الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وقد تصرف الأئمة في الآيات النازلة في الأمم الماضية واستنبطوا منها أحكاماً لهذه الأمة.
•
تعميم الآيات على غير من نزلت فيهم:
إن تنزيل الآيات النازلة فيمن قبلنا على أهل ديننا هو تطبيق للنص على الحادثة، ونصيحة للمؤمنين أن لا يغتروا بالنعوت اللفظية، ويدعوا الصفات النفسانية التي هي أصل تلك النعوت؛ فلا يفيد المرء أن ينعت بالمسلم وصفاته النفسانية صفات مشرك ضال أو كتابي معاند.
وقد وضع العلماء قاعدتين في هذا الباب:
إحداهما: قولهم: " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ".
والثانية: هي " شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ ".
وقد شرع الله لمن قبلنا عقائد وأعمالًا أنكر عليهم مخالفتها، ولم يرد ناسخ يعفينا من ذلك الإِنكار عند وقوع المخالفة منا، وكثيراً ما نجد في عبارات المفسرين أن الآية نزلت في بني إسرائيل مثلًا، وأنها متناولة من كان على مثل حالهم من هذه الأمة، مثل آية الكاتمين للعلم ولعنهم، ومثل آية:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: 44].
ويشهد للتعميم آيات وأحاديث وآثار نذكر بعضها فيما يلي:
•
أدلة التعميم:
1 -
قال تعالى في وصف كتابه: {هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة: 185]؛ فإن كان الذين نريد هدايتهم بالقرآن من الناس، فلم نزد على أن أوصلناهم لحقهم
من كتاب ربهم.
2 -
وقال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]؛ فعطف على ضمير المخاطبين من المشركين من بلغه القرآن في زمنهم وبعد عصرهم.
3 -
وقال: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 51]، والذين يخافون الحشر هم المؤمنون ومن هم مظنة الإِيمان ممن لم يطبع الله على قلوبهم؛ فلم تخص الآية المشركين بالإِنذار.
4 -
وقال بعد حكاية حادثة قوم لوط: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83]؛ فسر البغوي الظالمين هنا بمشركي مكة أو ظالمي هذه الأمة، والجمع بين الوجهين غير ممتنع، وعلى كل حال دلت الآية على إلحاق المتأخر بالمتقدم في استحقاق عقوبته متى كان على مثل حالته.
وفسر ابن كثير الآية على التعميم، فجعلها بمعنى حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» (26). أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقي، وحكي عن أبي حنيفة أنه يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل الله بقوم لوط.
فالآية دلت على أن ما أصاب قوم لوط غير خاص بهم، والحديث دل على تنفيذ حكمها فيمن أشبههم، وقول أبي حنيفة دل على مراعاة صفة التنفيذ.
(26) صحيح: خرّجه- متتبعاً طرقه وشواهده، مبيّناً من صححه من الأئمة الحفاظ- الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في رسالته " بلوغ المأمول في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم "، المطبوعة ضمن كتابه " الحاوي للفتاوي "(3/ 110 - 115)؛ فلتنظر بتعليقاتنا، والله الموفق.
5 -
وأخرج أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا! اتَّقِ اللَّهَ، وَدَعْ مَا تَصْنَعُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ. ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ؛ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ؛ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ» .
ثُمَّ قَالَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ
…
} إلى قوله: {فَاسِقُونَ} [المائدة: 78 - 81].
وهذا الحديث صريح في تنزيل ما نزل في اليهود على المسلمين.
(27) ضعيف: أخرجه أبو داود (2/ 216)، والترمذي (8/ 412 - 414/ 5038 و 5039 و 5040) بنحوه، وكذا ابن ماجه (4006)، وأحمد (5/ 268/ 4713)، والطبراني (10/ 179 - 181/ 10364 - 10268)، وابن وضاح في " البدع والنهي عنها "(ص 89 و 90) وغيرهم من طرق عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً.
وهذا سند ضعيف؛ فـ " إنَّ أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه؛ فهو منقطع "، كما قال الحافظ المنذري في " مختصر السنن "(6/ 187).
وانظر: " تعليق العلّامة أحمد شاكر على " المسند "، و " الضعيفة " (1105)، و " ضعيف [الجامع الصغير " (1822)، و " سنن أبي داود " (932)، و " سنن الترمذي " (582 و 583)، و " سنن ابن ماجه " (867)]: خمستها لمحدّث العصر.
6 -
وروى الشيخان عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ، يحذر ما صنعوا (28).
فقد فهما أن اللعنة غير خاصة بأهل الكتابين، وأن المقصود تحذير المسلمين من فعلهم، حتى لا تشملهم لعنتهم، ومنزلتهما في العلم والدين منزلتهما.
وتقدم (*) حديث أبي سعيد الخدري في سلوكنا سبيل من قبلنا في المخالفة؛ فكان الواجب أن نعتني بما نزل في غيرنا لنحفظ أنفسنا من مشابهتهم في العقائد الزائفة، والأقوال المنكرة، والأفعال الخاطئة.
7 -
وفي " سيرة الحسن البصري " لأبي الفرج ابن الجوزي: أن الحسن قال: " رحم الله رجلًا خلا بكتاب الله، وعرض عليه نفسه، فإن وافقه، حمد ربه وسأله المزيد من فضله، وإن خالفه؛ تاب وأناب ورجع من قريب "[ص:45]
8 -
وقال أبو عبد الله الأبلي التلمساني المتوفى منتصف القرن الثامن: " لولا انقطاع الوحي؛ لنزل فينا أكثر مما نزل في بني إسرائيل " لأننا أتينا أكثر مما أتوا ". نقله ابن مريم في " البستان " (218).
9 -
وقال الحافظ ابن حجر المتوفى منتصف القرن التاسع في " فتح الباري " بعدما أشار إلى كثرة ما أنذر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته: " وقد وقع معظم ما أنذر به، وسيقع بقية ذلك "(13/ 256).
(28) أخرجه البخاري (1/ 532/ 435 و436)، ومسلم (1/ 377/ 531).
(*) مضى مخرجاً برقم (19).