المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالثفضل العلماء - الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأولمن أعظم حقوق المسلم صِيانة عرضه، ورعايه حرمته

- ‌أدلة تحريم الغيبة

- ‌تعريف الغيبة:

- ‌حكم الغيبة، والتحذير منها:

- ‌مَا تكون بِهِ الغَيبَة

- ‌أثر الغيبة في الطهارة والصوم

- ‌مستمع الغَيبَة وَالمغتَاب شريكان في الإثم

- ‌الفصل الثانىأولويه الاشتغال بعيوب النفس

- ‌الفصل الثالثوجوب حفظ اللسَانِ

- ‌الكلمة مسئولية:

- ‌فضيلة الصمت:

- ‌الصمت سترٌ للعيوب:

- ‌الموازنة بين الصمت والكلام:

- ‌نصُوصُ السِّنة الشريفة وَآثَارُ السَّلَفِ فَي وُجُوب حفظ اللسان والكف عن أذية الخلق

- ‌الفصل الرابعمجاهدة النفس في ترك الغيبه وحفظ اللسان

- ‌قلة المخالطة وقاية من الغيبة

- ‌الفصل الخامسما يجب على من حضر مجلس غيبة

- ‌المتنزهون عن الغيبة

- ‌الفصل السادس

- ‌كيف التوبة من الغيبة

- ‌استحباب الإبراء من الغيبة

- ‌لطيفة

- ‌كيف التخلص من داء الغيبة

- ‌الأول: علاج الأسباب التي تفضي إِلى الغيبة:

- ‌الثاني: الاشتغال بعيوب نفسه عن عيوب الناس:

- ‌الثالث: مجاهدة النفس على لزوم الصمت:

- ‌الرابع: الفرار من مجالس الغيبة:

- ‌الخامس: استحضار حال المغتاب يوم القيامة:

- ‌السادس: شكر نعمة اللسان:

- ‌السابع: التفكر في أسماء الله الحسنى:

- ‌الثامن: المحافظة على الصلوات، والتشبث بالصدق:

- ‌التاسع: كثرة ذكر الموت:

- ‌الباب الثاني

- ‌الفصل الأولأهمية الأدب وشدة الحاجة إليه

- ‌اهتمام السلف الصالح بالأدب

- ‌من آثار السلف في الحث على التأدب

- ‌ترجيح السلف الأدب على العلم

- ‌حرصهم على ملازمة الشيوخ وَالمؤَدِّبِينَ

- ‌فوائد

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الفصل الثانيمن أدب الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام

- ‌فأحدها:

- ‌ثانيها:

- ‌ثالثها:

- ‌رابعها:

- ‌خامسها:

- ‌سادسها:

- ‌سابعها:

- ‌ثامنها:

- ‌تاسعها:

- ‌عاشرها:

- ‌الحادي عشر:

- ‌الثاني عشر:

- ‌أدب الصحابة رضى الله عنهم مع النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌مِن أدبِ العلماءِ مع النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌فائدة:

- ‌الفصل الثالثفضل العلماء

- ‌أدب الأئمة مع شيوخهم ومع بعضهم البعض

- ‌النصرة والولاء بين العلماء

- ‌وتجلى هذا الولاء في ثناء بعضهم على بعض:

- ‌ وتجلى هذا الولاء في دفاع بعضهم عن بعض:

- ‌وتجلى هذا الولاء في حزنهم لموت الواحد منهم:

- ‌الفصل الرابعالأدب مع العلماء

- ‌فائدتان:

- ‌الأولى: العلم رَحِمٌ بين أهله:

- ‌الثانية: الأدب مع الأكابر خلق مغروز في نفوس البهائم:

- ‌من آداب طالب العلم

- ‌وقال ابن جماعة في آداب المتعلم مع زملائه

- ‌توقير العالم وهيبته

- ‌تواضع الطالب لشيخه

- ‌أدب الطالب عند مخاطبة شيخه

- ‌زجر الطالب الذى حاد عن الأدب

- ‌الفصل الخامسآداب السؤال

- ‌ والأدب خير وسيلة لاستدرار علم الأستاذ:

- ‌مداراة العالم والصبر على جفوته

- ‌تنبيه:

- ‌الأصل في النصيحة الإِسرار بها:

- ‌مراحل تنبيه العالم على خطئه

- ‌الطريقة الأولى:

- ‌الطريقة الثانية:

