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد - 11] "1.

3 -

معنى دليل التغير في اصطلاح المتكلمين والفلاسفة:

يقول الرازي: "وأما الخليل صلى الله عليه وسلم، فقد حكى الله - تعالى - عنه في كتابه، أنه استدل بحصول التغير في أحوال الكواكب، على حدوثها"2.

ويستدل كثير من المتكلمين بقصة إبراهيم، ويقولون إن إبراهيم استدل بالأفول على الحدوث. كما أن ابن سينا استدل بالأفول على الإمكان، ويقولون: الحادث والممكن ليس بواجب. يقول شيخ الإسلام مبيناً كلامهم: "ثم إنه لما قال هؤلاء إن الأفول هو الحدوث، والأفول هو التغير، فبنى ابن سينا وأتباعه من الدهرية على هذا، وقالوا: ما سوى الله ممكن، وكل ممكن فهو آفل، فالآفل لا يكون واجب الوجود.. فيستدلون بالتغير على الإمكان، كما استدل الأكثرون من هؤلاء بالتغير على الحدوث، وكل من هؤلاء يقول: هذه طريقة الخليل"3.

4 -

مناقشة الدليل:

أولاً: أن استدلالهم بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام باطل، فقد علم باتفاق أهل اللغة والمفسرين أن الأفول ليس هو الحركة، سواء كانت حركة مكانية وهي الانتقال، أو حركة في الكم كالنمو، أو في الكيف كالتسود والتبيض، ولا هو التغير، فلا يسمى في اللغة كل متحرك أو متغير آفلاً، ولا أنه أفل، لا يقال للمصلي أو الماشي إنه آفل، ولا يقال للتغير الذي هو استحالة؛ كالمرض، واصفرار الشمس، إنه أفول، وإنما يقال للشمس أفلت إذا غابت

1 - المفردات ص619.

2 -

أساس التقديس ص1/527، وانظر: الإنصاف ص30.

3 -

درء التعارض 1/102 - 103.

ص: 301

واحتجبت، وهذا من المتواتر المعلوم بالاضطرار من لغة العرب، أن آفلاً بمعنى غائب، وقد أفلت الشمس، تأفِلُ، وتأفُلُ، أفولاً، أي غابت1.

ثانياً: أن قول القائل: "كل متحرك محدث، أو كل متحرك ممكن يقبل الوجود والعدم"، فهذه المقدمة ليست ضرورية فطرية باتفاق العقلاء، بل من يدعي صحة ذلك يقول إنها لا تعلم إلا بالنظر الخفي، ومن ينازع في ذلك يقول إنها باطلة عقلاً وسمعاً، ويمثل من مثل بها في أوائل العلوم الكلية لقصوره وعجزه، وأما قوله:"كل متغير محدث أو ممكن" فإن أراد بالتغير ما يعرف من ذلك في اللغة، مثل استحالة الصحيح إلى المرض، والعادل إلى الظلم، والصديق إلى العداوة، فإنه يحتاج في إثبات هذه الكلية إلى دليل، وإن أراد بالتغير معنى الحركة، أو قيام الحوادث مطلقاً، حتى تسمى الكواكب حين بزوغها متغيرة، ويسمى كل متكلم ومتحرك متغيراً، فهذا مما يتعذر عليه إقامة الدليل فيه على دعواه2.

فدليل التغير الذي زعموه دليلاً، فاسد، لأنهم بنوه على أن معنى الأفول هو التغير، وهذا ليس بصحيح، كما بنوه على أن التغير هو التحرك، والتكلم، ونحو ذلك، وهذا ظاهر الفساد؛ بل ويتعذر عليهم إقامة الدليل عليه. ومن لوازمه الفاسدة نفي الصفات الفعلية المتعلقة بالقدرة والمشيئة.

1 - انظر: درء التعارض 1/109.

2 -

انظر: المرجع السابق 1/112 - 113.

ص: 302

دليل إمكان الذوات

"إمكان الأجسام"

1 -

معنى إمكان الذوات والأجسام في اللغة:

سبق تعريف الممكن في اللغة، وقد بينت أن الإمكان في اللغة القدرة على الشيء1، كما سبق تعريف الجسم2.

أما الذوات في اللغة فهي جمع ذات، وهي تأنيث ذو الذي بمعنى صاحب، قال الجوهري:"وأما ذو الذي بمعنى صاحب فلا يكون إلا مضافاً، فإن وصفت به نكرة، أضفته إلى نكرة، وإن وصفت به معرفة، أضفته إلى الألف واللام"3. وقال الراغب: "ذو على وجهين: أحدهما: يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع، ويضاف إلى الظاهر دون المضمر، ويثنى ويجمع، ويقال في المؤنث ذات، وفي التثنية ذواتا، وفي الجمع ذوات، ولا يستعمل شيء منها إلا مضافاً، قال - تعالى -: {وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة - 251] ، وقال: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم - 6] " 4.

