الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
تمثيل حال الشرك:
أما بعد؛ فإن حقّ الله على عباده أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً، وإن نسبة الشرك من التوحيد نسبة الليل من النهار والعمى من الإِبصار، يعرض للأمم الموحدة كما يعرض الظلام للضياء، ويطرأ عليها كما تطرأ الأسقام على الأجسام؛ غير أن الظلام باعث لنوم الأبصار لإِفادة الراحة للأشباح، أما الشرك، فعلة لنوم البصائر، الموجب لشقاء الأرواح.
وإذا كان حفظ الصحة بالغذاء والدواء، فإن حفظ التوحيد بالعلم والدعوة، ولا يحفظ التوحيد علم كعلم الكتاب والسنة، ولا تجلّي الشرك دعوة كالدعوة بأسلوبهما.
•
أثر إهمال الدعوة بالكتاب والسنة:
وقد مرت أعصر أهمل جلّ العلماء فيها شأن الدعوة، أو حادوا فيها عن أسلوب القرآن والحديث؛ فجهل جمهور المسلمين عقائد الإِسلام، أو خفي عليهم ما ينافيها، وطال عليهم الأمد، فطرأ عليهم ما طرأ على الأمم قبلهم من عقائد زائفة وبدع سائدة، حتى ظنوا الإِسلام جنسية تتمشى مع الأنساب، لا أنه عقائد وآداب تنال بالتلقين والاكتساب؛ فإن منَّ الله عليهم بمن يتلو عليهم الكتاب ويعظهم بآياته، كانوا أشبه حالًا بالذين وصفهم الله بقوله:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [الحج: 172] بل كم سطوا!! وبفسادهم اغتبطوا!!
•
حياطة الدين وحفظه:
أفضت أمة خاتم النبيين إلى ما أفضت إليه أمم الأنبياء الأولين؛ فكانوا {كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
فَاسِقُونَ} [الحديد: 116] وكاد دين الإِسلام يعتريه ما اعترى الأديان قبله، فتطغى بدع أهله على سننه وتغشاها، لولا ما خص الله به هذا الدين من حفظه بحفظ كتابه وبقيام علماء ربانيين على تبليغه:
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ الله، وَهُمْ ظَاهِرُونَ» (1). أخرجه الشيخان، وفسر البخاري هذه الطائفة بأهل العلم.
وقال أيضاً: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» (2). رواه أبو داود والطبراني في " الأوسط "، وصححه الحاكم، واعتمده الأئمة.
(1) أخرجه البخاري في " صحيحه "(13/ 293، برقم: 7311 - بشرح الفتح)، ومسلم في " صحيحه "(3/ 1523، برقم: 1921 - طبعة فؤاد عبد الباقي) من حديث المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه.
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود في " سننه "(2/ 209 - التازية)، والحاكم في " المستدرك "(4/ 522) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وعزاه في " المقاصد الحسنة " للطبراني في " الأوسط " أيضاً، وفي " الجامع الصغي " للبيهقي في " المعرفة ".
قال الحافظ السخاوي [ص:203]: " وسنده صحيح، ورجاله كلّهم ثقات، وكذا صححه الحاكم، فإنه أخرجه في " مستدركه "
…
وقد اعتمد الأئمة هذا الحديث. وانظر: " تمييز الطيب "(313) لابن الديبع.
وفي " فيض القدير "(2/ 282) للمناوي: " قال الزين العراقي وغيره: سنده صحيح ".
وانظر: " الصحيحة "(599)، و " صحيح الجامع الصغير "(1870)، و " صحيح سنن أبي داود " (3606) لمحدّث العصر: شيخنا الألباني حفظه الله تعالى.