الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
معنى الإِهلال لغير الله:
وفي " تفسير الثعالبي ": أن معنى الإِهلال الصياح، ومنه استهلال المولود، وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة، وغلب ذلك في استعمالهم، حتى عبر به عن النية التي هي علة التحريم.
وفي " تفسير ابن كثير " عن مجاهد وابن جريج؛ أن النصب حجارة كانت حول الكعبة، كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح، ويشرحون اللحم، ويجعلونه على النصب. قال:" فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح (*) عند النصب، من الشرك الذي حرمه الله ورسوله ".
وفي " تفسير الشوكاني "؛ أن مما أهل به لغير الله ما يقع من المعتقدين في الأموات من الذبح على قبورهم، ولا فرق بينه وبين الذبح للوثن.
وروى أبو علي القالي في " أماليه " خبر معاقرة جرت بقصد المفاخرة بين سحيم بن وثيل الريحاني وغالب بن صعصعة أبي الفرزدق أيام خلافة علي كرم الله وجهه، فأفتى فيها علي بأنها مما أهل به لغير الله، ونهى عن الأكل منها، وأمر بطرد الناس عنها (3/ 54).
وذكر القرطبي عند تفسير {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} من سورة البقرة مثل ما قدمنا عن الثعالبي، وأعقبه بفتوى علي في حكم تلك المعاقرة، ثم نقل عن ابن عطية؛ أنه قال: " رأيت في أخبار الحسن بن أبي الحسن أنه سئل عن امرأة مترفة صنعت للعبها (جمع لعبة) عرساً، فنحرت جزوراً؟ فقال الحسن: لا يحل
(*) كذا في " تفسير ابن كثير "، ولعلّ الصواب: فالذبح
…
إلخ، فتأمل. [ناشر ط 3].
أكلها، فإنها إنما نحرت لصنم " (2/ 224).
وقال النووي في " شرح مسلم " عند الكلام على حديث: " لعن من ذبح لغير الله ": " وأما الذبح لغير الله؛ فالمراد به أن يذبح بغير اسم الله تعالى؛ كمن ذبح لصنم، أو للصليب، أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما، أو للكعبة، ونحو ذلك؛ فكل هذا حرام.
ولا تحل الذبيحهّ؛ سواء كان الذابح مسلماً أو نصرانيّاً أو يهوديّاً، نص عليه الشافعي، واتفق عليه أصحابنا.
فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له؛ كان ذلك كفراً؛ فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك؛ صار بالذبح مرتدّاً.
وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه؛ أفتى أهل بخارى بتحريمه؛ لأنه مما أهل به لغير الله تعالى.
قال الرافعي: هذا إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه؛ فهو كذبح العقيقة لولادة المولود، ومثل هذا لا يوجب التحريم، والله أعلم ".
وتفسير النووي الذبح لغير الله بالذبح بغير اسمه تعالى مبني على المعقول من أن ما يراد به غير الله يذكر عليه اسم ذلك الغير، وذكر اسم الله في هذه الحالة لغو؛ لأن النية هي علة التحريم، وتقدم تصريح ابن كثير بعدم الاعتداد بالتسمية في هذه الحال، ويأتي مثله عن الشاطبي، ومما لا ريب فيه أن المعاقرين قد ذكروا اسم الله عند العقر، ومع ذلك جعله علي مما أهل به لغير الله، وعطف النووي العبادة على التعظيم تقييد للتعظيم بما كان فيه معنى العبادة، ونقله عن الرافعي غير مخالف لفتوى أهل بخارى إلا بالقصد، فهو خلاف في حال؛ فمن قصد التقرب للأمير، صدقت عليه تلك الفتوى، ومن
قصد مجرد السرور؛ أفتي له بقول الرافعي.