- ‌الطريقة الثالثة:

- ‌الطريقة الرابعة:

- ‌ذم كثرة السؤال

- ‌آثار السلفية في ذم كثرة السؤال

- ‌بيان ما يُحْمَدُ من الأسئلة وما يُذَمُّ

- ‌أحدهما:

- ‌ثانيهما:

- ‌المواضع التى يكره فيها السؤال

- ‌أحدها:

- ‌وثانيها:

- ‌وثالثها:

- ‌ورابعها:

- ‌وخامسها:

- ‌وسادسها:

- ‌وسابعها:

- ‌وثامنها:

- ‌وتاسعها:

- ‌عاشرها:

- ‌بيان أن النهي في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} مقيد بما لا تدعو إليه حاجة

- ‌الحذر من إبرام الشيخ وإضجاره

- ‌النصوص والآثار في ذم الجدل والمراء

- ‌بيان انقسام الجدال إلى محمود ومذموم

- ‌فالجدال المذموم وجهان:

- ‌أحدهما:

- ‌والثاني:

- ‌فائدة:

- ‌النهي عن الأغلوطات

- ‌الفصل السادسالأدب مع حامل القرآن الكريم

- ‌الفصل السابعالأدب مع الأكابر

- ‌الباب الثالث

- ‌الفصل الأولحرمة العلماء بين أخلاق السلف، وواقع الخلف

- ‌وهاك صورًا من عدوانهم وتطاولهم:

- ‌إِنما نحترمك ما احترمت الأئمة

- ‌الفصل الثانيخطر الطعن علي العلماء وشؤم الحط من أقدارهم

- ‌ ومن مخاطر الطعن في العلماء:

- ‌ ومن شؤم الطعن في العلماء:

- ‌ومن الوقيعة ما قتل

- ‌هدمُ القِمَم طريق مختصر لهدم الإسلام

- ‌الفصل الثالثأسباب ظاهرة التطاول على العلماء

- ‌السبب الأول: تشييخ الصحف، وافتقاد القدوة:

- ‌ التلقي عن المشايخ قارب رئيس من قوارب النجاة *

- ‌أحدهما:

- ‌الطريق الثاني:

- ‌السبب الثاني: استعجال التصدر قبل تحصيل الحد الأدنى من العلم الشرعي بحجة الدعوة:

- ‌السبب الثالث: التعالم وتصدر الأحداث:

- ‌السبب الرابع: الاغترار بكلام العلماء بعضهم في بعض:

- ‌فائدة: من يقضي بين العلماء

- ‌السبب الخامس: الاغترار بمسلك الإِمام ابن حزم رحمه الله في شدته على الأئمة:

- ‌السبب السادس: جهل المنتقدين بأقدار من ينتقدونهم من العلماء:

- ‌السبب السابع: التأثر بفوضوية الغربيين ونعراتهم:

- ‌السبب الثامن: التعصب الحزبي، والبغي، وعقد الولاء على غير الكتاب والسنة:

- ‌السبب التاسع: التحاسد والتنافس على العلو والرياسة:

- ‌لطيفة: إِذا كنت خاملاً، فتعلق بعظيم

- ‌السبب العاشر: عدم التثبت في النقل:

- ‌السبب الحادي عشر: الفراغ:

- ‌السبب الثاني عشر: الجحود وعدم الإِنصاف:

- ‌السبب الثالث عشر: استثمار المغرضين لزلات العلماء:

- ‌الفصل الرابعذلة العالم

- ‌التحذير من زلات العلماء وبيان آثارها

- ‌الموقف المذموم من زلة العالم

- ‌الأولى:

- ‌الصورة الثانية:

- ‌ضوابط الموقف الصحيح من زلة العالم

- ‌أولاً:

- ‌ثانيًا:

- ‌ثالثًا:

- ‌رابعًا:

- ‌كل مجتهد استفرغ وسعه للوصول إِلى الحق استحق الثواب وإِن أخطأ سواء في ذلك المسائل العلمية والعملية

- ‌بين الرجل والمنهج

- ‌الفصل الخامسذم التعالم والتحذير من القول على الله بغير علم

- ‌من العالم

- ‌ويُعرف العالم:

- ‌حتى لا يشتبه العلماء بغيرهم

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الفصل الثالثفضل العلماء

‌الفصل الثالث

فضل العلماء

* العلماء هم أئمة الأنام، وزوامل الإسلام، الذين حفظوا على الأمة معاقد الدين ومعاقله، وحَمَوْا من التغيير والتكدير موارده ومناهله، الذين قال فيهم الإمام أحمد رحمه الله:(يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهلَ العمى، فكم من قتيلٍ لأبليسَ قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه)(1).

