الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد بهذه الدعوة التامة نوع الأذان لا أذان مخصوص، كما أن المراد مطلق الصلاة لا صلاة مصل معين؛ فغاية ما يثبت منه التوسل بمطلق الأعمال الصالحة من غير إضافتها إلى أشخاص معينين " [ص:205].
وعلى تأويل ابن تيمية يكون هذا التوسل بحق السائلين من النوع الأول.
والأقرب عندي أن الحق هنا بمعنى الجاه والحظوة؛ فهو كقولك: بجاه فلان، لكنه ليس توسلًا بالشخص، بل بوصف السؤال الذي يتناول المتوسل، وسؤال الله عبادة، فيكون هذا توسلاً بعبادة مطلقة لا تخص المتوسل ولا المتوسل به، وهذا هو الذي يوافق تأويل السهسواني لحديث محمد بن عوف، وهو الصواب إن شاء الله، وفارق هذا النوع [النوع] الثالث لكونه مطلقاً لا مقيداً بعبادة جزئية.
•
التوسل بالجاه:
النوع السادس: توسل المرء بحق المخلوق وجاهه، وردت آثار لو صحت ولم تؤول لدلت على جوازه بكل معظم شرعاً، من ميت أو غائب أو حاضر لم يقع منه دعاء للمتوسل، ولنقتصر من الآثار على أحسنها إسناداً أو أشهرها على الألسنة.
•
ما ورد في التوسل بالجاه:
1 -
روى ابن السني وأبو نعيم وأبو الشيخ الأصبهاني من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده؛ أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أتعلم القرآن ويتفلت مني. فعلمه صلى الله عليه وسلم أن يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمُحَمَّدِ نَبِيِّك، وَبِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِك، وَبِمُوسَى نَجِيِّك، وَعِيسَى رُوحِك وَكَلِمَتِك، وَبِتَوْرَاةِ مُوسَى وَإِنْجِيلِ عِيسَى وَزَبُورِ دَاوُد وَفُرْقَانِ مُحَمَّدٍ، وَبِكُلِّ وَحْيٍ
أَوْحَيْته وَقَضَاءٍ قَضَيْته
…
» الحديث (134).
2 -
وروى الحاكم في " المستدرك " وصححه من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: " لما اقترف
(134) موضوع: أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في كتاب " الثواب " وغيره من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني عن أبيه- زاد بعضهم: عن جدّه -؛ أنّ أبا بكر الصديق أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتعلَّم القرآن فيتفلّت منّي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«قل: اللهم إني أسألك بمحمد نبيّك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيّك، وعيسى روحك وكلمتك، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وزابور داود، وفرقان محمد، وكل وحي أوحيته أو قضاء قضيته أو شيء أعطيته أو فقير أغنيته أو غني أفقرته أو ضال هديته، وأسألك باسمك الذي أنزلته على موسى، وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت، وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فأرست، وأسألك باسمك الذي استقل به عرشك، وأسألك باسمك المطهر الطاهر الأحد الصمد الوتر المنزل في كتابك من لدنك من النور المبين، وأسألك باسمك الذي وضعته على النهار فاستنار، وعلى الليل فاظلم، وبعظمتك وكبريائك وبنور وجهك أن ترزقني القرآن والعلم، وتخلطه بلحمي ودمي وسمعي وبصري وتستعمل به جسدي بحولك وقوتك؛ فإنه لا حول ولا قوّة إلا بدً» .
وهذا حديثٌ مَوْضوعٌ، وآفته عبد الملك بن هارون؛ فإنه " من أضعف الناس، وهو عند أهل العلم بالرجال متروك، بل كذّاب "، كما قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى "(1/ 299) ملخصاً كلام أهل الجرح والتعديل فيه، المبثوث في ثنايا " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم، و " المجروحين " لابن حبان، و " الميزان " للذهبي، و " اللسان " لابن حجر، وغيرها.
وفيه علة ثانية- وإن كانت دون الأولى- وهي ضعف أبيه هارون كما قاله الدارقطني وغيره.
وعلة ثالثة: وهي الانقطاع بين هارون وأبي بكر، قاله العراقي في " تخريج الإِحياء " (1/ 315). وانظر:" مجموع الفتاوى "(1/ 252 - 253) أيضاً، و " اللآلئ المصنوعة "(2/ 357) للسيوطي.
وللحديث طرق أخرى عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما بأسانيد مظلمة لا يثبت منها شيء كما في " المجموع "(1/ 258 - 259)، و " اللآلئ "(2/ 356، 357) أيضاً.
آدم الخطيئة؛ قال: يا رب! أسألك بحق محمد لما غفرت لي. قال: وكيف عرفت محمداً؟ قال: لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. قال: صدقت يا آدم! ولولا محمد ما خلقتك " (135).
