الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصُوصُ السِّنة الشريفة وَآثَارُ السَّلَفِ فَي وُجُوب حفظ اللسان والكف عن أذية الخلق
عن شَكَل بن حميد رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله؛ عَلّمْني تعوذًا أتعوذ به، قال: فأخذ بكفِّي، فقال: قل: " اللهم إِني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيِّي ")(1).
وكان عبد الله بن الخيار يقول في مجلسه: " اللهم سلمنا، وسلِّم المؤمنين منَّا "(2).
وعن شقيق قال: لبَّى عبد الله رضي الله عنه على الصفا، ثم قال:" يا لسان قل خيرًا تغنم، اسكت تسلم، من قبل أن تندم "، قالوا:" يا أبا عبد الرحمن هذا شيء أنت تقوله أم سمعته؟ " قال: " لا، بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أكثر خطايا ابنِ آدمَ فِي لسانِهِ " (3).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِذا أصبح ابن آدم فإِن الأعضاء كلَّها تكفِّر اللسان، فتقول: اتق الله فينا، فإِنما نحن بك، فإِن
(1) صحيح الترمذي رقم (2775)، صحيح أبي داود (1387).
(2)
" تذكرة الحفاظ "(1/ 139).
(3)
قال المنذري في " الترغيب ": (رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ فى " الثواب " والبيهقي بإسناد حسن) اهـ. (4/ 8)، وقال الألباني في " الصحيحة " رقم (534):" إسناده جيده، وهو على شرط مسلم " اهـ.
استقمت استقمنا، وإِن اعوججت اعوججنا " (1).
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس شيء من الجسد إِلا يشكو ذَرَبَ اللسان على حِدَّته "(2).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل؟ قال:" الصلاة على ميقاتها "، قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: " أن يسلم الناس من لسانك "(3).
وعن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " طوبى لمن ملك لسانه، ووسِعَه بيتُه، وبكى على خطيئته "(4).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم قلت: " يا رسول الله؛ ما النجاة؟ "، قال:" أملِك عليك لسانك، ولْيَسَعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتك "(5).
(1) رواه الترمذي رقم (2407)، والإمام أحمد في " مسنده "(3/ 96)، وزاد نسبته السيوطي في " الجامع الصغير " إلى ابن خزيمة، والبيهقي في " شعب الإيمان "، ورواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " رقم (1)، وأبو نعيم في " الحلية " (4/ 309). ومعنى " تكفر اللسان ": تذل وتخضع له.
(2)
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " رقم (5)، وابن السني في " العمل " رقم (7)، والبيهقي في " الشعب "، واللفظ له، وصححه الألباني على شرط البخاري في " الصحيحة " رقم (535)، وذَرَبُ اللسان: حدته وشَرُّه وفُحشه.
(3)
قال في " الترغَيب "(3/ 523): (رواه الطبراني بإسناد صحيح، وصدرُه في " الصحيحين ") اهـ.
(4)
قال في " الترغيب "(3/ 524): (رواه الطبراني في " الأوسط " و " الصغير "، وحسن إسناده) اهـ.
(5)
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " رقم (134)، والإمام أحمد في " مسنده "(5/ 259) والترمذي (2406)، وحسنه، وانظر:" الصحيحة " رقم (890).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا، (1) يهوي بها سبعين خريفًا في النار "(2).
وعنه رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إِن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيَّن ما فيها، يهوي بها في النار، أبعدَ ما بين المشرق والمغرب "(3).
وسأل معاذ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ " فقال: " ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على
(1) وفي لفظ للبخاري: " لا يلقي لها بالاً " أي: لا يتأملها بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظن أنها تؤثر شيئًا، وهي من نحو قوله تعالى:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)} [النور: 15]، كما في " الفتح "(11/ 311).
(2)
رواه الترمذي رقم (2314)، وقال:" حسن غريب "، والإمام أحمد (2/ 236)، وابن ماجه برقم (3970)، وهو في " صحيح ابن ماجه " برقم (3256).
