الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيردون عليه بأنه بشر، وأن من آمن به من الطبقة المنحطة في مجتمعهم، وأنه وهؤلاء المؤمنين لا يعلمون لهم فضلًا عليهم، كأنهم علموا للأصنام فضلاً على جميع الأنام فعبدوها، واستمروا على هذا الضلال عدة أجيال، يوصي فيها السلف الخلف؛ بأن يعضوا بالنواجذ على وثنيتهم:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].
وأخذالخلف بوصية السلف، فلم يستمعوا لنبيهم على قوة حجته، ولم يتأثروا بآدابه على طول مدته، ولما لم يجدوا مدفعاً لبرهانه، واستبطؤوا عقوبة الله لهم بطوفانه، قالوا:{يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود: 32].
•
ذكر نوح في الكتاب:
[ما أحد] صَبَرَ صَبْرَ هذا الرسول وثَبَتَ ثباته، فخلدت ذكره سور القرآن وآياته، تجد حديثه في الأعراف ويونس وهود والأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات والقمر، واختص بسورة من المفصل سميت سورة نوح، وتجد اسمه دون قصته في سور أخر.
وفي تكرار قصته والعناية بتصريف القول فيها حض للدعاة على سلوك خطته، وزجر للأمم أن تحذو حذو أمته.
وفي ذكرنا لتلك السور إحالة للقارئ على ما فيها من عبر، ونكتفي هنا بإثبات روايات فيها بيان عن الذريعة التي انتهت بهم إلى الشرك.
•
الأخبار في منشأ الشرك:
1 -
ففي كتاب التفسير من " صحيح البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود؛
فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع؛ فكانت لهذيل، وأما يغوث؛ فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق؛ فكانت لهمذان، وأما نسر؛ فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا؛ أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم، عبدت " (38).
2 -
وأخرج الفاكهي عن عبيد الله بن عبيد بن عمير، قال:" أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجل منهم، فجزع عليه، فجعل لا يصبر عنه، فاتخذ مثالًا على صورته، فكلما اشتاق إليه؛ نظره، ثم مات، ففعل به كما فعل، ثم تتابعوا على ذلك، فمات الآباء، فقال الأبناء: ما اتخذ هذه آباؤنا إلا أنها كانت آلهتهم، فعبدوها ". نقله الحافظ في " الفتح "(8/ 543)، والسيوطي في " الدر المنثور "(6/ 269)، والروايات الثلاث بعد من " الدر " أيضاً.
وقوله: " فجزع عليه ": كذا نقله، من غير تصريح بفاعل الجزع، ولعل لفظة:" عليه " محرفة عن: " ابنه "، فيكون هو الفاعل، وبذلك ينسجم الكلام.
3 -
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله: {وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} ، قال:" كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح، فنشأ قوم بعدهم يأخذون كأخذهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صورهم فكنتم تنظرون إليهم، فصوروا، ثم ماتوا، فنشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها. فعبدوها ".
(38) أخرجه البخاري في (كتاب التفسير، باب {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ} (8/ 667/ 4920) عن ابن عباس موقوفاً.
4 -
وأخرج أبو الشيخ في " العظمة " عن محمد بن كعب القرظي؛ قال: " كان لآدم خمسة بنين: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، فكانوا عباداً، فمات رجل منهم، فحزنوا عليه حزناً شديداً، فجاءهم الشيطان، فقال: حزنتم على صاحبكم هذا؛ قالوا: نعم. قال: هل لكم أن أصور لكم مثله في قبلتكم إذا نظرتم إليه ذكرتموه؛ قالوا: لا؛ نكره أن تجعل لنا في قبلتنا شيئاً نصلي إليه. قال: فأجعله في مؤخر المسجد؛ قالوا: نعم. فصوره لهم، حتى مات خمستهم، فصور صورهم في مؤخر المسجد، وأخرج الأشياء، حتى تركوا عبادة الله، وعبدوا هؤلاء، فبعث الله نوحاً، فقالوا: {لَا تَذَرُنَّ وَدًّا
…
} [نوح: 20]، إلى آخر الآية ".
وقوله: " وأخرج الأشياء ": لا يظهر له معنى، ولعل فيه تحريفاً وحذفاً، وأصله: وأدرك الأبناء وتناسلوا؛ كما يأتي نحوه في الرواية التالية.
وفي " تفسير ابن كثير " عن ابن عباس: أن ودّاً ابن لآدم وأب لسواع ويغوث ويعوق ونسر.
5 -
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مطهر، قال:" ذكروا عند أبي جعفر يزيد بن المهلب، فقال: أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله، ثم ذكر ودّاً، قال: وكان ود رجلًا مسلماً، وكان محبباً في قومه، فلما مات، عسكروا حول قبره في أرض بابل، وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه، تشبه في صورة إنسان، ثم قال: أرى جزعكم على هذا، فهل لكم أن أصور لكم مثله، فيكون في ناديكم، فتذكرونه به؛ قالوا: نعم. فصور لهم مثله، فوضعوه في ناديهم، وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره؛ قال: هل لكم أن أجعل لكم في منزل كل رجل تمثالًا مثله، فيكون في بيته، فتذكرونه؛ قالوا: نعم. فصور لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا، فجعلوا يذكِّرونه به ". قال: " وأدرك