الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يعين على شهود النقص في النفس كالوقوف على اجتهاد السلف الصالح؛ ففي سيرة الحسن البصري الذي عاش في القرن الأول ومات أوائل الثاني؛ أنه قال: " رأيت سبعين بدريّاً، لو رأيتموهم؛ لقلتم: مجانين، ولو رأوا خياركم؛ لقالوا: ما لهؤلاء من خلاق. ولو رأوا شراركم، لقالوا: هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب "[ص:59].
هذا خطاب الحسن لأهل عصره من التابعين وتابعيهم، فبماذا يخاطب أهل القرن الرابع عشر؟!
•
بعض مطاعن المشاغبين:
إن أهل زماننا قد رضوا حالتهم، وسخطوا على ناصحيهم مقالتهم، وقالوا: قد جاؤونا بعلم جديد، وقد سبقهم علماء أجلاء لم نسمع منهم نكراناً لهذا الأمر؛ فإن كان بين هؤلاء الساخطين مَن شدا شيئاً من العلم؛ زادهم جهالة بتأويل النصوص الشرعية، وبصرف أقوالهم وأعمالهم الدالة على فساد اعتقادهم إلى ما يوافق الإِسلام، وإن كان خلاف مرادهم، ثم زعم لهم أن ما يرشد إليه المصلحون ضلالة ابتدعها ابن تيمية.
•
الجواب عن المطاعن:
لا؛ لم نأت بعلم جديد في نظر الدين، ولكنه جديد في آذان (*) المستمعين.
ومن تقدمنا من العلماء بعضهم أنكروا مثلنا فطُعن فيهم وحيل بينهم وبين العامة، وبعضهم أسرُّوا الإِنكار لمن وثقوا بامتثاله، ومنهم من كتم لغلبة يأسه ومحافظته على هناء نفسه، ومنهم من لم يكن يدري هذا الشأن، وإنما اشتهر بمسائل الفروع.
(*) بالمد، مفردها: أذن.
ثم العلماء الثقات حجة فيما يأثرون لا فيما يفعلون أويقرون، ولا يكون الفعل أو التقرير حجة إلا من المعصوم.
فأما تأويل النصوص؛ فأكثره تحريف للكلم عن مواضعه، وغض من مهابة ظواهرها وعظم موقعها في النفوس.
وأما صرف أقوال العامة وأفعالها إلى غير ما أرادت منها، فتغرير بها، وإغراء لها على الباطل.
وأما ابن تيمية، فلم يبتدع ضلالة، وإنما أحيا السنة، ودعا إلى الهدى، واجتهد في النصح، وليست الدعوة إلى التوحيد بمذهب خاص، ولكنه دين الله العام.
وما جعل العوام يستخفون بما وقعوا فيه من الشرك الجلي إلا الاعتياد، وجبن جل العلماء عن الجهر بالإرشاد، والعادة- كما يقال- طبيعة ثانية، والإِسرار بالعلم إقبار له.
ففي كتاب العلم من " صحيح البخاري ": أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن حزم: " انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاكتبه؛ فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء "، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرّاً (35).
(35) أخرجه البخاري تعليقاً في (كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، 1/ 194)، ثم قال:" حدثنا العلاء بن عبد الجبار؛ قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار بذلك - يعني حديث عمر بن عبد العزيز- إلى قوله: " ذهاب العلماء ".
قال الحافظ في " الفتح "(1/ 195):
" قوله: (حدثنا العلاء): لم يقع وصل هذا التعليق عن الكشميهني ولا كريمة ولا ابن =
ومن حكم الشعراء:
وَشَتَّانَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمَنْطِقِ الْخَفْتِ
وقال ابن تيمية: " لولا بعد عهد الناس بأول الإِسلام وحال المهاجرين والأنصار، ونقص العلم، وظهور الجهل، واشتباه الأمر على كثير من الناس، لكان هؤلاء المشركون والآمرون بالشرك مما يظهر كفرهم وضلالهم للخاصة والعامة أعظم مما يظهر ضلال الخوارج والرافضة ".
وما جعل بعض العلماء ينتصبون للدفاع عن تدين العامة إلا مجاراة العوام والتقرب منهم ومن مغرضي الحكام لنيل منصب أو حطام، وهذا ظاهر في هذا الزمان، لا يختلف فيه اثنان.
وقد عد في " الزواجر من الكبائر " تعلم العلم للدنيا وكتمانه، وعدم العمل به والدعوى فيه، وجلب في ذلك من الآيات والأحاديث والآثار ما يطول تلخيصه؛ فلينظره من يهتم لغده في الكبيرة الثالثة والأربعين وما بعدها من ذلك الكتاب.
وفي رسالة ابن الجوزي عن الحسن البصري؛ أنه قرأ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137]، فقال: " يا عجباً لمن يخاف ملكاً أو يتقي ظالماً بعد إيمانه بهذه الآية! أما والله، لو أن الناس إذا ابتلوا صبروا لأمر ربهم؛
=
عساكر، إلى قوله:" ذهاب العلماء "، وهو محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عمر أو من كلامه ولم يدخل في هذه الرواية، وبه صرّح أبو نعيم في " المستخرج " ولم أجده في مواضع كثيرة إلّا كذلك، وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف، أورده تلو كلام عمر، ثم بيّن أن ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ".
وانظر: " تغليق التعليق "(2/ 88 - 90) له أيضاً.