(3)
رواه البخاري (11/ 308)، ومسلم رقم (2988)، واللفظ له، وفي لفظ البخاري:" ما يتبين فيها "، قال الحافظ:" أي لا يتطلب معناها، أي لا يثبتها بفكره، ولا يتأملها حتى يتثبت فيها، فلا يقولها إلا إن ظهرت المصلحة في القول " اهـ. من " الفتح "(11/ 311).
و (ما) الأولى نافية، و (ما) الثانية موصولة أو موصوفة.
و (قال ابن عبد البر: " الكلمة التي يهوي صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها عند سلطان جائر "، وزاد ابن بطال:" بالبغي أو بالسعي على المسلم، فتكون سببًا لهلاكه "، وإن لم يرد القائل ذلك
…
وقيل: " هي الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها فيما يسخط الله "، قال ابن التين:" هذا هو الغالب، وربما كانت عند غير ذي السلطان ممن يتأتى منه ذلك "، ونقل عن ابن وهب أن المراد بها التلفظ بالسوء والفحش
…
وقال القاضي عياض: " يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنى والرفث، وأن تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو بمجون، أو
استخفاف بحق النبوة والشريعة وإن لم يعتقد ذلك "، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: " هي الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها
…
" اهـ. بتصرف من " الفتح " (311/ 11).
وجوههِم -أو على مناخرهم- إِلا حصائد ألسنتهم " (1).
وعنه رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: " اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، وإِن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله؟ "، قال: " هذا "، وأشار بيده إلى لسانه)(2).
وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت " يا رسول الله حَدِّثني بأمرٍ أعتصم به "، قال:" قل: ربي الله، ثم استقم "، قلت:" يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ "، فأخذ بلسان نفسه، ثم قال:" هذا "(3).
وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا
(1) أصل الحديث رواه معاذ رضي الله عنه؛ قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: " يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار "، قال: " لقد سألت عظيمًا، وإِنه ليسير على من يسَّره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)، ثم قال:" ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تطفيء الخطيئة، كما يطفيء النارَ الماءُ، وصلاةُ الرجل في جوفِ الليل "، ثم قرأ:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)} [السجدة: 16]، حتى بلغ ({جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجده: 17]، ثم قال " ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ " قلت:" بلى يا رسول الله "، قال:" رأس الأمر الإِسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد "، ثم قال:" ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " قلت: " بلى "، فأخذ بلسانه فقال:" تكفُّ عليك هذا "، قلت:" يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به .. ") الحديث، رواه الترمذي (2616)، وقال:" حسن صحيح " والإمام أحمد (5/ 231، 237)، والحاكم (2/ 413) وصححه على شرط الشيخين، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " برقم (2110)، و " صحيح ابن ماجه "(3209).
(2)
قال في " الترغيب "(3/ 532): " رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد " اهـ. وهو في " الصمت " له برقم (22).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (2412)، وقال:" حسن صحيح "، وابن ماجه رقم (3972)، وابن حبان في " صحيحه "(5698).
رسول الله، عظني وأوجز " قال:" إِذا قمت في صلاتك، فصلِّ صلاة مودع، ولا تكلم بكلامٍ تعتذرُ منه غدًا، واجمع الإِياس مما في أيدي الناس "(1).
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِياك وكلَّ ما يُعتذر منه "(2).
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " على كل مسلم صدقة "، قيل:" أرأيت إن لم يجد؟ "، قال:" يعتمل بيديه فينفع نفسه، ويتصدق "، قال: قيل: " أرأيت إن لم يستطع؟ " قال: " يعين ذا الحاجة الملهوفَ "، قال: قيل له: " أرأيت إن لم يستطع؟ " قال: " يأمر بالمعروف أو الخير "، قال:" أرأيت إن لم يفعل؟ " قال: " يمسك عن الشر فإِنها صدقة "(3).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا رسول الله؛ علمني عملاً يُدخلُني الجنة "، قال: " إِن كنت أقصرت الخُطبة لقد أعرضْت المسألة، أعتق النَّسَمَة، وفُكَّ الرقبة .... فإِن لم تطِق ذلك، فأطعم الجائع، وأسْقِ الظمآن، وأْمُرْ بالمعروف، وانه عن المنكر، فإِن لم تُطِقْ ذلك، فكُفَّ لسانَك إِلا عن خير ")(4).
