الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي عن الأغلوطات
ويجب على المتعلم أن يراعي في سؤاله طلب الفائدة لا تعنيت الأستاذ، وإحراجه أمام الآخرين، أو وضعه في مأزق ما.
عن عبد الله بن سعد عن الصنابحي عن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغَلوطات "(1).
قال الأوزاعي: " الغلوطات: شداد المسائل وصعابها "(2).
وقيل: " هي المسائل التي يغالَط بها العلماء ليزلوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة ".
وعن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وقد ذكروا المسائل عنده- فقال: " أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عُضَل المسائل؟ "(3).
قال الخطابي في " معالم السنن ": (المعنى أنه نهى أن يُعترض العلماء بصعاب المسائل التي يكثر فيها الغلط، ليستنزلوا ويستسقط رأيهم فيها، وفيه كراهة التعمق والتكلف فيما لا حاجة للإنسان إليه من المسالة، ووجوب التوقف عما لا علم للمسؤول به، وقد روينا عن أبي بن كعب: أن رجلاً سأله عن مسألة فيها
(1) رواه الإمام أحمد (5/ 435)، وأبو داود رقم (3656)، والطبراني في " الكبير "(19/ 380)، رقم (892)، وابن عبد البر في " الجامع " رقم (2037) بلفظ:" الأغلوطات "، وإسناده ضعيف.
(2)
" جامع بيان العلم " رقم (2038).
(3)
" السابق " رقم (2039)، وإسناده واهٍ، والمعضلة. هي الأمر المعيي الذي لا يُهتدى لوجهه.
غموض ، فقال:" هل كان هذا بعد؟ " قال: " لا "، قال:" أمهلني إلى أن يكون ".
وسأل رجل مالك بن أنس عن رجل شرب في الصلاة ناسيًا، فقال:" ولِم لَم يأكل؟ "، ثم قال: حدثنا الزهري عن علي بن حسين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِن من حسن إِسلام المرء تركَه ما لا يعنيه ") (1) اهـ.
وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قال: سلوني؟ فسأله ابن الكواء، فقال:" ويلك سل تفقهًا، ولا تسل تعنتًا "، وفي موضع آخر قال علي رضي الله عنه لابن الكواء:" إنك لَذَهَّابٌ في التِّيه، سل عما ينفعك أو يعنيك "، قال:" إنما نسأل عما لا نعلم "(2).
وقال الربيع بن خثيم: " يا عبد الله، ما علَّمك الله في كتابه من علم، فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم، فكِلْه إلى عالمه، ولا تتكلف، فإن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] "(3).
وقال يحيى بن أيوب: (بلغني أن أهل العلم كانوا يقولون: " إذا أراد الله أن لا يعلِّم عبده أشغله بالأغاليط ")(4).
وعن الأوزاعي قال: " إذا أراد الله أن يحرم عبده بركة العلم؛ ألقى على لسانه الأغاليط "(5).
وعن الحسن البصري قال: " شرار عباد الله ينتقون شرار المسائل يعَمُّون بها عباد الله "(6)
(1)" معالم السنن "(4/ 172).
(2)
انظر: " جامع بيان العلم " رقم (726).
(3)
" السابق " رقم (2011).
(4)
" جامع بيان العلم " رقم (2099).
(5)
" السابق " رقم (2083).
(6)
" السابق " رقم (2084).
وعن مالك بن أنس قال: جاء ابن عجلان إلى زيد بن أسلم، فسأله عن شيء، فخلط عليه، فقال له زيد:" اذهب فتعلم كيف تسأل، ثم تعالَ فَسَل "(1).
كان ابن سيرين إذا سئل عن مسألة فيها أُغلوطة قال للسائل: (أمسكها حتى تسأل عنها أخاك إبليس)(2).
وقال مالك: (قال رجل للشعبي: " إني خبأت لك مسائل "، قال: " اخبأها لإبليس حتى تلقاه، فتسأله عنها ").
وسأل رجلٌ الشعبي عن المسح على اللحية، فقال:" خَلِّلها بأصابعك "، فقال:" أخاف أن لا تَبُلَّها "، قال الشعبي:" إن خِفتَ فانقعها من أول الليل "(3).
وسأله آخر: " هل يجوز للمحرم أن يَحُكَّ بدنه؟ " قال: " نعم "، قال:" مقداركم؟ "، قال:" حتى يبدوَ العظم "(4).
وعن سعيد بن بشير قال: (كان مالك إذا سئل عن مسألة يظن أن صاحبها غير متعلم وأنه يريد المغالطة، زجره بهذه الآية:{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9].
وسأل عمرو بن قيس مالك بن أنس عن مُحْرِم نزع نابَيْ ثعلب، فلم يرد عليه شيئًا (5).
وعن عبد الرحمن بن أبي نُعم أن رجلاً سأل ابن عمر وأنا جالس عن دم البعوض يصيب الثوب؟ فقال له: " ممن أنت؟ " قال: " من أهل العراق "، فقال ابن
(1)" الجامع " للخطيب (1/ 213).
(2)
" العقد الفريد "(2/ 91).
(3)
" المُراح في المزاح " ص (39).
(4)
" المُراح في المزاح " ص (39).
(5)
" العقد الفريد "(2/ 91).
عمر: " ها انظروا إلى هذا! يسأل عن دم البعوض (1)، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم!!، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إِن الحسن والحسين هما ريحانتي من الدنيا " (2).
وسأل رجل عمر بن قيس عن الحصاة يجدها الإنسان في ثوبه أو في خفه أو في جبهته من حصى المسجد، فقال:" ارم بها "، قال الرجل:" زعموا أنها تصيح حتى تُرَدَّ إلى المسجد "، فقال:" دعها تصيح حتى ينشقَّ حلقُها "، فقال الرجل:" سبحان الله! ولها حَلْق؟ " قال: " فمن أين تصيح؟ "(3).
