الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإِفضال، وهو الله تعالى، ولهذا قال: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
…
} [الإِسراء: 23]، ويقال: طريق معبد، أي: مذلل بالوطء، وبعير معبد: مذلل بالقطران، وعبدت فلاناً: إذا ذللته وإذا اتخذته عبداً، قال تعالى:{أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22].
•
الفرق بين العبادة والطاعة:
وفي " فروق العسكري ": " الفرق بين العبادة والطاعة أن العبادة غاية الخضوع، ولا تستحق إلا بغاية الإِنعام، ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلا مع المعرفة بالمعبود، والطاعة الفعل الواقع على حسب ما أراده المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممَّن يفعل ذلك، وتكون للخالق والمخلوق، والعبادة لا تكون إلا للخالق، والطاعة في مجاز اللغة تكون اتباع المدعو الداعي إلى ما دعاه إليه، وإن لم يقصد التبع؛ كالإِنسان، يكون مطيعاً للشيطان وإن لم يقصد أن يطيعه، ولكنه اتبع دعاءه وإرادته "[ص:182].
ومجاز الطاعة الذي ذكره العسكري لا يختص بها، بل تستعمل فيه العبادة أيضاً، ففي الكتاب العزيز:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 65]، {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} [مريم: 44].
وقال الأعشى:
وَلَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا
•
تحرير القول في العبادة لغة وشرعاً:
ودل كلام هؤلاء الأئمة أولًا أن العبادة كيفما عبر عنها وكيفما تصرفت في الاستعمال تحمل معنى الذل والسهولة، فالعبد المملوك ذليل بالرق، والطريق
المعبد سهل على المارة، وتفسير العبادة بالانقياد والخضوع لأنهما لازمان للذل والسهولة، وتفسيرها بالطاعة توسع.
والعبارة المُعْرِبة عن العبادة هي ما يعبر عنه الجمع بين كلام " المصباح " أوله وآخره، وهو الانقياد والخضوع على وجه التقرب، وثانياً: أن سببها الذي تستحق به هو الإِنعام والإِفضال، وثالثاً: أن شرطها معرفة المعبود، ورابعاً: أن مستحقها هو الله وحده.
والتعريف الذي استخلصناه من " المصباح " يتضمن ذلك كله؛ فإن الانقياد والخضوع إلى أحد يبعث عليهما الرغبة فيما يملك من نعمة، والتقرب إليه يستدعي معرفته، ثم من اعتقد انفراد الله بالنعم؛ تقرب إليه وحده بالعبادة، ومن جهل فظن غير الله منعماً بشيء، اعتقد استحقاقه أيضاً للعبادة، فوقع في الشرك، فكان هذا التعريف أصدق عبارة عن معنى العبادة.
وترى الشيخ محمد عبده في " تفسير المنار " يتبرم من قصور عبارة المتقدمين عن تحديد معنى العبادة، ويطيل القول في تقرير ذلك القصور، ثم يجهد نفسه في استخراج معناها من تتبع آي القرآن وأساليب اللغة واستعمال العرب، فإذا هو لا يخرج عند التأمل عن التعريف الذي ذكرنا، ولكن ننقل من كلامه ما يصلح إيضاحاً وافياً لتعريفنا، ونرضى عن طوله لبلاغته وعظم فائدته.
قال رحمه الله: " تدل الأساليب الصحيحة والاستعمال العربي الصراح على أن العبادة ضرب من الخضوع بالغ حد النهاية، ناشئ عن استشعار القلب عظمة للمعبود لا يعرف منشأها، واعتقاده بسلطة له لا يدرك كنهها وماهيتها، وقصارى ما يعرفه منها أنها محيطة به، ولكنها فوق إدراكه؛ فمن ينتهي إلى أقصى الذل لملك من الملوك لا يقال: إنه عبده، وإن قبل موطئ أقدامه، ما دام سبب الذل والخضوع معروفاً، وهو الخوف من ظلمه المعهود، أو الرجاء