(1) أخرجه ابن ماجه رقم (4171)، والإمام أحمد (5/ 412)، وأبو نعيم في " الحلية "(1/ 462)،وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " رقم (3363)، وانظر:" السلسلة الصحيحة " رقم (401).
(2)
عزاه في " الصحيحة " رقم (354) إلى الضياء في " المختارة "، وحسنه.
(3)
رواه البخاري (10/ 447) ، ومسلم رقم (1009).
(4)
رواه الإمام أحمد (4/ 299)، والطيالسي (739)، وابن حبان (374)، والبيهقي (10/ 272، 273) ، والبغوي في " شرح السنة "(2419)، قال الهيثمي:(ورجاله -يعني أحمد- ثقات)، وصححه الأرناؤوط في تحقيق " الإحسان "(2/ 98).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: " الإِيمان بالله والجهاد في سبيله "، قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: " أنفَسها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا "، قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: " تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق "، قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: " تكف شَرَّك عن الناس، فإِنها صدقة منك على نفسك " (1).
وعن أبي كثير السُّحَيْمِيّ عن أبيه قال: (سألت أبا ذر قلت: " دُلَّني على عملٍ، إذا عمل العبد به دخل الجنة "، قال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " يؤمن بالله "، قال: فقلت: " يا رسول الله، إن مع الإيمان عملاً؟ "، قال: " يَرْضَخ (2) مما رزق الله "، قلت: " وإن كان مُعْدمًا لا شيء له "، قال: " يقول معروفًا بلسانه "، قال: قلت: " فإن كان عَيياً لا يُبْلِغ عنه لسانُه؟ "، قال: " فيعيِنُ مغلوبًا "، قلت: " فإن كان ضعيفًا لا قدرة له؟ "، قال: " فليصنع لأخرق " (3)، قلت: " وإن كان أخرقَ؟ "، قال: فالتفت إليَّ، وقال: " ما تريد أن تدع في صاحبك شيئًا من الخير، فَلْيَدَع الناسَ من أذاه "، فقلت: " يا رسول الله، إن هذه كلمة تيسير؟ " فقال صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده، ما من عبد يعمل بخصلة منها، يريد بها ما عند الله، إِلا أخَذَتْ بيده يوم القيامة، حتى تُدخله الجنة ") (4).
(1) رواه مسلم رقم (136)(1/ 89)، والبخاري في " الأدب المفرد " رقم (220).
(2)
الرضْخُ: العطية القليلة.
(3)
الأخرق: من ليس في يده صنعة.
(4)
رواه ابن حبان رقم (373)، والحاكم (1/ 63)، وصححه، ووافقه الذهبي، وانظر:" الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان "(2/ 96 - 97).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعًا: " أفضل المؤمنين إِسلامًا من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله "(1) الحديث.
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لا تعجبكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدَّى الأمانة، وكفَّ عن أعراض الناس؛ لهو الرجل "(2).
وقال بكر بن عبد الله المُزَنِيُّ رحمه الله: " اجتهدوا في العمل، فإن قَصَّرَ بكم ضعفٌ؛ فكُفُّوا عن المعاصي ".
عن يحيى بن معاذ قال: " ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين: إحداها: إن لم تنفعه فلا تضره، والثانية: إن لم تسره فلا تغمه، والثالثة: إن لم تمدحه فلا تذمه "(3).
