الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأويل نصوص الدين في اختصاص الله بعلم الغيب، والحق إبقاء تلك النصوص على عمومها، وإخراج ما هو من قبيل الإِلهام والرؤيا عن علم الغيب، وصرف ما يراد منه علم الغيب من الحكايات عن باب الكرامات بما يناسبها من وجوه الصرف.
هذا تقويمنا لكلام الرازي في تفسير سورة الجن الذي نقض به ما صرح به في تفسير سورتي البقرة وآل عمران.
والذي أوقعه في هذه المناقضة وأنساه ما أصَّله أولاً ولوعه بمناقضة الزمخشري؛ فإنه ادعى في " كشافه " أن آية الجن مبطلة للكرامات، ولكن ابن المنير في " حاشيته " عليه أقام حيفه من غير أن ينقض ما أصله القرآن، فقال:" ادعى عامّاً واستدل خاصّاً، فإن دعواه إبطال الكرامات بجميع أنواعها، والمدلول عليه بالآية إبطال اطلاع الولي على الغيب خاصة ".
•
بيان وجهة نظر ابن خلدون في كلامه على علم المخلوق الغيب:
وكلام ابن خلدون في بعض فصول الفصل السادس من " مقدمته " لم ينظر فيه إلى الناحية الدينية، وإنما تأثر فيه بالحكايات التي ظاهرها عدم اختصاص الله بعلم الغيب مما هو منتشر بين العامة أكثر مما هو معلوم للخاصة، فحاول تعليلها تعليلًا فلسفيّاً، فكان بذلك متطلعاً لفهم أسرار الطبيعة، لا متقيداً بتقرير أحكام الشريعة.
ونحن نعتقد أن عقول البشر قاصرة عن الإِحاطة بأسرار الخليقة، وأن التسليم لنصوص الكتاب والسنة أولى من التخرص في تعليل مظاهر الكون بما يخالف تلك النصوص.
•
الإِلهام والتحديث والفراسة:
وإذ [قد] فرقنا بين علم الغيب وما يلتبس به من الرؤيا والإلهام، فلنذكر
كلمة الشارع في الرؤيا والإلهام، ثم نمثل لهما بمثالين كثر إيرادهما في مبحث الكرامات:
أما الإِلهام؛ فالمراد به الإِلهام الخاص دون العام الذي قال الله فيه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7 - 8].
والإِلهام الخاص هو الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحديث؛ إذ قال: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ نَاسٌ مُحَدَّثُونَ؛ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ؛ فَإِنَّهُ عُمَرُ» (64). أخرجه الشيخان.
وعبر عنه أيضاً بالفراسة، فقال صلى الله عليه وسلم:«اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ؛ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» ، ثم قرأ قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75](65)؛ قال: " المتفرسين ".
(64) أخرجه البخاري في (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب، 7/ 42/ 3689) عن أبي هريرة، ومسلم في (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه، 4/ 1864/ 2398) عن عائشة.
(65)
ضعيف: أخرجه الترمذي (8/ 554 - 555/ 5133 - تحفة)، وغيره- ممن ذكرهم المؤلف- من طريق عطيّة عن أبي سعيد الخُدري به، وقال:" هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه ". قلتُ: وعلّته عطيّة- وهو ابن سعد العوفي الكوفي-؛ فإنه ضعيف مدلّس كما في " الميزان " و " التقريب ".
وللحديث طرق أخرى عن غير واحد من الصحابة، لكن كلّها معلولة لا يصح منها شيء.
انظر: " المقاصد الحسنة "(23) للسخاوي، و " الضعيفة "(1821) للألباني.
" تنبيه ": وأمّا زيادة المؤلف في آخر هذا الحديث: " قال: المتفرسين "؛ فلم أقف عليها مرفوعة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فهي مدرجة! نعم، قال الترمذي بعد قوله السابق:" وقد رُوي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}، قال: لِلمتفرسين "، والعلم عند الله تبارك وتعالى.