الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذا في الأصل (*)!! ولعل الواو في قوله: " وشاركه ": زائدة سهواً أو تحريفاً.
ولم يضبط الحسنة منها والسيئة، لأنه بصدد بيان أصل المعنى اللغوي، وضابط الحسنة ما كانت في الخير والصلاح؛ كالشفاعة عند الحكام ليقضوا حاج الناس، أو عند الصديق المستاء على صديقه ليستل منه استياءه، وضابط السيئة ما كانت في الشر والفساد، كالشفاعة عند الحكام لتعطيل الحدود الشرعية، وعند الحانوي ليسقي من كان على مثل حال القائل:
فَكَيْفَ لَنَا بِالشُّرْبِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا
…
دَرَاهِمُ عِنْدَ الْحَانَوِيِّ وَلَا نَقْدُ
ومعنى الحديث: ترغيبه صلى الله عليه وسلم لأصحابه في إعانة الناس عنده، سواء استطاع قضاء حاجهم أم لم يجد إليها سبيلاً.
قال الحافظ في " الفتح ": " وفي الحديث الحض على الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه، والشفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف "(10/ 270).
•
شفاعة الخالق إلى المخلوق:
وأما شفاعة الخالق إلى المخلوق؛ فممتنعة، محظور طلبها، لما في " سنن أبي داود " وغيرها- واللفظ له- عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعُ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَنْعَامُ؛ فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ وَبِكَ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ النبي - اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا زَالَ
(*) وما المانع من وجوده في الأصل فلا سهو ولا تحريف فالمعنى مستقيم. [ناشر ط 3].
يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ! إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ
…
" الحديث (143).
وإنما امتنع الاستشفاع بالله، لأن الشفيع سائل، والله مسؤول لا سائل، ثم الشفيع في أصل اللغة ليس على المشفوع إليه أن يطيعه بقبول شفاعته، ففي حديث بريرة رضي الله عنها، أنها لما عتقت، وخيرها النبي صلى الله عليه وسلم في فراق زوجها مغيث؛ اختارت فراقه، فجعل مغيث يبكي من حبه إياها، حتى رق له النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِبَرِيرَة:«لَوْ رَاجَعْتِهِ؟» . فَقَالَتْ: تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ» . قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ (144). أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، فلو قال لها صلى الله عليه وسلم: آمرك؛ لراجعت زوجها مغيثاً، ولمّا كانت الشفاعة لا تحمل معنى الأمر، بل تترك الاختيار للمشفوع إليه؛ أصرت على اختيارها الفراق؛ فلا جرم كانت الشفاعة إلى أحد مما يجلّ عنه مقام الألوهية.
(143) ضعيف: أخرجه أبو داود (2/ 276) من طريق محمد بن إسحاق يحدّث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جدّه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيّ
…
فذكره، وزاد:" ويحك؛ أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته لهكذا- وقال: بأصبعه- مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ".
وسنده ضعيف: ابن إسحاق مدلّس وقد عنعنه، فلا يقبل حديثه إلّا إذا صرح بالتحديث، وجبير بن محمد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(2/ 513)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلًا سوى رواية يعقوب بن عتبة وحصين بن عبد الرحمن عنه! وفي " التقريب ":" مقبول " يعني عند المتابعة،! وإلّا؛ فليّن الحديث كما نص عليه في المقدّمة، والله أعلم.
انظر: " مختصر السنن "(7/ 97 - 101) للمنذري، و " ظلال الجنة "(1/ 252 - 253/ 575 و576) للألباني، و " تفسير ابن كثير "(1/ 550).
(144)
أخرجه البخاري (9/ 408/ 5283) عن ابن عباس.