قال ميمون بن مهران رحمه الله: " العلماء هم ضالتي في كل بلد، وهم بغيتي إذا لم أجدهم، وجدتُ صلاح قلبي في مجالسة العلماء ".

وقد تواردت أدلة الكتاب الكريم والسنة المطهرة على الإشادة بفضلِ العلماء، والإشارة بعلو مقامهم، فمن ذلك قول الله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، قال ابن عباس رضي الله عنهما:" يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات "(2).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِن الله وملائكته، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحر، ليُصَلُّون على معلم الناس

(1) انظر " أعلام الموقعين "(1/ 9).

(2)

رواه الدارمي في " سننه "(353)، والطبري في " تفسيره، (13/ 18)، والبيهقي في " الشعب " (2/ 261).

ص: 169

الخير " (1).

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: " الخلق كلهم يصلون على معلم الخير، حتى نينانُ البحر "(2).

وعن أنس رضي الله مرفوعاً: " صاحب العلم يستغفر له كل شيء، حتى الحوتُ في البحر "(3).

* والعلماء هم أولو الأمر الذين أوجب الله طاعتهم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

قال ابن عباس وضي الله عنهما: " يعني أهل الفقه والدين وأهل طاعة الله، الذين يعلِّمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على عباده "(4) اهـ.

وعن أبي الأسود قال، " ليس شيء أعزَّ من العلم، وذلك أن الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك "(5).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يسوسون الناس في دينهم ودنياهم، ثم بعد ذلك تفرقت الأمور،

(1) رواه الترمذي (2825)، وقال:" حسن صحيح "، والطبراني في " الكبير "(7912)، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " رقم (1834).

(2)

عزاه الألباني إلى ابن عدي، والجرجاني، والديلمي، فانظر:" الصحيحة " رقم (1852).

(3)

عزاه الألباني إلى أبى يعلى في " مسنده "، وصححه، كما في " صحيح الجامع " رقم (3647).

(4)

رواه الحاكم في " المستدرك "(1/ 123)، واللالكائي (1/ 73).

(5)

انظر: " جامع بيان العلم "(1/ 257).

ص: 170

فصار أمراء الحرب يسوسون الناس في أمر الدنيا والدين الظاهر، وشيوخ العلم يسوسون الناس بما يرجع إليهم من العلم والدين، وهؤلاء أولو الأمر، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به من طاعة الله التي هم أولو أمرها) (1) اهـ.

وقال رحمه الله في موضع آخر: (" أولو الأمر ": أصحاب الأمر وذووه، وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة، وأهل العلم والكلام، فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء، فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس)(2).

وقال تلميذه الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله واصفًا العلماء: (هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض من طاعة الأمهات والآباء (3) بنص الكتاب، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (4)[النساء: 59] اهـ.

قال ميمون بن مهران: " إن مثل العالم في البلد كمثل عينٍ عذبة في البلد "(5).

(1)" مجموع الفتاوى "(11/ 551).

(2)

" السابق "(28/ 170).

(3)

وينبغي أن يكون هذا فيما يتعلق بأمر العلم لا مطلقًا، كما ذكره بعض الشافعية، انظر:" غذاء الألباب " للسفاريني (1/ 338).

(4)

" إعلام الموقعين عن رب العالمين "(1/ 10).

(5)

" جامع بيان العلم وفضله "(1/ 237).

ص: 171

وقد قيل: " مثل العلماء مثل الماء، حيثما سقطوا نفعوا "(1).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: " أي رجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ "، قال:" بابني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف؟ أو منهما من عوض؟ "(2).

قال الإمام أحمد: (الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثًا، والعلم يُحتاج إليه في كل وقت)(3).

وكيف تستغني -ياطالب العلم- عن العلماء؛ والفقهاء منهم (يضبطون عقلك، والمحدثون ينخلون أحاديثك، وجهابذة التفسير يفقهونك في قرآنك، والمؤرخون يعلمونك صعود الأمم وهبوطها على مدار القرون، والأصوليون يدربونك على أستنباط الأحكام، وأرباب اللغة يُقَوِّمون لسانك الأعوج، والربانيون يوصلون قلبك إلى الملإ الأعلى)(4).

