الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مصادر المخالفين وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها
المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها
المصدر الأول: العقل
…
الفصل الثاني: مصادر المخالفين وقواعدهم في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها.
المبحث الثاني: قواعد المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها.
المبحث الأول: مصادر المخالفين في ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها:
المصدر الأول: العقل.
المصدر الثاني: الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي.
المصدر الثالث: الملل والديانات الأخرى.
المصدر الرابع: الكشف.
المصدر الأول: العقل.
يعتمد المخالفون من المتكلمين والفلاسفة على العقل مصدراً رئيساً لمسائل العقيدة، بما في ذلك ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها، ويقدمونه على الأدلة السمعية؛ لأنها _في نظرهم _دلائل لفظية، والدلائل اللفظية لا تفيد اليقين، وهذه هي الشبهة الأولى، والشبهة الثانية هي قولهم: إن العقل أصل السمع فيجب تقديمه عليه1.
ومن ذلك أنهم زعموا أن معرفة الله لا تنال إلا بالعقل، يقول القاضي عبد الجبار:"أما الثاني وهو الكلام في أن معرفة الله لا تنال إلا بحجة العقل، فلأن ما عداها فرع على معرفة الله - تعالى - بتوحيده وعدله، فلو استدللنا بشيء منها على الله والحال هذه، كنا مستدلين بفرع للشيء على أصله، وذلك لا يجوز"2.
ويقول الغزالي: "كل ما دل العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال، إذ الأدلة العقلية يستحيل نسخها وتكاذبها، فإن ورد دليل سمعي على خلاف العقل، فإما أن لا يكون متواتراً فيعلم أنه غير صحيح، وإما أن يكون متواتراً، فيكون مؤولاً، ولا يكون متعارضاً، وأما نص متواتر لا يحتمل الخطأ والتأويل وهو على خلاف دليل العقل، فذلك محال، لأن دليل العقل لا يقبل الفسخ والبطلان"1.
ثم وضع الرازي تقديم العقل على النقل في قانون كلي اعتمده المتكلمون، وهو قوله: "اعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة:
إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل، فيلزم تصديق النقيضينوهو محال.
وإما أن نبطلهما، فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال.
وإما أن تكذب الظواهر النقلية وتصدق الظواهر العقلية.
1 - انظر: المطالب العالية 9/113 - 114، محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازي ص51، أساس التقديس للرازي ص 220 - 221، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 424، معالم أصول الدين للرازي ص 22، المواقف للآيجي ص 40.
2 -
شرح الأصول الخمسة ص 88.
1 -
المستصفى للغزالي 2/137، 138.
وإما أن تصدق الظواهرالنقلية وتكذب الظواهر العقلية، وذلك باطل، لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية، إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية: إثبات الصانع، وصفاته، وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وظهور المعجزات على يد محمد صلى الله عليه وسلم. ولو صار القدح في الدلائل العقلية القطعية، صار العقل متهماً، غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج عن أن يكون مقبول القول في هذه الأصول. وإذا لم تثبت هذه الأصول، خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة.
فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل، يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً، وإنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية، القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال إنها غير صحيحة، أو يقال: إنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها، ثم إن جوزنا التأويل: اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم تجوز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله - تعالى -. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات. وبالله التوفيق"1.
وعلى هذا اعتمد المتكلمون في ألفاظهم ومصطلحاتهم في العقيدة، يقول شيخ الإسلام رحمه الله عن الطوائف المخالفة لأهل السنة في مسائل العقيدة ومصطلحاتها:"ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤلاء، يضع كل فريق لأنفسهم قانوناً فيما جاءت به الأنبياء عن الله، فيجعلون الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته، ويجعلون ما جاءت به الأنبياء تبعاً له، فما وافق قانونهمقبلوه، وما خالفه لم يتبعوه"2.
ويقول عن اعتمادهم العقل في إثبات الألفاظ ونفيها: "..فإنكم تدعون أن هذه الأمور معلومة بالعقل لا بالسمع، وإطلاق الألفاظ ونفيها لا تقفون أنتم فيه عند الشرع، فالواجب على أصولكم أن ما علم بالعقل ثبوته، أو انتفاؤه، اتبع من غير مراعاة للفظ"3.
ويقول الإمام أبو القاسم التيمي4: "فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقلفإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعاً للمعقول، وأما أهل السنة؛
1 - أساس التقديس ص 220 - 221 وانظر: المطالب العالية 9/116 - 117.
2 -
درء التعارض 1/6.
3 -
المرجع السابق2/432.
4 -
هو الإمام العلامة الحافظ إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد القرشي، التيمي، الطلحي، الأصبهاني، الملقب بقوام السنة، ولد سنة 457هجرية، وتوفي سنة 535 هجرية. انظر: السير 20/80، شذرات الذهب 4/105، الأعلام 1/323.
قالوا: الأصل في الدين الاتباع والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء، ولو كان الدين بني على المعقول لجاز للمؤمنين أن لا يقبلوا شيئاً حتى يعقلوا"1.
وقد انتقد أهل السنة قانون تقديم العقل، وألفوا المصنفات في إبطاله، ومن ذلك كتاب درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والصواعق المرسلة للإمام ابن القيم رحمه الله، وغيرها، وبيّنوا أنه يستحيل تعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح.
1 - الحجة في بيان المحجة 1/320.