الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتواصل وكان يكره الكسل ويمقت الكسالى من تلاميذه أو من زملائه، وكان أيضاً كريم النفس، حسن المعاشرة، حليماً بشوشاً، محباً لتلاميذه، محترماً لأصدقائه، وكان متواضعاً، يكره الإعلان عن شخصه، وكثيراً ما يفر من مواطن الظهور، ولا يحب أن يلفت الأنظار إليه.
- يقول تلميذه أحمد قصيبة:
" وفي سنة (1940 م) لما توفي الأستاذ الجليل الشيخ عبد الحميد رحمه الله، عُيّن خلفاً له لإدارة شؤون " الجامع الأخضر " والإشراف على الدروس، فلما تربّع ذات يوم على مقعد أستاذه الراحل العظيم، وجلت نفسه، وعظم الأمر لديه، وأثر فيه هول الموقف من تذكر رئيسه وأستاذه حتى سالت عبراته سخينة على خديه تواضعاً وإشفاقاً على نفسه أن تغتر أو تتطاول بتبوئها ذلك المقعد "(1).
- وقال فيه الأستاذ أحمد توفيق المدني رحمه الله تعالى:
" إن قرّر مسألة فبقوة وإيمان واقتناع، وإن جادل فبالتي هي أحسن، وإن خالفك في الرأي فمن غير عناد أو تعصب، وإن حاضر أو سامر فالدرّ المنثور، وأنهار من عسل مصفّى، كل ذلك في تواضع محمود وخلق كريم، وأريحيه فاضلة، وشهامة وشمم بلغا درجة الكمال "(2).
•
ثناء أهل العلم والفضل عليه:
- قال أمير البيان شكيب أرسلان رحمه الله تعالى:
" وأمّا ((تاريخ الجزائر)) فوالله ما كنت أظن في الجزائر من يفري هذا الفري، ولقد أعجبت به كثيراً، كما إني معجب بكتابة ابن باديس، فالميلي وابن باديس والعقبي والزاهري: حملة عرش الأدب الجزائري الأربعة "(3).
(1) انظر: " البصائر " - العدد (26) من " السلسلة الثانية ".
(2)
انظر: " البصائر " - العدد (26).
(3)
انظر: مقدمة " تاريخ الجزائر "(1/ 11) بقلم محمد بن مبارك الميلي.
- وقال العلاّمة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى:
" حياة كلّها جدّ وعمل، وحي كلّه فكر وعلم، وعمر كلّه درس وتحصيل، وشباب كلّه تلقٍّ واستفادة، وكهولة كلّها إنتاج وإفادة، ونفس كلّها ضميرٌ وواجبٌ، وروح كلها ذكاء وعقل، وعقل كلّه رأي وبصيرة، وبصيرة كلّها نور وإشراق، ومجموعة خلال سديدة وأعمال مفيدة قلَّ أن اجتمعت في رجل من رجال النهضات، فإذا اجتمعت هيأت لصاحبها مكانه من قيادة الجيل، ومهّدت له مقعده من زعامة النهضة.
ذلكم مبارك الميلي الذي فقدته الجزائر من ثلاث سنين، ففقدت بفقده مؤرخها الحريص على تجلية تاريخها المغمور، وإنارة جوانبه المظلمة، ووصل عراه المنفصمة، وفقدته المحافل الإصلاحية ففقدت منه عالماً بالسلفية الحقة عاملاً بها، صحيح الإدراك لفقه الكتاب والسنّة، واسع الاطلاع على النصوص والفهوم، دقيق الفهم لها، والتمييز بينها والتطبيق لكلياتها، وفقدته دواوين الكتابة ففقدت كاتباً فحل الأسلوب، جزل العبارة، لبقاً بتوزيع الألفاظ على المعاني، طبقة ممتازة في دقة التصوير والإحاطة بالأطراف وضبط الموضوع والملك لعنانة، وفقدته مجالس النظر والرأي ففقدت مدرهاً لا يبارى في سوق الحُجّة وحضور البديهة وسداد الرميّة والصلابة في الحق والوقوف عند حدوده، وفقدته " جمعية العلماء " ففقدت ركناً باذخاً من أركانها، لا كلاً ولا وَكلاً، بل نهّاضاً بالعبء، مضطلعاً بما حُمّل من واجب، لا تؤتى " الجمعية " من الثغر الذي تكل إليه سدّه، ولا تخشى الخصم الذي تسند إليه مراسه، وفقدت بفقدة عَلَماً كانت تستضيء برأيه في المشكلات، فلا يرى الرأي في معضلة إلاّ جاء مثل فلق الصبح " (1).
ثم قال: " يشهد كل من عرف مباركاً وذاكره أو ناظره أو سأله في شيء مما
(1) انظر: " البصائر " - العدد (26)" وأثار محمد البشير الإبراهيمي "(3/ 39 - 43).
يتذاكر فيه الناس أو يتناظرون أو يسأل فيه جاهله عالمه أو جاذبه الحديث في أحوال الأمم ووقائع التاريخ وعوارض الاجتماع، أنه يخاطب منه عالماً أيّ عالم، وأنه يناظر منه فحل عراك وجدل حكاك، وأنه يساجل منه بحراً لا تخاض لجته وحبراً لا تدحض حجته، وأنه يرجع منه إلى عقل متين ورأي رصين ودليل لا يضل ومنطق لا يختل، وقريحة خصبة وذهن صيود وطبع مشبوب وألمعية كشافة.
هكذا عرفنا مباركاً وبهذا شهدنا، وهكذا عرفه من يُوثق بمعرفتهم ويُرتاح إلى إنصافهم ويطمأنّ إلى شهادتهم، لا نختلف في هذا ".
- وقال الأستاذ المؤرّخ أحمد توفيق المدني رحمه الله تعالى:
" لقد كان من رجالنا المعدودين، وكأن من بُناة قوميتنا المذكورين، وكان من الذين خلّدوا أسماءهم بأعمالهم الجليله، وجهادهم الموفق في صفحات التاريخ الوطني الحافل الثري ".
" كان رحمه الله أوّل من عرفت في القطر الجزائري من رجال العمل الصحيح والوطنيه الحقة ".
" وأقسم أنني ما عملت مع أحد عملاً أحب إلي وأمتع لنفسي- إذا استثنيت سني الجهاد ضمن الحزب الدستوري التونسي- من عملي ذلك، خلال تلك الفترة القصيرة إلى جانب مبارك الميلي.
ولقد رأيت فيه يومئذِ خلالاً جَعَلَتْه في نظري نموذج المؤرخ الصادق، وهذه شهادة أؤديها للمعاصرين وللأجيال: صبر على البحث، وغلوّ في التحقيق والتدقيق، ومهارة منقطعة النظير في المقابلة بين النصوص، ونظرة صائبة في استجلاء الغوامض، وحكم صادق في أسباب الحوادث ونتائجها، ومهارة في الترتيب والتبويب، وحسن سبك يجعل التاريخ كلّه كالسلسلة المفرغة " (1).
(1)" البصائر " - العدد (26).