وقد اختلف بعض العلماء في لفظ ذات هل هو من العربية أم هو لفظ مولد، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما أنه لفظ مولد، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وفصل الخطاب أنها ليست من العربية العرباء، بل من المولدة، كلفظ الموجود، ولفظ الماهية، والكيفية، ونحو ذلك، فهذا اللفظ يقتضي وجود صفات، تضاف الذات إليها، فيقال ذات علم، وذات قدرة، وذات كلام، والمعنى كذلك، فإنه لا يمكن وجود شيء قائم بنفسه في

1 - انظر: البحث ص275.

2 -

انظر: البحث ص249.

3 -

الصحاح 6/2551.

4 -

المفردات ص333.

ص: 303

الخارج، لا يتصف بصفة ثبوتية أصلاً، بل فرض هذا في الخارج، كفرض عرض يقوم بنفسه لا بغيره"1.

وقد ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل؛ قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات - 89] ، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء - 63] .."2، ومعنى في ذات الله أي "في جهة الله وناحيته، أي لأجل الله ولابتغاء وجهه، ليس المراد بذلك النفس، ونحوه في القرآن {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال - 1] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران - 119] أي الخصلة والجهة التي هي صاحبة بينكم، وعليم بالخواطر، ونحوها، التي هي صاحبة الصدور، فاسم الذات في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والعربية المحضة بهذا المعنى، ثم أطلقه المتكلمون وغيرهم على النفس بالاعتبار الذي تقدم، فإنها صاحبة الصفات، فإذا قالوا الذات فقد قالوا التي لها الصفات"3. وقال الراغب: "وقد استعار أصحاب المعاني الذات، فجعلوها عبارة عن عين الشيء، جوهراً كان أو عرضاً، واستعملوها مفردة، ومضافة إلى المضمر بالألف واللام، وأجروها مجرى النفس، والخاصة، فقالوا ذاته، ونفسه، وخاصته، وليس ذلك من كلام العرب"4. فالذوات جمع ذات، وهي تأنيث ذو، فتكون بمعنى صاحبة.

ولم يرد دليل إمكان الذوات في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

1 - مجموع الفتاوى6/99، وانظر: المصدر نفسه 5/283، درء التعارض10/157، الصواعق المرسلة4/1381 - 1385، بدائع الفوائد 2/6 - 8.

2 -

أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء - 125] 2/461، ح 3358، ومسلم في كتاب الفضائل باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام 4/1840، ح 2371.

3 -

مجموع الفتاوى 6/342.

4 -

المفردات ص333.

ص: 304

2 -

معنى إمكان الذوات في اصطلاح الفلاسفة والمتكلمين:

هذا الدليل هو عمدة الفلاسفة أمثال ابن سينا وأتباعه، وهو من الأدلة التي استدل بها متأخرو المتكلمين في إثبات وجود الله، وقد أخذوا هذا الدليل عن الفلاسفة، وهي طريقة لم يسلكها أرسطو، بل ولا سلكها جماهير الفلاسفة قبل ابن سينا1.

يقول الرازي: "الناس قد توصلوا إلى إثبات واجب الوجود بطرق. فمن الناس من توصل بطريقة الإمكان، وهي معتمد الحكماء"1. وقوله الحكماء هنا يحتاج إلى تعقيب، إذ كما أسلفت لم يسلك هذه الطريقة غير ابن سينا ومن جاء بعده. أما تعريف الإمكان فيقول الرازي: "إن مرادنا من لفظ الإمكان، هو كون الشيء بحيث يجوز أن يستمر على ما كان عليه قبل ذلك، ويجوز أن لا يبقى على ما كان عليه قبل ذلك"3.

وهذا الدليل يعتمد على تقسيم الموجودات إلى واجب وممكن، وفي شرح هذا الدليل يقول الرازي:"نقول لا شك في وجود موجود، وكل موجود فإما أن تكون حقيقته مانعة من قبول العدم، وإما أن لا تكون. فالأول هو الواجب لذاته، والثاني هو الممكن لذاته. فثبت أنه لابد من الاعتراف بوجود موجود، وثبت أن كل موجود، فهو إما واجب لذاته وإما ممكن لذاته، ينتج أن في الوجود إما موجود واجب الوجود لذاته، وإما موجود لذاته ممكن لذاته، إن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فنقول الممكن لذاته لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح، وذلك المرجح إن كان واجبا لذاته فهو المطلوب. وإن كان ممكناً لذاته عاد التقسيم الأول فيه، فإما أن يتسلسل، أو يدور، وهما محالان، وإما أن ينتهي إلى أن ينتهي إلى موجود، واجب الوجود لذاته، وهو المطلوب"2.

ويعلق شيخ الإسلام رحمه الله على هذا الدليل فيقول: "وأما القول بإمكان الأجسام فهو مبني على أن الموصوف ممكن، بناء على أن المركب ممكن، وعلى نفي الصفات، وهي

1 - انظر: درء التعارض 5/292، 3/334 - 335، الصفدية 2/180 - 181.

1 -

المباحث المشرقية 2/467 - 468.