وعن عبد الله بن عون رحمه الله قال: " أحب لكم يا معشر إخواني ثلاثًا: هذا القرآن تتلونه آناء الليل والنهار، ولزوم الجماعة، والكف عن أعراض المسلمين "(4).
وقال بعض السلف: " إن ضعفت عن ثلاث فعليك بثلاث: إن ضعفت عن الخير؟ فأمسك عن الشر، وإن كنت لا تستطيع أن تنفع الناس، فأمسِك عنهم ضُرَّكَ، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم، فلا تأكل لحوم الناس ".
* * *
(1) أخرجه ابن نصر في " الصلاة "، وصححه الألباني في " الصحيحة " رقم (1491).
(2)
" تاريخ عمر " لابن الجوزي ص (226) - ط. مكتبة المؤيد.
(3)
" تنبيه الغافلين "(1/ 178).
(4)
" حلية الأولياء "(3/ 41).
ولما كان أحد البواعث على الغيبة شفاء الغيظ بمقابلة العدوان بمثله رغبت الشريعة السمحة في كظم الغيظ، وترك مقابلة العدوان بمثله، فقال تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران: 134].
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخَيِّره من الحور ما شاء "(1).
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون "(2).
وكان أحدهم يقع في عمر بن ذر ويشتمه، فلقيه عمر، فقال:" يا هذا لا تُفرط في شتمنا، وأبق للصلح موضعًا، فإنا لا نكافيء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه "(3).
وقيل: إن رجلاً خاصم الأحنف بن قيس، وقال:" لئن قلتَ واحدة، لتسمعن عشرًا "، فقال:" لكنك إن قلت عشرًا لم تسمع واحدة "(4).
وعن بكار بن محمد السيريني قال: " كان عبد الله بن عون مشغولاً بنفسه
(1) رواه الترمذي رقم (2022)، وأبو داود رقم (4777)، وغيرهما، وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " رقم (6398).
(2)
" الإحياء "(3/ 187).
(3)
" سير أعلام النبلاء "(6/ 389).
(4)
" السابق "(4/ 93).
وما سمعته ذاكرًا بلال بن أبي بردة بشيء قط، ولقد بلغني أن قومًا قالوا له:" يا أبا عون! بلال فعل كذا "، فقال:" إن الرجل يكون مظلومًا، فلا يزال يقول حتى يكون ظالمًا، وما أظن أحدًا منكم أشد على بلال مني "، قال: " وكان بلال قد ضربه بالسياط لكونه تزوج امرأة عربية (1).
وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " التَّقيُّ مُلْجَمٌ، لا يفعل كلَّ ما يريد "(2).
وعن عبد العزيز بن الماجشون: (قال أبو حازم لبعض أولئك الأمراء: والله لولا تبعة لساني، لأشفيت منكم اليوم صدري)(3).
ليست الأحلام في حين الرضا
…
إنما الأحلام وقت الغضب (4)
ودخل عمر على أبي بكر رضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه، فقال له عمر:" مه! غفر الله لك "، فقال أبو بكر:" إن هذا أوردني الموارد "(5).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان "(6).
تَحَفَّظْ منْ لسانك ليس شيء
…
أحقَّ بطول سجن من لسان
أما إذا أطَلقته حُرًّا، فهنالك تكون المهالك:
إن اللسان إذا حللتَ عِقَاله
…
ألقاك في شنعاءَ ليس تُقالُ
(1)" السابق "(6/ 370).
(2)
انظر: " شعب الإيمان " للبيهقي رقم (5788).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (423).
(4)
" الحلية "(327/ 4).
(5)
" الموطأ "(2/ 988).
(6)
" الزهد " للإمام أحمد (162).
فالعقال والقيد أليقُ لكل لسان، وأحوط، وأبرأ، لأنه ليس من أحد يقيلك ويعفيك من سقطاته، إلا الأقل، فانتبه (1).
وقال مالك بن دينار: " كان الأبرار يتواصون بثلاث؛ بسجن اللسان، وكثرة الاستغفار، والعزلة "(2).
