الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هؤلاء يقول أبو الحسن القالي رحمه الله:
لما تبدلت المجالس أوجهًا
…
غير الذي عَهِدَتْهُ من علمائها
ورأيتها محفوفة بسوى الأُلَى
…
كانوا ولاة صدورها وفنائها
أنشدتُ بيتًا سائرًا متقدمًا
…
والعين قد شرقت بجاري مائها
أما الخيامُ فإنها كخيامهم
…
وأرى نساء الحي غير نسائها
ويقول أيضًا:
تصدر للتدريس كلُّ مُهَوسٍ بليدٍ تسمَّى بالفقيه المدرسِ
فحُقَّ لأهل العلم أن يتمثلوا
…
ببيت قديمٍ شاع في كل مجلس
لقد هَزُلَت حتى بدا من هُزالها
…
كُلاها وحتى سامها كل مفلسِ
السبب الرابع: الاغترار بكلام العلماء بعضهم في بعض:
فيحاول بعضهم اعتبار ذلك موضع أسوة وقدوة، غافلاً عن القاعدة الجليلة التي أصَّلها العلماء في ذلك، وهي أن " كلام الأقران في بعضهم البعض يُطوى، ولا يُحكَى ".
إما لأنه ناشئ عن اجتهاد أو تأويل، وإما لأنه ناشئ عن تنافس ومعاصرة ومنافرة مذهبية، مما لا يكاد يسلم منه بشر، وما يُنقل من ذلك إما لا يصح عنهم، وإما يصح فيجب أن نغض الطرف عنه، ونحمله ما أمكن على أحسن الوجوه، وإلا فيجب طيه وكتمانه، والاشتغال بالاستغفار لهم كما رغبنا القرآن الكريم في ذلك.
وقد كان الخليفة العباسي أبو العباس السفاح إذا علم بين اثنين تعاديًا، لم
يقبل شهادة ذا على ذا، ويقول:" العداوة تزيل العدالة ".
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: " كلام الأقران بعضهم، في بعض لا يُعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنَّه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمتُ أنَّ عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردتُ من ذلك كراريس! "(1).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: " كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه "(2).
وقال الإمام الطبري: " لو كان كل من ادُعِيَ عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك: للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يُرْغَب به عنه "(3).
وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: " والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته، وثبتت في العلم أمانته؛ وبانت ثقته، وعنايته بالعلم؛ لم يُلتفت فيه إلى قول أحد، إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة، تصح بها جرحته على طريق الشهادات، والعمل فيها، من المشاهدة والمعاينة لذلك، بما يوجب قوله عن جهة الفقه والنظر "(4).
وقال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله: " .. فكثيرًا ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها، فيغير على الكتاب والمؤلف ومن عاشره، واستن
(1)" ميزان الاعتدال "(1/ 111).
(2)
" تهذيب التهذيب "(7/ 273).
(3)
" هدي الساري مقدمة فتح الباري "(ص 428).
(4)
" جامع بيان العلم "(2/ 1093).