الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نذراً: إن رأى ما يحب؛ يذبح كذا وكذا من غنمه؛ فإذا وجب؛ ضاقت نفسه من ذلك، فيعتر بدل الغنم ظباء ".
وتقدم بيان العتر في الفصل العاشر، وذكرنا ثمت طريقتهم في النذر لله والأصنام التي نعتها تعالى بقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ
…
} الآية [الأنعام: 136]، وهذا يحتمل أن يكون من النذر المطلق، فتكون العرب قد عرفت نوعي النذر، ولكن لم تجر فيهما على شرع إلهي؛ فأنكر عليها الإِسلام نذرها.
قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [المائدة: 153].
وقال: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 56].
وعن ابن عمر؛ أنه قال: أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ؟ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ البَخِيلِ» . أخرجه الشيخان وغيرهما (213).
•
الغرض من نذر المجازاة وحكمه:
ونذر المجازاة لا يخلو: إما أن يعتقد الناذر أن له دخلاً في تحقيق ما علقه عليه أو لا.
وعلى الحالة الأولى حمل الخطابي في " معالم السنن " حديث ابن عمر، فقال: " وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجلب لهم [في] العاجل نفعاً،
(213) أخرجه البخاري (11/ 575/ 6692)، ومسلم (3/ 1260 - 1261/ 1639)، وأبو داود (2/ 78)، والنسائي (7/ 15 - 16)، وابن ماجه (2122)، والدارمي (2/ 185)، وأحمد (5275 و5592 و5994) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ولا يصرف عنهم ضرّاً، ولا يرد شيئاً قضاه الله؛ يقول: فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئاً لم يقدره الله لكم، أو تصرفون عن أنفسكم شيئاً جرى القضاء به عليكم " (4/ 53).
وعلى الحالة الثانية حمله الباجي في " المنتقى "، فقال:" إنما معنى ذلك أن تنذر لمعنى من أمر الدنيا، مثل أن تقول: إن شفى الله مريضي، أو قدم غائبي، أو نجاني من أمر كذا، أو رزقني كذا، فإني أصوم يومين، أو أصلي صلاة، أو أتصدق بكذا، فهذا المكروه المنهي عنه "(3/ 228).
وأباح ابن رشد في المقدمات هذه الحالة، وفي قوله وقول الباجي يقول خليل:" وفي كره المعلق قولان ".
وذكر القرطبي في " المفهم " الحالتين، فنقل عنه الحافظ في " الفتح " أنه قال: " هذا النهي محله أن يقول مثلاً: إن شفى الله مريضي، فعليَّ صدقة كذا. ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور؛ ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى؛ لما صدر منه، بل سلك فيها مسلك المعاوضة، ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه؛ لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه حالة البخيل؛ فإنه لا يخرج من ماله شيئاً إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالباً، وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله:«وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ البَخِيلِ» ؛ ما لم يكن البخيل يخرجه.
قال: وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر، وإليهما الإِشارة بقوله في الحديث أيضاً:«فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا» ، والحالة الأولى تقارب الكفر، والثانية خطأ صريح.
قلت (هو الحافظ): بل تقرب من الكفر أيضاً.