وعن أيوب قال: سمعت رجلاً قال لعكرمة: " فلان قذفني في النوم "، قال:" اضرِبْ ظلَهُ ثمانين "(4).
وعن الأعمش قال: أتى رجل الشعبي، فقال: ما اسم امرأةِ إبليس؟ قال: " ذاك عُرْسٌ ما شهدته "(5).
وجاء رجل إلى أبي حنيفة، فقال له:" إذا نزعتُ ثيابي، ودخلتُ النهر أغتسل، فإلى القبلة أتوجَّه أم إلى غيرها؟ "، فقال له:" الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك لئلا تُسْرَق "(6).
(1) البعوض: جمع بعوضة، وهو صغار البَقِّ.
(2)
رواه البخاري رقم (3753)(7/ 95 - فتح)، والترمذي رقم (3770) والسياق له، وقال:" حسن صحيح ".
وفي بعض الروايات أنه سئل عن المحرم يقتل الذباب؟ فقال: " يا أهل العراق؛ تسألونا عن قتل الذباب، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث، وفي رواية:" ما أسالهم عن صغيرة، وأجرأهم على كبيرة!! " الحديث.
(3)
" العقد الفريد "(2/ 92).
(4)
" سير أعلام النبلاء "(5/ 19).
(5)
" السابق "(4/ 312).
(6)
" المراح في المزاح " ص (43).
* قال الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله:
(ومن الأدب إذا روى المحدث حديثًا، فعرض للطالب في خلاله شيء أراد السؤال عنه، أن لا يسأل عنه في تلك الحال، بل يصبر حتى يُنهي الراوي حديثه، ثم يسأل عما عرض له).
ثم روى بسنده إلى نافع: (أن تميمًا الداريَّ رضي الله عنه استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القصص، فقال: " إنه على مثل الريح "، قال: " إني أرجو العاقبة "، فأذِن له عمر، فجلس إليه عمر، فقال تميم في قوله: " اتقوا زلة العالم "، فكره عمر أن يسأله عنه، فيقطعَ على القوم، وحضر منه قيام، فقال لابن عباس: " إذا فرغ فاسأله: ما زلة العالم؟ "، ثم قام عمر، فجلس ابن عباس فغفل غفلة، وفرغ تميم، وقام يصلي، وكان يطيل الصلاة، فقال ابن عباس: لو رجعتُ فَقِلْتُ (1) ثم أتيته، فرجع، وطال على عمر، فأتى ابن عباس فسأله، فقال:" ما صنعتَ؟ "، فأعتذر إليه، فقال:" انطلق "، وأخذ بيده حتى أتى تميمًا الداريَّ، فقال له:" ما زلة العالم؟ "، قال:" العالم يزلُّ بالناس، فيؤخَذ به، فعسى أن يتوب منه العالم، والناس يأخذون به ") (2).
وقال الحسين بن علي لابنه: " يا بني! إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرصَ منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت، ولا تقطع على أحدٍ حديثًا -وإن طال- حتى يمسك "(3).
(1) أي: نمتُ نوم القيلولة، وهو النوم وسط النهار.
(2)
" الجامع "(1/ 211 - 212).
(3)
" جامع بيان العلم وفضله "(1/ 521).
* وإذا سأله الأستاذ: هل فهم الدرس؟ فعلى المتعلم أن يُلزم نفسَه الصدق مع أستاذه ، فإن لم يفهم طلب إفهامه، قال ابن شهاب:" العلم خزائن ومفتاحه المسألة ".
وإذا قال الشيخ: " أفهمت؟ "، فلا يقل:" نعم " قبل أن يتضح له المقصود من المسألة إيضاحًا جليًّا لئلا يكذب، ولا يستحي من قوله:" لم أفهم "، لأن استثباته يحصل له مصالح " (1).
وقال الخليل بن أحمد: (فإن سأله فلا يقل: " نعم "، حتى يتضح له المعنى اتضاحًا جليًّا كيلا يفوته الفهم، ويدركَه بكذبه الإثمُ " (2).
وقال ابن جماعة: " وكما لا ينبغي للطالب أن يستحي من السؤال فكذلك لا يستحي من قوله: " لم أفهم " إذا سأله الشيخ، لأن ذلك يفوت عليه مصلحة العاجلة والآجلة، وأما العاجلة: فحفظ المسألة ومعرفتها، واعتقاد الشيخ فيه الصدق والورع والرغبة، والآجلة: سلامته من الكذب والنفاق، واعتياده التحقيق) (3).
وأما إذا كان يعرف الدرس طلب المزيد، وعليه ألا يظهر استغناءً عن الأستاذ، يقول ابن جماعة: (فإن سأله الشيخ عند الشروع في ذلك عن حفظه له فلا يجيب " بنعم "، لما فيه من الاستغناء عن الشيخ فيه، ولايقل:" لا "، لما فيه من الكذب، بل يقول: " أحب أن أسمعه من الشيخ، أو أن أستفيده منه، أو بَعُدَ
(1)" المعيد في أدب المفيد والمستفيد " للعلموي ص (141)
(2)
" تذكرة السامع والمتكلم " ص (158).
(3)
" السابق " ص (157).
عهدي، أو هو من جهتكم أصح "، فإن علم من حال الشيخ أنه يؤثر العلم بحفظه له مسرة به، أو أشار إليه بإتمامه امتحانًا لضبطه وحفظه، أو لإظهار تحصيله، فلا بأس باتباع غرض الشيخ ابتغاء مرضاته، وازدياد الرغبة فيه) (1).
* * *
(1)" السابق " ص (105).