وقال الشاطبي في " الموافقات ": " روى ابن حبيب عن ابن شهاب أنه ذكر له أن إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي أجرى عيناً، فقال له المهندسون عند ظهور الماء: لو أهرقت عليها دماً؛ كان أحرى أن لا تغيض ولا تهور فتقتل من يعمل فيها. فنحر جزائر حين أرسل الماء، فجرى مختلطاً بالدم، وأمر فصنع له ولأصحابه منها طعام، فأكل وأكلوا، وقسم سائرها بين العمال فيها. فقال ابن شهاب: بئس والله ما صنع، ما حل له نحرها ولا الأكل منها، أما بلغه أن رسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يذبح للجن (202)؟! لأن مثل هذا- وإن ذكر اسم الله عليه- مضاهٍ لما ذبح على النصب وسائر ما أهل لغير الله به.
وكذلك جاء النهي عن معاقرة الأعراب، وهي أن يتبارى الرجلان، فيعقر كل واحد منهما يجاود به صاحبه، فأكثرهما عقراً أجودهما، نهي عن أكله؛ لأنه مما أهل به لغير الله.
(202) موضوع: أخرجه ابن حبان في " المجروحين "(2/ 19) من طريق عبد الله بن أُذينة عن ثور بن يزيد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة " أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبائح الجِنّ ".
أورده في ترجمة عبد الله بن أذينة وقال فيه: " منكر الحديث جداً، يروي عن ثور ما ليس من حديثه، لا يجوز الاحتجاج به بحال "، وفي " اللسان " (3/ 257):" وقال الحاكم والنقاش: روى أحاديث موضوعة، وقال الدارقطني: متروك الحديث ".
ورواه أبو عبيد في " الغريب " والبيهقي من طريق يونس عن الزهري مرفوعاً.
قال الحافظ في " التلخيص "(4/ 145): " وهو من رواية عمر بن هارون وهو ضعيف مع انقطاعه ".
قلتُ: بل كذبه ابن معين وصالح جزرة، وقال ابن مهدي وأحمد والنسائي وغيرهم: متروك كما في " الميزان "(3/ 228)، وانظر:" ديوان الضعفاء "(3118) للذهبي.
قال الخطابي: وفي معناه ما جرت به عادة الناس من ذبح الحيوان بحضرة الملوك والرؤساء عند قدومهم البلدان، وأوان حوادث يتجدد لهم، وفي نحو ذلك من الأمور، وخرج أبو داود:«نَهَى- صلى الله عليه وسلم عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ» (203)، وهما المتعارضين ليرى أيهما يغلب صاحبه.
فهذا وما كان نحوه إنما شرع على جهة أن يذبح على المشروع بقصد مجرد الأكل؛ فإذا زيد فيه هذا القصد؛ كان تشريكاً في المشروع، ولحظاً لغير أمر اللهِ تعالى، وعلى هذا وقعت الفتيا من ابن عتاب بنهيه عن أكل اللحوم في النيروز، وقوله فيها: إنها مما أهل لغير الله به، وهو باب واسع " (2/ 215).
قوله: " وقد جاء النهي عن معاقرة الأعراب ": أخرجه أبو داود عن ابن عباس، قال:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ» (204).
(203) صحيح: أخرجه أبو داود (2/ 138) عن جرير بن حازم، والحاكم (4/ 128 - 129) عن هارون ابن موسى النحوي، كلاهما عن الزبير بن الخِرّيت عن عكرمة عن ابن عباس، قال:
…
" فذكره مرفوعاً.
وقال الحاكم: " صحيح الإِسناد ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي!
وقال أبو داود: " أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس، وهارون النحوي ذكر فيه عن ابن عباس أيضاً، وحماد بن زيد لم يذكر ابن عباس ".
قلتُ: يريد أن أكثر الرواة أرسلوه، فالمحفوظ هو المرسل، وهو الذي صوّبه الحافظ الذهبي في " الميزان "(1/ 334) و " السير "(8/ 527)، لكن للحديث شاهد عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:«الْمُتَبَارِيَانِ لَا يُجَابَانِ وَلَا يُؤْكَلُ طَعَامُهُمَا» أخرجه البيهقي في " شعب الإِيمان "؛ كما في " الجامع الصغير "(6/ 259) للسيوطي، وزاد في " فيض القدير " نسبته لابن لال والديلمي، وانظر:" الصحيحة "(626) أيضاً.
(204)
حسن: أخرجه أبو داود (2/ 6)، قال: حدثنا هارون بن عبد الله ثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن =