الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر الغيبة في الطهارة والصوم
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " إن أحق ما طهر الرجل لسانه "(1)، بل رُوي عن بعض السلف أنه كان إذا أراد التنفير من هذه المعصية أمر المتورط فيها بالطهارة الحقيقية بالمضمضة (2) والوضوء (3)، تشبيهًا لها بالنجاسة الحسية، وإرشادًا إلى التحرز منها كما يُتحرز من النجاسات:
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب، ولا يتوضأ من الكلمة الخبيثة يقولها "(4).
وعن عبد الله مسعود رضي الله عنه قال: " لأن أتوضا من كلمة خبيثة أحبُّ إليَّ من أن أتوضأ من طعام طيب "(5).
وعن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أنهما قالا: " الحدث حدثان:
(1) رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "(9/ 66)، وأبو نعيم في " الحلية "(1/ 307)، وابن أبي عاصم في " الزهد " رقم (26).
(2)
رُوي في حديث ضعيف عن معن عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي تُوُفيَ فيه، قالت صفية بنت حُيي:" والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي "، فغمزها أزواجُهُ، فأبصرهن، فقال:" مَضمِضْن "، قلن:" من أي شيء؟ "، قال:" من تغامزِكن بها، والله إِنها لصادقة ") أخرجه ابن سعد (8/ 128) ورجاله ثقات، لكنه مرسل، كما في تحقيق " سير أعلام النبلاء "(2/ 235).
(3)
وضوء الصلاة معروف، وقد يُراد به غسل بعض الأعضاء، كالأيدي والأفواه، انظر:" النهاية "(195/ 5).
(4)
رواه البيهقي في " الشعب "(5/ 302) رقم (6723).
(5)
رواه هناد في " الزهد "(1199)، وابن أبي شيبة (1/ 134)، وابن أبي عاصم (114).
حدث مِن فيك، وحدث من نومك، وحدث الفم أشد: الكذب والغيبة " (1).
وعن أيوب بن سيرين أن شيخًا من الأنصار كان يمر بمجلس لهم، فيقول:" أعيدوا الوضوء، فإن بعض ما تقولون شر من الحدث "(2).
وعن محمد بن سيرين قال: قلت لعبيدة: ممَّ يُعاد الوضوء؟ قال: " من الحدث وأذى المسلم "، قال: وكان شيخ يمر بمجلس لهم فيقول: " توضؤوا فإن بعض ما تقولون شر من الحدث "(3).
وعن إبراهيم قال: " الوضوء: من الحدث، وأذى المسلم "(4).
وعن الحارث قال: كنت آخذًا بيد إبراهيم، فذكرت رجلاً فاغتبته، قال: فقال: " ارجع فتوضأ، كانوا يَعُدُّون هذا هُجْرًا "(5).
وعن موسى بن أبي الفرات قال: سأل رجلان عطاء، فقالا: مر بنا رجل فقلنا: " المخنث "، قال: قلتما له قبل أن تصليا أو بعد ما صليتما؟ قال: بعد أن نصلي (6)، فقال:" توضآ، وأعيدا الصلاة، فإنه لم يكن لكما صلاة "(7).
وعن الحسن بن وهب الجُمَحِي قاضي مكة، قال: (وقعتُ في رجل من أهل مكة، حتى قلتُ:" إنه مُخَنَّث "، فصليت الظهر؟ فعرض في قلبي شيء،
(1)" شعب الإيمان "(5/ 302).
(2)
" شعب الإيمان "(5/ 302).
(3)
" شعب الإيمان "(5/ 302).
(4)
" شعب الإيمان "(5/ 303).
(5)
" الزهد " لابن أبي عاصم رقم (118)، والهُجْر: هو الخنا والقبيح من القول، يقال: اهجر في مَنطقه، إذا أفحش، وأكثر الكلام فيما لا ينبغي.
(6)
كذا بالأصل ص (60)!، والسياق يقتضي أن يكون:" بعد أن صلينا "، لأن عطاء قال لهما:" أعيدا الصلاة ".
(7)
" السابق " رقم (119).
فسألت عطاء بن أبي رياح، فقال:" يعيد وُضوءه، وصلاته، وصومه "(1).
وعن الضحاك بن عبد الرحمن بن أبي حوشب: أن رجلاً أتى إلى ابن أبي زكريا، فقال:" يا أبا يحيى! أشعرت أن فلانًا دخل على فلانة؟ " قال: " حلال طيب "، قال:" إنه دخل معه برجل "، فقال ابن أبي زكريا:" إنا لله! فقد وقع في نفسك لأخيك هذا؟! حرج عليك بالله أن تكلمني بمثل هذا "، فلما دنا من باب المسجد قال:" والله لا تدخل حتى ترجع، فتوضأ مما قلت "(2).
وعن أبي صالح أنه أنشد بيت شعر فيه هجاء، فدعا بماء فتمضمض (3).
وعن رجاء بن أبي سلمة قال: قلت لمجاهد: " يا أبا الحجاج؛ الغيبة تنقض الوضوء؟ " قال: " نعم، وتفطر الصائم "(4).