* والعلماء هم صفوة البشر على الحقيقة، وهم ورثة أربعة عشر قرنًا من العمل الدؤوب لخدمة الدين.

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإِن العلماء ورثة الأنبياء، وإِن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكنهم ورَّثوا العلم،

(1)" السابق "(1/ 257).

(2)

" سير أعلام النبلاء "(10/ 45).

(3)

" إعلام الموقعين "(2/ 256).

(4)

" أشواك في الحقل الإسلامي " ص (54).

ص: 172

فمن أخذه أخذ بحظ وافر " (1).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نضَّر الله عبدًا سمع مقالتي، فحفظها، ووعاها، وأدَّاها، فرُبَّ حامِل فقهٍ غير فقيه، ورُبَّ حامل فقهٍ إِلى من هو أفقهُ منه "(2) الحديث.

وعن ابن عباس، ومعاوية رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين "(3).

وعن الأوزاعي رحمه الله قال: " الناس عندنا أهلُ العلم، ومن سواهم فلا شيء ".

الناسُ من جهة التِّمثال أكفاءُ

أبوهُمُ آدم والأمُّ حواءُ

فإن يكن لهمُ في أصلهم نسبٌ

يفاخِرون به؛ فالطين والماءُ

ما الفضلُ إلا لأهل العلم إنهمُ

على الهدى لمن استهدى أدِلاء

وقدرُ كلِّ امرئٍ ما كان يُحسنه

والجاهلون لأهل العلم أعداءُ

فاهل العلم هم أصحاب البصيرة الذين أوتوا الحكمة، فهم يقضون بها، ويعلِّمونها للناس، وهم أوفر الناس حظًّا من قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي

(1) رواه الإمام أحمد (5/ 196)، والدارمي رقم (349)، وأبو داود رقم (3641)، والترمذي رقم (2823)، وابن ماجه رقم (223) وصحح البخاري بعض طرقه.

(2)

أخرجه الترمذي رقم (2659)، وقال:" حسن صحيح "، وابن ماجه رقم (232)، والبغوي في " شرح السنة "(1/ 236).

(3)

رواه البخاري (4/ 49)، (8/ 149)، ومسلم رقم (1037) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأحمد (1/ 306)، والترمذي (4/ 137) عن معاوية رضي الله عنه.

ص: 173

أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، وبهذه البصيرة يتفرسون ويستشفون عواقب الأمور، ولا تستفزهم البداءات.

* وهم حُرَّاس الدين، وحُماته من الابتداع والتحريف:

فعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم علي بن أبي طالب، ومعاذ، وابن عمر، وأسامة بن زيد وغيرهم رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يَحمل هذا العلمَ من كل خَلفٍ عدو لُه، يَنْفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويلَ الجاهلين "(1).

وقد قيل لعبد الله بن المبارك: " هذه الأحاديث المصنوعة؟! "، فقال:" يعيش لها الجهابذة "(2).

وعن ابن عُلية قال: (أخذ هارون الرشيد زنديقًا، فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: " لم تضرب عنقي؟ "، قال له: " أريح العباد منك "، قال: " فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ما فيها حرف نطق به؟! "، فقال له الرشيد: " فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري، وعبد الله بن المبارك ينخلانها نخلاً، فيخرجانها حرفًا حرفًا ")(3).

* وهم أولياء الله الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولياء الله: الذين إِذا رؤوا ذُكِر الله "(4).

ومن أعظم مناقب الربيع بن خُثيم رحمه الله قول ابن مسعود رضي الله عنه

(1) صححه الإمام أحمد، وابن عبد البر وانظر تخريجه وتحقيقه في " العواصم من القواصم " لابن الوزير (1/ 308 - 313)، و " تحقيق المشكاة " رقم (248).

(2)

" اللاليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (2/ 472).

(3)

" تذكرة الحفاظ "(1/ 252).

(4)

أخرجه الطبراني في " الكبير "(12325)، وانظر:" السلسلة الصحيحة " رقم (1733).

ص: 174

له: " يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحَبَّك، وما رأيتك إلا ذكرتُ المخبتين "(1).

وقال أبو إسحاق السَّبيعي في شيخه عمرو بن ميمون الأودي: " كان إذا رُؤي ذكر الله "(2).