3 -

المطالب العالية 1/205.

2 -

المرجع السابق 1/72، وانظر: معالم أصول الدين ص33، النجاة ص 64، 77 - 78، الإشارات 3/482 - 483، الدرء 3/166- 167، الفتاوى 1/49.

ص: 305

طريقة أحدثها ابن سينا وأمثاله، وركبها من مذهب سلفهم، ومذهب الجهمية "1. فالمعتزلة قسموا الوجود إلى محدث وقديم، وبينوا ثبوت القديم، فأخذ ابن سينا يقسمه إلى واجب وممكن، وغرضه إثبات وجود الواجب، بدون إثبات حدوث العالم، وجعل وجود العالم ممكناً، وخالف بذلك طريقة سلفه الفلاسفة، فإن الممكن عندهم لا يكون موجوداً2.

3 -

مناقشة هذا الدليل:

دليل إمكان الذوات الذي يعتمده ابن سينا وأتباعه، باطل من وجوه:

الوجه الأول: أنه قد علم بالاضطرار من دين الرسول، والنقل المتواتر، أنه دعا الخلق إلى الإيمان بالله ورسوله، ولم يدع الناس بهذه الطريق، ولم يدع بها أحد من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، الذين هم خير هذه الأمة، وأفضلها علما وإيمانا. فهي طريق مبتدعة، فكيف يجوز أن يقال: إن تصديق الرسول موقوف عليها3.

الوجه الثاني: أن هذا الدليل مبني على نفي الصفات، ومعلوم أن أكثر العقلاء ينازعونهم في هذا، ويقولون هذا قول باطل، فيمتنع أن يكون العلم بالصانع موقوفا على طريق فاسد4.

الوجه الثالث: أن جماهير العقلاء من المسلمين واليهود والنصارى، والفلاسفة القدماء والمتأخرين، يقدحون في موجب هذا الدليل، وليس هو طريقة أرسطو وقدماء الفلاسفة، ولا طريقة ابن رشد وأمثاله من المتأخرين، بل هذا المسلك عند جمهور العالم من أعظم الأقوال فسادا في الشرع والعقل5، يقول الغزالي:"وأما الفلاسفة فقد رأوا أن العالم قديم، ثم أثبتوا له صانعا مع ذلك، وهذا المذهب بوضعه متناقض، لا يحتاج فيه إلى إبطال"6. فابن سينا في هذا الدليل، قد قسم الوجود إلى واجب وممكن، وأثبت الواجب بهذا الطريق، ولكن هذا بناء على

1 - درء التعارض 1/98 - 99.

2 -

انظر: الصفدية 2/19.

3 -

انظر: درء التعارض1/97 - 98.

4 -

انظر: المرجع السابق1/98 - 99.

5 -

انظر: المرجع السابق 5/293.

6 -

تهافت الفلاسفة ص79.

ص: 306

أن القديم ممكن، وله ماهية تقبل الوجود والعدم، وهذا مما خالفه فيه جمهور العقلاء من الفلاسفة، والمتكلمين وغيرهم، حتى أنه هو تناقض في ذلك فوافق سلفه وجميع العقلاء، وصرح بأن الممكن لا يكون إلا ما يقبل الوجود والعدم، ثم تناقض بقوله أن ذات الممكن قد تكون قديمة أزلية واجبة بغيرها1. والقدم ووجوب الوجود متلازمان عند عامة العقلاء، الأولين والآخرين، ولم يعرف عن طائفة منهم نزاع في ذلك إلا ما أحدثه هؤلاء، فإنا نشهد موجودات كثيرة، حدثت بعد أن لم تكن، ونشهد عدمها بعد أن كانت، وما كان معدوما أو سيكون معدوما لا يكون واجب الوجود، ولا قديما أزليا2.

الوجه الرابع: أن هؤلاء إذا قدر أنهم أثبتوا واجب الوجود، فليس في دليلهم أنه مغاير للسماوات والأفلاك، وهذا مما بين تهافتهم فيه الغزالي وغيره، لكن عمدتهم أن الجسم لا يكون واجبا، لأنه مركب، والواجب لا يكون مركبا، هذا عمدتهم وهو قول باطل، وما زال النظار يبينون فساد هذا القول، كل بحسبه، كما بين الغزالي فساده بحسبه3.

فهذا الدليل الذي اعتمده الفلاسفة في إثبات وجود الله باطل عقلا وشرعا، وهو غير محصل للمقصود، كما أنهم قد تناقضوا في أهم مصطلحات هذا الدليل وهو لفظ الإمكان، إذ قد جعلوا الممكن قديما أزليا، وهذا يدل بجلاء على تخبط وفساد مذهب الفلاسفة في الإلهيات.

1 - انظر: درء التعارض 3/335 - 337.

2 -

انظر: مجموع الفتاوى 1/49.

3 -

انظر رد الغزالي في تهافت الفلاسفة ص79 - 82. وانظر: مجموع الفتاوى 1/49 - 50.

ص: 307