الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]، {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 85]، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116].
هذا بياننا للشرك الشرعي؛ فإن كان فيه طول؛ فإنا نقصد فيما نبسط إفهام العامة وإفحام المعاندين.
•
أقسام الشرك وأحكامها:
وأقسام الشرك قد استوفتها آية سبأ، قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22 - 23]، فجعلت الآية أقسام الشرك أربعة، ونفتها كلها، ولنضع لكل قسم اسماً يمتاز به:
الأول: شرك الاحتياز: فنفى سبحانه أن يكون غيره مالكاً لشيء يستقل به، ولو كان في الحقارة مثقال ذرة في العالم العلوي أو في العالم السفلي.
الثاني: شرك الشياع: فنفى سبحانه أن يكون لغيره نصيب يشاركه فيه كيفما كان هذا النصيب في المكان والمكانة.
الثالث: شرك الإِعانة: فنفى جل شأنه أن يكون له ظهير ومعين من غير أن يملك معه، كما يعين أحدنا مالك متاع على حمله مثلاً.
الرابع: شرك الشفاعة: فنفى تعالى أن يوجد من يتقدم بين يديه يدل بجاهه ليخلص أحداً بشفاعته.
فهو تعالى لم يقبل من أقسام الشركة حتى أضعفها وأخفاها، وهي الشركة بالجاه في تحصيل السلامة والنجاة؛ إلا بعد الإِذن للشفيع، وتعيين المشفوع له، وحينئذ لا تكون في الشفاعة رائحة الشركة، بل الشفاعة- كغيرها من وجوه النفع- هي لله وحده.
ولم يخرج عن الآية شيء من أقسام الشركة؛ لأن الشريك إما في الملك، وإما في التصرف، والأول: إما أن يحتاز قسطه، وإما أن يكون على الشياع، والثاني: إما أن يعين المالك، وإما أن يعين أحداً عند المالك؛ فتلك الأقسام الأربعة مرتبة ترتيبها في الآية، وتلك الأقسام على ظهورها من الآية لم أر من أعرب عنها هذا الإِعراب.
وقسم أبو البقاء الحنفي في " كلياته " الشرك إلى ستة أقسام؛ فقال: " والشرك أنواع: شرك الاستقلال: وهو إثبات شريكين مستقلين؛ كشرك المجوس. وشرك التبعيض: وهو تركيب الإِله من آلهة؛ كشرك النصارى. وشرك التقريب: وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية. وشرك التقليد: وهو عبادة غير الله تبعاً للغير؛ كشرك متأخري الجاهلية. وشرك الأسباب: وهو إسناد التاثير للأسباب العادية؛ كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك. وشرك الأغراض: وهو العمل لغير الله. فحكم الأربعة الأول الكفر بإجماع، وحكم السادس المعصية من غير كفر بإجماع، وحكم الخامس التفصيل؛ فمن قال في الأسباب العادية: إنها تؤثر بطبعها؛ فقد حكي الإِجماع على كفره، ومن قال: إنها تؤثر بقوة أودعها الله فيها؛ فهو فاسق "(*)[ص:216].
(*) أبو البقاء أشعري مُتكلِّم، وكون الأسباب تُؤثر بقوة أودعها الله فيها هو مذهب السلف؛ فلا يُغترّ بأشعرية أبي البقاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- ولله دره-:
" الأشعري ومن وافقه لا يُثبتون في المخلوقات قوى ولا طبائع، ويقولون: إن الله فعل عندها لا بها، ويقولون: إن قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل
…
"، ثم قال شيخ الإسلام: =
وهذه الأقسام متفاوتة قوةَ وضعفاً، ولكنها متحدة في الحكم عليها بالكفر، إذا استثنينا أحد وجهي النوع الخامس، أما السادس؛ فقد أخرجه أيضاً أبو البقاء، وحقه التفصيل؛ كالذي قبله، فإن العمل لغير الله: إما نفاق، أو رياء، والأول كفر اتفاقاً، والثاني معصية من غير كفر إجماعاً، ولكن ما خرج من هذه الوجوه عن حكم الكفر؛ فإنه ذريعة إليه، ولهذا تناوله لفظ الشرك كبقية الأقسام.
والنوع الثاني عند أبي البقاء خارج عن الآية؛ لبعده عن العقل والطبع معاً، والأول عنده شامل للأول والثاني في الآية، والثالث والرابع عنده يشملهما الرابع في الآية، والخامس والسادس يتناولهما الثالث في الآية، الذي هو شرك الإِعانة؛ لأن المعتمد على الأسباب مستعين بها، والمرائي والمنافق مستعينان بمن يعملان له.
نعوذ بالله من جملة الشرك وتفصيله، قويه وضعيفه، جليه وخفيه.
إِنَّ الْأُمُورَ دَقِيقَهَا
…
مِمَّا يَهِيجُ لَهُ الْعَظِيمُ
• • • • •
=
" وهذا قول من ينكر الأسباب والقوى التي في الأجسام، وينكر تأثير القدرة التي يكون بها الفعل ويقول: إنه لا أثر لقدرة العبد أصلًا في فعله
…
" حتى قال شيخ الإسلام:
" ومذهب سلف الأمة وأئمتها وجمهور أهل السنة المثبتة للقدر من جميع الطوائف يقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة، وإن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية، ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية، بل يُقرُّون بما دلّ عليه الشرع والعقل من أن الله تعالى يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب وينبت النبات بالماء، ولا يقولون: القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها، بل يُقرون بأن لها أثراً لفظاً ومعنى، لكن يقولون: هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها، والله تعالى خالق السبب والمسبب
…
" إلخ. بتصرف من " لوامع الأنوار البهية " (1/ 312 - 313).