الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
ما يجب على من حضر مجلس غيبة
من حق المسلم على أخيه المسلم أن ينصره إذا ظُلِم، وأن يذب عن عرضه إذا خاض فيه منافق أو ظالم لا يخشى يوم الحساب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يَكُفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه "(1).
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حمى مؤمنًا من منافق -أراه قال-: بعث الله مَلَكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم "(2). الحديث.
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ذَبَّ عن عِرض أخيه بالغيب؛ كان حقًّا على الله أن يُعتقه من النار "(3).
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نصر أخاه بالغيب
(1) رواه أبو داود (2/ 304)، والبخاري في " الأدب المفرد " رقم (239)، وحسنه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء "(2/ 160)، وأقره المناوي، وانظر:" السلسلة الصحيحة " رقم (926).
(2)
رواه أبو داود رقم (4883)، وحسنه في " صحيح أبي داود " رقم (4086).
(3)
رواه الإمام أحمد (6/ 461)، وقال الهيثمي في " المجمع " (8/ 95):(رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن) اهـ، وصححه الألبانى في " صحيح الجامع "(5/ 290).
نصره الله في الدنيا والآخرة " (1).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رد عن عِرض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة "(2).
وعن جابر بن عبد الله وأبي طلحة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من امريء يخذل امرءًا مسلمًا في موضع تُنتهك فيه حرمتُه، ويُنتقص فيه من عرضه، إِلا خذله الله في موطن يحب نصرته، وما من امريء ينصر مسلمًا في موضع يُنتقص فيه من عرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إِلا نصره الله في موطن يحب نصرته "(3).
وهذا ما التزمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم في حق إخوانهم:
فقد (سمع عمار بن ياسر رجلاً ينال من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال له: " اسكت مقبوحًا منبوحًا، فأشهد أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة "، وفي رواية: " اغرب مقبوحًا أتؤذي محبوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ")(4).
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة توبته قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في القوم بتبوك: " ما فعل كعب بن مالك؟ "، فقال رجل من بني سلمة: " يا رسول الله، حبِسه بُرْداه والنظرُ في عِطفيه " (5) -
(1) عزاه في " السلسلة الصحيحة " رقم (1217) إلى الدينوري في " المجالسة "، والبيهقي في " الشعب "، والضياء في " المختارة ".
(2)
أخرجه الإمام أحمد (6/ 450)، والترمذي (4/ 327)، وحسَّنه، وصححه الألباني في " صحيح الجامع "(5/ 295).
(3)
رواه أبو داود (4/ 271)، وأحمد (4/ 30)، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع "(5/ 160).
(4)
أخرجه ابن عساكر كما في " الكنز "(3/ 116)، وابن سعد (8/ 65).
(5)
وهذا إشارة إلى إعجابه بنفسه.
أي جانبيه- فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: " بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا "، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1) أي سكت مقرًا لإنكار معاذ على من فعل غيبة أو تلبس بها، وتشريعًا لمثله بالرد على المغتاب.
وفي حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقال: " أين مالك بن الدُّخْشُم؟ "، فقال رجل: " ذلك منافق لا يحب الله ولا رسوله "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إِلله إِلا الله، يريد بذلك وجه الله؟! وإِن الله قد حرم على النار من قال: لا إِله إِلا الله يبتغي بذلك وجه الله ")(2).
وكان بين سعد وخالد رضي الله عنهما كلام، فذهب رجل يقع في خالد، رضي الله عنه، عند سعد، رضي الله عنه، فقال:" مَهْ، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا "(3).
عن ابن عون قال: " كانوا إذا ذكروا عند محمد -أي ابن سيرين- رجلاً بسيئة، ذكره هو بأحسن ما يعلم "(4).
قال الإمام النووي رحمه الله: (اعلم أنه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها، ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد ولا باللسان فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممن له عليه حق، أو من أهل الفضل والصلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر)(5) اهـ.
(1) رواه البخا ري (5/ 130)، ومسلم (4/ 2122)، وأحمد (3/ 457).
(2)
رواه البخاري (رقم 425)(1/ 519) -فتح، ومسلم رقم (33)(1/ 61)، وغيرهما، وانظر:" الإحسان " لابن بلبان (1/ 458).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (246)، وأبو نعيم في " الحلية "(1/ 94).
(4)
" السير "(4/ 620).
(5)
" الأذكار النووية " ص (294).
ذكر عن إبراهيم بن أدهم أنه دُعي إلى طعام، فلما جلس؛ قالوا:" إن فلانًا لم يجيء "، فقال رجل منهم:" إن فلانًا رجل ثقيل "، فقال إبراهيم:" إنما فعل هذا بي بطني حين شهدت طعامًا اغتبت فيه مسلمًا "، فخرج، ولم يأكل ثلاثة أيام (1).
إن غيبة المسلم ظلم وتعدّ لحدود الله عز وجل، وقد قال تعالى:(وَمَن {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} (2)[البقرة: 229]، ومحاصرةً لهؤلاء الظالمين؛ نهت الشريعة عن الركون إليهم:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113] وعن معاشرتهم ومساكنتهم والقعود معهم: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (إذا حضرت أمرًا ليس بطاعة الله، ولا تقدر أن تنهى عنه فتنح عنهم، واتركهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يمنعن رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحق إِذا علمه، أو شهده، أو سمعه " (3)) (4) اهـ.
وغيبة المسلم من اللغو القبيح الذي يتنزه المؤمنون عن حضور مجالسه
(1) راجع حاشية رقم (1) ص (76).
(2)
فاحذر أيها المكلف أولئك " اللحميين " الذين يستنكفون عن قبول النصيحة لهم بترك الغيبة، وينتحلون المعاذير ليسوغوا أكل لحوم الناس، ويتسترون وراء ترخيص الشريعة في ذكر مساويء بعض الناس في حالات خاصة، وما بالقوم حاجة إلى الرخصة، وإنما هم يستوحشون ممن لا يشاركهم، وينكر عليهم، فيحرصون على إزالة تلك الوحشة بمحاولة تسويغ الغيبة كي يونسهم بموافقتهم ومشاركتهم، وأولئك من " الظالمين " الذين سمى الله؛ فاحذرهم.
(3)
رواه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الإمام أحمد (3/ 84)، والترمذي رقم (2191)، وابن ماجه (4007)، وابن حبان في " صحيحه " رقم (278)، والبيهقي في " السنن "(10/ 90)، وصححه الألباني في " الصحيحة " رقم (168).
(4)
انظر: " المدخل " لابن الحاج (2/ 313).
والإنصات إليه، قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3]،
وقال عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55]، وقال جل
وعلا: وَإِذَا {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].
* * *