3 -
وأخرج الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " والحاكم وصححه من طريق روح بن صلاح المصري، عن أنس رضي الله عنه، في قصة وفاة فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل لحدها، واضطجع فيه، ثم قال: «الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اللهم! اغفر لي ولأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها،
(135) موضوع: أخرجه الحاكم (2/ 615) وقال: " صحيح الإِسناد!! وهو أوَّل حديث ذكرته لعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في هذا الكتاب ". وتعقبه الحافظ الذهبي في " التلخيص " بقوله: " قلتُ: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من ذا؟ "، وفي " الميزان "(2/ 504) حكم على الحديث بالبطلان، وأقره الحافظ العسقلاني في " اللسان "(3/ 360).
وقال ابن تيمية (1/ 254): " ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أُنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب " المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم ": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأمّلها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه.
قلتُ: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً، وضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم، وقال أبو حاتم بن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم، حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف، فاستحق الترك.
وأمّا تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله؛ فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث وقالوا: إن الحاكم يصحّح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث
…
".
وانظر: " الضعيفة "(25)، و " التوسل "(ص 106 - 118) للألباني.
بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي؛ فإنك أرحم الراحمين» (136).
(136) ضعيف: أخرجه أبو نعيم في " الحلية "(3/ 121)؛ قال: حدثنا سليمان بن أحمد- وهو الطبراني- وهذا في (المعجم الكبير " (24/ 351 - 352/ 871) - و " الأوسط " كما في " المجمع "(9/ 257) - ثنا أحمد بن حماد بن زغبة حدثنا روح بن صلاح أخبرنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك؛ قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ عليّ رضي الله عنهما، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها، فقال:" رحمكِ اللهُ يا أمّي، كنتِ أمّي بعد أمّي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيّباً وتطعميني، تريد بذلك وجه الله والدار الآخرة "، ثم أمر أن تغسل ثلاثاً، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور؛ سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه، وكفنها ببرد فوقه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون، فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد، حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأخرج ترابه بيده، فلما فرغ؛ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضطجع فيه، فقال:
…
" فذكره، وزاد: " وكبَّر عليها أربعاً، وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم ".
وقال أبو نعيم: " غريب من حديث عاصم والثوري، لم نكتبه إلّا من حديث روح بن صلاح تفرد به!.
وقال الهيثمي: " وفيه روح بن صلاح، وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح! ".
ولهذا قال المؤلف فيما يأتي [ص:210]: " وروح بن صلاح مختلف في تضعيفه وتوثيقه ".
قلت: لكن الراجح تضعيفه لسببين:
الأول: أن موثقيه- وهما ابن حبان والحاكم- متساهلان في التوثيق، أمّا الأول؛ فكثيراً ما يوثق المجهولين كما نبّه عليه المحققون من الحفاظ كابن عبد الهادي والذهبي والعسقلاني وغيرهم، وأمّا الأخر؛ فقد سبق في كلام ابن تيمية قريباً " أنه يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث "، فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن، حتى ولو كان الجرح مبهماً لم يُبيّن سببه؛ فكيف وهو:
السبب الثاني: أنّ جرحه مفسّر، وهو مقدّم على التعديل كما هو مقرر عند العلماء.
قال الحافظ في " اللسان "(2/ 466) في ترجمة روح بن صلاح: " ذكره ابن يونس في =
4 -
وجاء من طريق عمرو بن ثابت عن ابن عباس رضي الله عنه؛ قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، قال:" سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليَّ، فتيب عليه "(137).
5 -
وروي: " إذا كانت لكم إلى الله حاجة؛ فسلوه بجاهي؛ فإن جاهي عند الله عظيم "(138).
=
" تاريخ الغرباء " فقال:
…
رويت عنه مناكير، وقال الدارقطني: ضعيف في الحديث، وقال ابن ماكولا: ضعفوه
…
وقال ابن عدي بعد أن أخرج له حديثين: له أحاديث كثيرة في بعضها نكرة ". وانظر: " الضعيفة " (23)، و " التوسل " (ص 102 - 103).
(137)
منكر: آفته عمرو بن ثابت الذي سيذكر المؤلف قريباً أقوال بعض أهل العلم في تضعيفه جداً، ثم هو مخالف للثابت عن ابن عباس في تفسير الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، فأخرج الحاكم (2/ 545) عنه:" {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}؛ قال: أي ربّ! ألم تخلقني بيدك؛ قال: بلى، قال: أي ربّ! ألم تنفخ في من روحك؛ قال: بلى. قال: أي ربّ! ألم تسكني جنتك؛ قال: بلى. قال: أي رب! ألم تسبق رحمتك غضبك؛ قال: بلى. قال: إن تبتُ وأصلحتُ أراجعي أنتَ إلى الجنة؛ قال: بلى. قال: فهو قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} ".
وقال الحاكم: " صحيح الإِسناد "، ووافقه الذهبي.
قلتُ: وهو في حكم المرفوع كما لا يخفى، فدلّ على نكارة حديث عمرو بن ثابت، والله أعلم.
(138)
باطل لا أصل له: قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " القاعدة الجليلة " المطبوعة ضمن " مجموع الفتاوى "(1/ 319):
" وهذا الحديث كذب ليس في شيءٍ من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحدٌ من أهل العلم بالحديث، مع أن جاهه عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين
…
".
وانظر: (1/ 346 و24/ 335 و27/ 126) منه أيضاً.