الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراحل تنبيه العالم على خطئه
العالم -بحكم كونه بشرًا غير معصوم- قد يقع في خطإ غير مقصود، وحينئذ ينبغي للطالب أن يتلطف في تنبيهه لهذا الخطإ.
قال الإمام ابن عقيل الحنبلي -رحمه الله تعالى- في " الواضح ": ( .. وإن كان أعلى فليتحرَّ، ويجتنب القول له: هذا خطأ، أو غلط، أو ليس كما تقول، بل يكون قوله له: أرأيت إن قال قائل: " يلزم على ما ذكرت كذا؟ وإن اعترض على ما ذكرت معترض بكذا؟ " فإن نفوس الكرام الرؤساء المقدمين تأبى خشونة الكلام، إذ لا عادة لهم بذلك، وإذا نفرت: عميت القلوب، وجمدت الخواطر، وانسدت أبواب الفوائد، فحرمت كل الفوائد، بسفه السفيه، وتقصير الجاهل في حقوق الصدور)(1) اهـ.
وقال الإمام بدر الدين ابن جماعة -رحمه الله تعالى- في بيان أدب الطالب مع شيخه: (ولا يقول لما رآه الشيخ وكان خطأ: هذا خطأ، ولا هذا ليس برأي، بل يُحسن خطابه في الرد إلى الصواب، كقوله: " يظهر أن المصلحة في كذا "، ولا يقول: " الرأي عندي كذا "، وشبه ذلك)(2) اهـ.
وقد ذكر بعض العلماء لتنبيه العالم على خطئه طرقًا (3):
الطريقة الأولى:
تنبيه الأستاذ إلى الخطإ، بتكرار اللفظ الذي يسبقه، ليراعيه الأستاذ عند
(1) انظر: " شرح الكوكب المنير " ص (379).
(2)
" تذكرة السامع والمتكلم " ص (112).
(3)
انظر: " آداب المتعلم " لأحمد محمد فلاتة ص (125 - 126).
الإعادة، يقول ابن جماعة:" وإذا ردَّ الشيخ عليه لفظه، وظن أن رَدَّه خلاف الصواب، أو علمه كرر اللفظة مع ما قبلها لينتبه لها الشيخ "(1).
(أما من تجاسر بالإنكار على الأستاذ فقلما يفلح، عن بعض السلف (2) قال: " من قال لشيخه: لِم؟ لم يفلح "(3)، ولا يقول له:" لِم؟ " ولا: " لا نسلِّم "، ولا:" من نقل هذا؟ " ولا: " أين موضعه؟ ") (4).
(1)" تذكرة السامع والمتكلم " ص (124).
(2)
هو أبو عبد الرحمن: محمد بن الحسين السُّلَميُّ الصوفي.
(3)
وقد شاعت هذه العبارة، وذاعت على ألسنة الكثيرين من المنتسبين إلى العلم، وبخاصة الصوفية حتى غَلَوْا في الشيوخ واعتقدوا فيهم العصمة، ولذلك علَّق عليها الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى قائلاً:(قلت: ينبغي للمريد أن لا يقولَ لأستاذه: " لِمَ؟ " إذا علمه معصومًا لا يجوز عليه الخطأ، أما إذا كان الشيخ غيرمعصوم، وكره قول: " لِمَ؟ " فإنه لا يفلح أبدًا، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [البلد: 2]، وقال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر: 3]، وقال: {وتَوَاصَوا بِالمرحمة} [البلد: 17]، بلى هنا مريدون أثقال أنكاد، يعترضون ولا يقتدون، ويقولون ولا يعملون، فهؤلاء لا يملحون) اهـ. من " سير أعلام النبلاء "(17/ 251 - 252).
وقال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: (رد المقالات الضعيفة، وتييين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء، بل مما يحبونه، ويمدحون فاعله، ويثنون عليه، فلا يكون داخلاً في باب الغيبة بالكلية، فلو فرض أن أحدًا يكره إظهار خطئه الخالف للحق، فلا عبرة بكراهته لذلك، فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفًا لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة، بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له؛ سواء كان ذلك في موافقته أو مخالفته، وهذا من النصيحة لله، ولكتابه، ورسوله، ودينه، وأئمة المسلمين وعامتهم، وذلك هو الدين كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بيان خطإ من أخطأ من العلماء قبله -إذا تأدب في الخطاب، وأحسن الرد والجواب- فلا حرج عليه، ولا لوم يتوجَّه إليه) اهـ. من " الفرق بين النصيحة والتعيير " ص (22 - 23).
(4)
" السابق " ص (101).