وعن أنس رضي الله عنه قال: " إذا اغتاب الصائم أفطر "(5).
وعن أبي المتوكل الناجي قال: (كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا، جلسوا في المسجد، قالوا: " نطهر صيامنا ")(6).
وعن طليق بن قيس قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: " إذا صمت فتحفظ ما استطعت "، فكان طليق إذا كان يوم صيامه دخل، فلم يخرج إلا إلى صلاة (7).
(1)" التوبيخ والتنبيه " رقم (200).
(2)
" الزهد " لابن أبى عاصم رقم (121).
(3)
" السابق " رقم (122).
(4)
" السابق " رقم (120).
(5)
" السابق ": (1204).
(6)
" السابق " رقم (1207) ، وابن أبى شيبة (3/ 3 - 4) ، أحمد فى " الزهد "(178).
(7)
" المحلى " لابن حزم (6/ 179).
وعن مجاهد قال: " ما أصاب الصائم شوى (1) إلا الغيبة والكذب "(2)،
وعنه قال: " من أحب أن يسلم له صومه؛ فليجتنب الغيبة والكذب "(3).
وعن حفصة بنت سيرين قالت: " الصيام جنة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة "(4).
وعن ميمون بن مهران: " إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب "(5).
وعن عَبيدة السلماني قال: " اتقوا المُفْطِرَيْنِ: الغيبة، والكذب "(6).
وعن أبي العالية قال: " الصائم في عبادة ما لم يغتب، وإن كان نائمًا على فراشه "(7).
وقال الشاعر في هذا المعنى:
واعلمْ بأنك لا تكونُ تصومُه
…
حتى تكونَ تصومُهُ وتصونُه
(1)(الشوى -بالقصر- الهين من الأمر، قال في " اللسان ": وفي حديث مجاهد: " كل ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة والكذب، فهي له كالمقتل "، قال يحيى بن سعيد: الشوى هو الشيء اليسير الهين، قال: وهذا وجهه، وإياه أراد مجاهد، ولكن الأصل في الشوى الأطراف، وأراد أن الشوى ليس بمقتل، وأن كل شيء أصابه الصائم لا يبطل صومه فيكون كالمقتل له؛ إلا الغيبة والكذب؛ فإنهما يبطلان الصوم، فهما كالمقتل له) أفاده العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله في حاشية " المحلى "(6/ 179).
(2)
" المحلى " لابن حزم (6/ 179).
(3)
" الزهدد " لهناد رقم (1203).
(4)
" المحلى " لابن حزم (6/ 179).
(5)
" السابق ".
(6)
" الصمت " لابن أبي الدنيا رقم (179).
(7)
" الزهد " لهناد رقم (1201).
وقال آخر:
إذا لم يكن في السمع مني تَصَوُّنٌ
…
وفي بصري غَضٌ، وفي منطقي صمت
فحظي إذًا من صومي الجوعُ والظمأ
…
وإن قلتُ: " إني صمتُ يومًا " فما صُمْتُ
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله:
(ويُبطل الصومَ أيضًا تعمدُ كلِّ معصية -أي معصية كانت -لا تحاش شيئًا- إذا فعلها عامدًا ذاكرًا لصومه كمباشرة من لا يحل له
…
) إلى أن قال: (أو كذب، أو غيبة، أو نميمة، أو تعمد ترك صلاة، أو ظلم، أو غير ذلك من كل ما حرم على المرء فعله)(1).
وقد استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: " والصيام جُنَّة، وإِذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفث ولا يصخب "(2) الحديث.
وبقوله صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "(3).
وبما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس، فقال لهما:" قِيئا "، فقاءتا قيحًا ودمًا ولحمًا عبيطًا، ثم قال صلى الله عليه وسلم:" ها، إِن هاتين صامتا عن الحلال، وأفطرتا على الحرام "(4).
(1)" على "(6/ 177).
(2)
رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151).
(3)
رواه البخاري رقم (1903).
(4)
أخرجه الإمام أحمد (5/ 431)، والطيالسي (2107)، وقال الهيثمي:" وفيه رجل لم يسم " اهـ. (3/ 171)، وأشار المنذري في " الترغيب " إلى ضعفه (3/ 507).
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (
…
فلو اغتاب في صومه عصى، ولم يبطل صومه عندنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا الأوزاعي، فقال: يبطل الصوم بالغيبة، ويجب قضاؤه) (1).
وقد استدل الإمام الأوزاعي رحمه الله بقوله صلى الله عليه وسلم: " رب صائم ليس له من صيامه إِلا الجوع "(2) الحديث، وبأدلة ابن حزم، وقال النووي: (وأجاب أصحابنا عن هذه الأحاديث
…
بأن المراد أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الرديء، لا أن الصوم يبطل به) (3) اهـ.
* * *
(1)" المجموع "(398/ 6).
(2)
رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بهذا اللفظ ابن ماجه (1/ 539)، ورواه بنحوه الدارمي (2/ 301)، والامام أحمد (2/ 441، 373)، ورواه البيهقي (4/ 270) بلفظ:" ربَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ".
(3)
" المجموع "(6/ 399).