وكان محمد بن سيرين رحمه الله إذا مَرَّ في السوق، فما يراه أحدٌ إلا ذكر الله تعالى (3).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: من عادى لي وَليًا؛ فقد آذنتُه بالحرب "(4) الحديث.

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: " إن لم يكن الفقهاء أولياء الله؛ فليس لله ولي ".

وقال الإمام الشافعي رحمه الله: " إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة، فما لله ولي "(5).

وكان عكرمة رحمه الله يقول. " إياكم أن تؤذوا أحدًا من العلماء، فإن من آذى عالمًا فقدآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

* والعلماء عصمة للأمة من الضلال، وهم سفينة نوح من تخلَّف عنها -لا سيما في زمان الفتن- كان من المغرقين.

(1)" سير أعلام النبلاء "(4/ 258).

(2)

" تهذيب التهذيب "(8/ 109).

(3)

" تاريخ الإسلام " للذهبي (4/ 193).

(4)

رواه البخاري (11/ 340 - فتح) رقم (6502)، وآذنته: أعلمته.

(5)

" الفقيه والمتفقه "(1/ 36).

ص: 175

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إِن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إِذا لم يُبق عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا "(1).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا: (" خذوا العلم قبل أن يذهب " قالوا: " وكيف يذهب العلم يا نبي الله، وفينا كتاب الله؟ "، قال: (فغضب -لا يغضبه الله- ثم قال: " ثكلتكم أمهاتكم، أو لم تكن التوراة والإِنجيل في بني إِسرائيل فلم يغنيا عنهم شيئًا؟ إِن ذهاب العلم: أن يذهب حَمَلته ")(2).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " أتدرون ما ذهاب العلم؟ "، قلنا:" لا "، قال. " ذَهاب العلماء "(3).

وعنه رضي الله عنه قال: " لا يزال عالم يموت، وأثر للحق يَدْرس، حتى يكثر أهل الجهل، وقد ذهب أهل العلم، فيعملون بالجهل، ويدينون بغير الحق، ويضلون عن سواء السبيل "(4).

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " من سوَّده قومه على الفقه، كان حياة له ولهم، ومن سوَّده قومُه على غير فقه، كان هلاكًا له ولهم "(5).

(1) رواه البخاري (1/ 174، 175)، ومسلم رقم (2673). 175

(2)

رواه الدارمي (1/ 77 - 78)، والطبراني في " الكبير "(8/ 276) رقم (7906)، وانظره ص (256، 262).

(3)

" السابق "(1/ 78).

(4)

" جامع بيان العلم "(1/ 603) رقم (1039).

(5)

" شرح السنة "(317/ 1).

ص: 176

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لا يزال الناس بخيرٍ ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا "(1).

وقال الحسن " موت العالم ثُلْمَة (2) في الإسلام، لا يسُدُّها شيء ما طرد الليل والنهار "(3).

وقال هلال بن خبَّاب: سألت سعيد بن جبير؛ قلت: " يا أبا عبد الله! ما علامة هلاك الناس؟ "، قال:" إذا هلك علماؤهم "(4).

وقال سفيان بنْ عيينة: " وأي عقوبة أشد على أهل الجهل أن يذهب أهلُ العلم؟ "(5).

وقال الحسن البصري: " الدنيا كلها ظُلمة إلا مجالس العلماء "(6).

وقال الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله:

( ..... فما ظنكم -رحمكم الله- بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيَّروا، فقيَّض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس، لا بد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح،

(1)" جامع بيان العلم "(1/ 616)، و " الزهد " لابن المبارك (815)، و " مصنف " عبد الرزاق (11/ 246)، و " حلية الأولياء "(8/ 49).

(2)

الثلمة: الكسر والخلل في الحائط، فاستعير.

(3)

" جامع بيان العلم "(1/ 595).

(4)

رواه الدارمي (1/ 78).

(5)

" شرح السنة "(318/ 1).

(6)

" جامع بيان العلم "(1/ 236).

ص: 177

فبقوا فى الظلمة، فما ظنكم بهم؟

هكذا العلماء في الناس، لا يعلم كثير من الناس كيف أداءُ الفرائض، ولا كيف اجتنابُ المحارم، ولا كيف يُعْبد الله في جميع ما يَعبده به خلقُه إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحيَّر الناس، ودَوَس العلم بموتهم، وظهر الجهل) (1) اهـ.

* * *

(1)" أخلاق العلماء " ص (96).

ص: 178