الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آثار السلفية في ذم كثرة السؤال
عن عكرمة أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " انطلق فأفتِ الناسَ، وأنا لك عَوْن "، قلت:" لو أن هذا الناسَ مثلُهم مرتين، لأفيتُهم "، قال:" انطلق فأفتهم، فمن جاء يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرحُ عنك ثلثي مُؤْنة الناس "(1).
وكان رجل يسأل أبا الدرداء، فقال له:" كل ما تسأل عنه تَعمل به؟ "، قال: لا، قال " فما تصنع بازدياد حجة الله عليك؟ "(2).
وسأل رجل مالكًا عن مسألة، فلم يجبه، فقال له " لم لا تجيبني؟ " فقال:" لو سألت عما تنتفع به لأجبتك "(3).
وقال إسحاق بن إبراهيم الطبري: (ربما قال لي -أي الفضيل بن عياض-: " لو أنك طلبت مني الدنانير كان أيسر عليَّ من أن تطلب مني الحديث "، فقلت: " لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي، كان أحبَّ إليَّ من أن تَهَبَ لي عددَها دنانير "، قال: " إنك مفتون، أما والله وعملتَ بما سمعت، لكان لك في ذلك شُغْل عما لم تسمع، سمعت سليمان بن مهران يقول: إذا كان بين يديك طعام تأكله، فتأخذ اللقمة، فترمي بها خلف ظهرك متى تشبع؟ " (4).
(1)" سير أعلام النبلاء "(5/ 14 - 15).
(2)
" الموافقات "(1/ 65).
(3)
" ترتيب المدارك "(1/ 164).
(4)
" سير أعلام النبلاء "(8/ 428).
وعن عبدة بن أبي لبابة قال: " وددتُ أن أحظى من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء ولا يسألوني عن شيء، يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهم "(1).
وقال ابن وهب: وقال لي مالك: " أدركت أهل هذه البلاد، وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي في الناس اليوم "، قال ابن وهب: يريد المسائل (2).
وقال مالك: " العلم والحكمة نور يهدي الله به من يشاء، وليس بكثرة المسائل "(3).
(وكان إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله لا يقدم عليه في السؤال كثيرا، وكان أصحابه يهابون ذلك، قال أسد بن الفرات -وقد قدم على مالك-: " وكان ابن القاسم وغيره من أصحابه يجعلونني أسأله عن المسألة، فإذا أجاب يقولون له: " قل له: فإن كان كذا؟ "، فأقول له، فضاق عليَّ يومًا، فقال لي: " هذه سُليسلة بنت سليسلة، إن أردت هذا فعليك بالعراق "، وإنما كان مالك يكره فقه العراقيين وأحوالهم لإيغالهم في المسائل، وكثرة تفريعهم في الرأي)(4) اهـ.
* وقد وردت آثار عن السلف فيها النهي عن السؤال عما لم يقع حتى يقع:
عن ابن عون قال: قال القاسم: " إنكم تسألون عن أشياء ما كنا نسأل عنها،
(1)" جامع بيان العلم "(2/ 1059).
(2)
" السابق "(2/ 1066).
(3)
" السابق "(1/ 757 - 758).
(4)
" الموافقات "(4/ 318).
وتنقرون عن أشياء ما كنا ننقر عنها، وتسألون عن أشياء ما أدري ما هي، ولو علمناها ما حَلَّ أن نكتمكموها " (1)
وعن زيد المنقري قال: (جاء رجل يومًا إلى ابن عمر فسأله عن شيء لا أدري ما هو؟ فقال له ابنُ عمر: " لا تسأل عما لم يكن، فإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن ")(2).
وعن الزهري قال: (بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول إذا سئل عن الأمر: " أكان هذا؟ "، فإن قالوا: " نعم قد كان "، حدَّث فيه بالذي يعلم والذي يرى، وإن قالوا: " لم يكن "، قال: " فذروه حتى يكون ")(3).
وعن عامر قال: (سئل عمار بن ياسر عن مسألة، فقال: " هل كان هذا بعد؟ "، قالوا: " لا "، قال: " دعونا حتى تكون، فإذا كانت تجشمناها لكم ")(4).
وعن طاوس قال: قال عمر على المنبر: " أحَرِّج بالله على رجل سأل عما لم يكن، فإن الله قد بين ما هو كائن "(5).
وعن عمر بن إسحاق قال: " لَمن أدركت من أصحاب رسول الله أكثر ممن سبقني منهم، فما رأيت قومًا أيسر سيرة، ولا أقل تشديدًا منهم "(6).
وعن رجاء بن أبي سلمة قال: سمعت عبادة بن نسي الكندي، وسُئل عن المرأة ماتت مع قوم ليس لها ولي؟ فقال:" أدركت أقوامًا ما كانوا يشددون تشديدكم، ولا يسألون مسائلكم "(7).
(1)" سنن الدارمي "(1/ 49).
(2)
" السابق "(1/ 50).
(3)
" السابق "(1/ 50).
(4)
" السابق "(1/ 50).
(5)
" السابق "(1/ 50).
(6)
" السابق "(1/ 51).
(7)
" السابق "(1/ 51).
وعن زبيد قال: " ما سألت إبراهيم عن شيء إلا عرفت الكراهية في وجهه "(1).
(وقال أبو وائل: " لاتقاعد أصحاب: أرأيت " (2)، وقال الشعبي:" ما كلمة أبغض إليَّ مِن: أرأيت "، وقال أيضًا: إذا سألت عن مسألة فأُجِبْتَ فيها، فلا تُتبع مسألتك:" أرأيت "، فإن الله يقول في كتابه:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43]، حتى فرغ من الآية) (3).
* * *
(1)" السابق "(1/ 52).
(2)
الأرأيتيون: الذين يكثرون من قول: " أرأيت " في غير موضعها كأن يسأل عن علة الحكم في أمر تعبدي، أو يكون السائل غير أهل لذلك، وكما يفعل المتنطعون الذين يعقبون جواب العالم بقولهم:" أرأيت " لأجل تفريع الأسئلة، والتوليد منها، والإيغال فيها، لمجرد المراء.
(3)
رواهن ابن عبد البر في " الجامع "(2/ 1076).