الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
نسأل الله حُسْنَها، إذا بلغت الروح المنتهى
وبعد: فقد أتيت على ما عمدت إلى جمعه في هذا الكتاب راغبًا إلى الله سبحانه في صالح العمل، ونجاح الأمل، فبه القوة والحول، وله المنة والطول، وهو حسبي ونعم الوكيل.
فيا أيها الناظر فيه، المتأمل لمعانيه:
هذه حال السلف، وتلك آثارهم، فشمِّر مثلَهم عن ساق الدأَب في سوق الأدب:
فليس لدى المجدِ والمَكْرُمات
…
إذا جِئتها حاجبٌ يحجبكْ
وإياك أن يكون حظَّك منها أن تهز رأسك طربًا قائلاً: " هذه أخبارٌ تكتب بماء الذهب "، فعن نجيد الترمذي قال:(كنت عند مالك، وعنده محمد والمأمون يسمعان منه الحديث، فلما فرغا؛ قال أحدهما -إما المأمون وإما محمد-: " يا أبا عبد الله! أتأمرني أن أكتبه بماء الذهب؟ "، قال: " لا تكتبه بماء الذهب، ولكن اعمل بما فيه ")(1).
وإني مُذَكِّرٌ نفسي وسائرَ العصاة المذنبين بقول الله جل وعلا: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24]، وقوله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ
(1)" المدونة " ص (12).
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد: 16، 17].
فيا محيي القلوب الميتة بالإيمان، خذ بأيدينا من مهواة الهلكة، وطهِّرنا من درن الخطايا، واعصمنا من زلل اللسان.
وأعيذ نفسي وكلَّ ناصح أن يكون ممن قال فيهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:
" مَثَلُ الذي يُعَلِّم الناسَ الخيرَ، وينسى نفسَه، مثل الفتيلةِ، تُضيءُ للناس، وتحرِقُ نفسَها "(1)، وإلا فما أحراه بقول الإمام الواعظ الفاضل أبي المظفر محمد بن عليِّ بن البَلِّ الدُّوريِّ رحمه الله تعالى (2):
يتوب على يَدِي قومٌ عصاةٌ
…
أخافَتْهم من الباري ذنوب
وقلبي مُظلم من طول ما قد
…
جنى فأنا على يد مَن أتوب؟
كأني شمعةٌ ما بين قومٍ
…
تضيء لهم وَيحْرِقها اللهيب
كأني مِخْيَطٌ يكسو أناسًا
…
وجسمي من ملابِسه سليب
فنستغفر الله تعالى من كل ما زلت به القدم، أو طغى به القلم، ونستغفره من أقوالنا التي لا توافقها أعمالنا، ونستغفره من كل علم وعمل قصدنا به وجهه
(1) رواه من حديث أبي برزة وضي الله عنه الخطيب في " اقتضاء العلم العمل " رقم (71)، والطبراني في " الكبير " (2/ 166) من حديث جندب رضي الله عنه بلفظ:" مثل العالم الذي يعلم الناس الخير، وينسى نفسه كمثل السِّراج يضيء للناس، ويُحرق نفسه "، وصححه الألباني في " صحيح الجامع "(5/ 198).
(2)
" سير أعلام النبلاء "(22/ 76).
الكريم ثم خالطه غيره، ونستغفره من كل وعد وعدنا به من أنفسنا ثم قصَّرنا في الوفاء به، ونستغفره من كل نعمة أنعم بها علينا فاستعملناها في معصيته، ونستغفره من كل تصريح وتعريض بنقصان ناقص، وتقصير مقصِّر كنا متصفين به، ونستغفره من كل خطرة دعتنا إلى تصنع وتكلف تزينَّا للناس به (1).
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
الإسكندرية في
الأربعاء20 جمادى الآخرة 1418 هـ
الموافق 22 أكتوبر 1997 م.
(1) انظر: " الإحياء "(1/ 578).