الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي " تفسير جزء عم " لمحمد عبده: " والذي تفيده [هذه] الآية الكريمة أنهم مع قربهم من الله لا يستطيع أحد منهم أن يشفع لأحد أو يستمنح منحة " إلا إذا أذن الله، ولا يأذن إلا لمن علم أنه سيجاب، وإنما يكون الكلام ضرباً من التكريم لن يأذن الله له به، يختص به من يشاء، ولا أثر له فيما أراد الله البتة ".
•
حكمة الشفاعة المشروعة:
وبكلام ابن كثير على آية البقرة، وكلام محمد عبده على آية النبأ؛ تعلم سر هاته الشفاعة المقيدة بتلك القيود، وأن حكمتها إظهار جلال الله وعظمته، وإعلان كرامة الشفيع ووجاهته، وإيئاس المسرفين على أنفسهم من كل مخلوق إلا من رحمة الله، وعلى هذا عرفها القرطبي في " تفسيره "؛ إذ قال:" الشفاعة: ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع، وإيصال منفعته للمشفوع "(1/ 378).
•
سؤال الشفاعة الأخروية:
وطلب الشفاعة الأخروية على أربعة أنحاء:
أحدها: طلبها من الله؛ كأن نقول: اللهم! شفع فينا خاتم النبيين وإمام المرسلين. فهذا طلب صحيح ودعاء مشروع؛ لأن الشفاعة لله جميعاً.
ثانيها: طلبها في هاته الحياة ممن علم أنه من أهلها وهو حي حاضر؛ كأن يقول الصحابي: يا رسول الله! أسألك شفاعتك غداً. وهذا أيضاً صحيح؛ لحديث أنس رضي الله عنه؛ أنه سألها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: «أَنَا فَاعِلٌ» (157). رواه الترمذي وحسنه، ولقول غلام للنبي صلى الله عليه وسلم: أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي
(157) حسن: أخرجه أحمد (3/ 178 - مصورة المكتب)، والترمذي (7/ 119 - 120/ رقم: 2550) =
مِمَّنْ تَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ لَهُ: «فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (158). رواه الطبراني بأسانيد بعضها رجاله رجال الصحيح وبعضها رجاله ثقات، قاله في " مجمع الزوائد ".
ولا يجوز هذا الطلب من غير الرسول، كما لا يجوز لغير الرسول الوعد بها؛ لأن ذلك يتوقف على العلم بالإِذن بها للمطلوب، وكونه هو والطالب من أهل الجنة، ولا يجزم بشيء من ذلك إلا بوحي، كما تقدم في فصل الولاية.
ثالثها: طلبها من الشفيع يوم القيامة، وهو ثابت بحديث الشفاعة المروي
=
كلاهما من طريق حرب بن ميمون الأنصاري أبي الخطاب أخبرنا النضر بن أنس بن مالك عن أبيه؛ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ:«أَنَا فَاعِلٌ» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: «اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ» . قُلْتُ: فَإِذَا لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟. قَالَ: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ» . قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟ قَالَ: «فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ، فَإِنِّي، لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ مَوَاطِنَ» .
وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه ".
وهو كما قال، فإن رجاله ثقات غير حرب الأنصاري فـ " صدوق " كما في " التقريب "، والحديث سكت عليه الحافظ في " الفتح "(11/ 466)، وأورده شيخنا في " صحيح سنن الترمدي "(1981)، والله أعلم.
(158)
ضعيف: أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(20/ 365/ 851) من طريق جرير بن حازم سمعت، عبد الملك بن عُمير يحدّث عن مصعب الأسلمي قَالَ: انْطَلَقَ غُلَامٌ مِنَّا فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ سُؤَالًا. قَالَ: «وَمَا هُوَ؟» . قَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ تَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ:«مَنْ أَمَرَكَ هَذَا أو مَنْ علّمك هَذَا أَوْ مَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا؟» . قَالَ: مَا أَمَرَنِي بِهَذَا أَحَدٌ إِلَّا نَفْسِي. قَالَ: «فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قال الهيثمي في " المجمع "(10/ 369): " رجاله رجال الصحيح ".
قلتُ: لكن عبد الملك " كان يدلس " كما قال الحافظ في " الإِصابة "(3/ 402)، وفي " التقريب " (1/ 521):" ثقه فقيه، تغيّر حفظه، ربما دلّس "، وقد عنعنه!