الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
شروط التبرك:
والذي تفيده النقول السابقة في مجموعها إثباتاً ونفياً وتوجيهاً: أن التبرك مشروع، ولكنه مقيد بقيود:
أحدها: أن يكون التبرك بفعل طاعة مشروعة؛ كصلاة، ودعاء، ورجاء القبول، وزيادة الأجر، لا بِحَمْلِ تراب أو بخور وغيرهما من أجزاء المكان المتبرك به، أو الأشياء الموضوعة فيه.
نعم؛ ثبت عن الصحابة أنهم تبركوا بالتمسح بفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم والتدلك بنخامته (47)، بل إن منهم من شرب دم (48) حجامته صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يرد أنهم فعلوا
(47) أخرجه البخاري في " صحيحه "(5/ 329 - 333/ 2731 و2732) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم مطولاً، وفيه قول عروة بن مسعود الثقفي:
" فوالله، ما تنخّم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامةً إلّا وقعت في كَفِّ رجل منهم؛ فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه
…
".
وعن أبي جُحيفة؛ قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فأتي بوضوء فتوضأ؛ فجعل الناسُ يأخذون من فضل وضوئه فيتمسّحون به
…
" الحديث.
أخرجه البخاري (1/ 294/ 187) أيضاً.
(48)
ورد ذلك في أحاديث، منها:
1 -
حديث عبد الله بن الزبير، قال: احتجم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأعطاني الدم، فقال:" اذهب فغيّبه ". فذهبت فشربته، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال:" ما صنعتَ؛ ". قلتُ: غيبته! قال: " لعلَّك شربته؟ ". قلتُ: شربته. فقال: " من أمرك أن تشرب الدم؟ ويلٌ لك من الناس! وويلٌ للناس منك ". أخرجه البزار (3/ 145/ 2436)، والطبراني، والحاكم (3/ 554)، وأبو نعيم (1/ 329 - 330) وغيرهم من طريق هنيد بن القاسم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عنه.
قلتُ: وهُنيد بن القاسم ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(9/ 121)؛ فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلًا، سوى رواية موسى بن إسماعيل عنه، وكذا قال ابن حبان، ومع ذلك أورده في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=
كتابه " الثقات "(5/ 515)!
والحديث سكت عليه الحاكم والذهبي!
وقال الحافظ الهيثمي في " المجمع "(8/ 270): " رواه الطبراني والبزار باختصار، ورجال البزار رجال الصحيح غير هنيد بن القاسم وهو ثقة! ".
وقال تلميذه الحافظ ابن حجر في " التلخيص "(1/ 30): " وفي إسناده الهنيد بن القاسم ولا بأس به، لكنه ليس بالمشهور بالعلم ".
ثم ذكر رحمه الله تعالى أن للحديث شاهدين:
أحدهما: عند الطبراني والدارقطني من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه، وفيه علي بن مجاهد وهو ضعيف.
والأخر: عند الطبراني وأبي نعيم (1/ 330) عن سلمان.
وانظر: " الإِصابة "(2/ 302) له أيضاً.
والحديث حسنه الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في " الخصائص الكبرى "(2/ 252)! والعلم عند الله جلَّ وعلا.
2 -
حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: احتجم، فقال:" خُذْ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس "، فتغيبت فشربته، ثم ذكرت ذلك له فضحك.
أخرجه البزار (3/ 144 - 145/ 2435)، والطبراني (7/ 94 - 95/ 6434)، وابن حبان في " المجروحين "(1/ 111) - وزاد في " التلخيص " نسبته إلى ابن أبي خيثمة والبيهقي في " الشعب " و " السنن " -، كلّهم من طريق بُريه (واسمه إبراهيم) بن عمر بن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده به.
وهذا سند ضعيف؛ إبراهيم ضعفه النسائي والدارقطني، وقال العقيلي:" لا يتابع على حديثه "، وقال ابن حبان:" يخالف الثقات في الروايات، ويروي عن أبيه ما لا يتابع عليه من رواية الأثبات، فلا يحل الاحتجاج بخبره بحال "، وقال ابن عدي:" أحاديثه لا يتابعه عليها الثقات، وأرجو أنه لا باس به "، وأبو عمر، قال الذهبي:" لا يُعرف "، وقال أبو زرعة:" صدوق "، وقال البخاري:" إسناده مجهول ".
فلا تغتر بقول الهيثمي: " رجال الطبراني ثقات "، فإنه من تساهله رحمه الله، والله ولي =
نحو ذلك مع غيره شيئاً من خلفائه الراشدين وأهل بيته الطاهرين، فيكون هذا الضرب من التبرك مقصوراً على ذاته الشريفة، منقطعاً بموته، وقد بسط الحديث في ذلك صاحب " الاعتصام "(2/ 6 - 9).
ثانيها: أن لا يحمل المتبرك غيره على التبرك، ولا أن يدعوه إليه؛ فلا ينصب شيء للعموم يتبركون به.
ثالثها: أن يتفق له المرور بمكان التبرك، لا أن يقصد إليه من بعيد ويقتحم السفر من أجله.
رابعها: أن يكون من المعرفة بدينه بحيث لا تضله خطرات النفس، ولا نزغات الشيطان، لا أن يكون ضعيف الإِيمان قليل المعرفة.
ولقلة اطلاعي؛ لم أر من أفصح عن هذه الشروط، ولكنها مقتضى العلم ووحي النصيحة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم يحتاطون على
=
التوفيق.
3 -
حديث ابن عباس، قال: حجم النبيَّ صلى الله عليه وسلم غُلَامٌ لبعض قريش، فلما فرغ من حجامته، أخذ الدم فذهب به من وراء الحائط، فنظر يميناً وشمالاً، فلمّا لَمْ ير أحداً تحسَّى دمه حتى فرغ، ثم أقبل، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، فقال:" ويحك! ما صنعت بالدم؛ ". قلتُ: غيبته وراء الحائط! قال: " أين غيّبته؛ ". قلت: يا رسول الله! نفست على دمك أن أهريقه في الأرض فهو في بطني! قال: " اذهب، فقد أحرزت نفسك من النار ".
أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " من حديث نافع أبي هرمز عن عطاء عنه؛ كما في " تلخيص ابن حجر "، وقال الحافظ:" ونافع قال ابن حبان: روى عن عطاء نسخة موضوعة، وذكر منها هذا الحديث، وقال يحى بن معين: كذاب ".
4 -
حديث سالم أبي هند الحجّام، قال: حجمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغتُ شربته، فقلتُ: يا رسول الله! شربته! فقال: " ويحك يا سالم! أما علمتَ أن الدم حرام؛ لا تعد ".
رواه أبو نعيم في " معرفة الصحابة ".
قال الحافظ في " التلخيص ": " وفي إسناده أبو الحجاف وفيه مقال ".