وقال الفضيل بن عياض: " ما حجٌّ ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يُهمك لسانك، أصبحت في همٍّ شديد "(3).
وعن عطاء بن أبي رباح قال: " إن من كان قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون أن عليكم حافظين كرامًا كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيدٌ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، أما يستحي أحدكم لو نُشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره وليس فيها شيء من أمر آخرته؟! "(4).
وقيل للمعافى بن عمران: ما ترى في الرجل يقرض الشعر ولقوله؟ فقال: " هو عمرك فأفنه بما شئت ".
وعن يعلى بن عبيد قال: سمعت سفيان الثوري يقول: " لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان، أكنتم تتكلمون بشيء؟ " قلنا: لا، قال:" فإن معكم من يرفع الحديث "(5).
وعن حاتم قال: " لو أن صاحب خَبرٍ جلس إليك، لكنت تتحرز منه،
(1)" فضائح الفتن " ص (34).
(2)
" الحلية "(2/ 377).
(3)
" جامع العلوم والحكم " ص (162).
(4)
" سير أعلام النبلاء "(5/ 86).
(5)
" حلية الأولياء "(7/ 70).
وكلامك يُعرض على الله فلا تحترز " (1).
وقال أبو علي الدقَّاق: " لو كنتم تشترون الكاغد -أي الورق- للحَفَظة لسكتم عن كثير من الكلام "(2).
وقال مالك بن دينار: " لو أن القوم كُلِّفوا الصحف؛ لأقلوا المنطق "(3).
وكان مالك بن أنس يعيب كثرة الكلام، ويقول:" لا يوجد إلا في النساء أو الضعفاء "(4).
وقال الحسن البصري: " يا عجبًا لابن آدم: حافظاه على رأسه، لسانه قلمهما، وريقه مدادهما، وهو بين ذلك يتكلم بما لا يعنيه "(5).
وقال أيضًا: " ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه "(6).
وقال رحمه الله: " لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه "(7).
وقال الفضيل بن عياض: " والله ما يحل لك أن تؤذي كلبًا أو خنزيرًا بغير حق، فكيف تؤذي مسلمًا؟ "(8).
وقال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله: (كنت جالسًا بدهليز دارنا، فأقبل كلب، فقلتُ:" اخسأ كلبَ بنَ كلبٍ "، فزجرني الوالدُ من داخل البيت، فقلت:" أليس هو كلب بن كلب؟ " قال: " شرط الجواز عدمُ قصد
(1)" سير أعلام النبلاء "(11/ 487).
(2)
" شرح الأربعين النووية " الحديث رقم (15) ص (50) ط. دار الصحابة- طنطا.
(3)
" الحلية "(2/ 375).
(4)
" الآداب الشرعية " لابن مفلح ص (37).
(5)
" الزهد " للإمام أحمد (43).
(6)
" الإحياء "(3/ 120).
(7)
" الآداب الشرعية " لابن مفلح ص (40).
(8)
" سير أعلام النبلاء "(8/ 427).
التحقير " فقلت: " هذه فائدة ") (1).
وعن يحيى بن سعيد أن عيسى ابن مريم لقي خنزيرًا بالطريق، فقال له:" انفذ بسلام "، فقيل:" تقول هذا لخنزير؟ "، فقال عيسى:" إني أخاف أن أعوِّد لساني النطق بالسوء "(2).
وقال عاصم بن أبي النَّجود: " ما سمعت أبا وائل -يعني شقيق بن سَلَمة- سبَّ إنسانًا قط، ولا بهيمة "(3).
وعن المثنى بن الصباح قال: " لبث وهب بن منبه أربعين سنة لم يَسُبَّ شيئًا فيه الروح "(4).
وعن عمرو بن مالك أنه سمع أبا الجوزاء يقول: " ما لعنت شيئًا قط، ولا أكلت شيئًا ملعونًا قط، ولا آذيت أحدًا قط "(5).
قال الذهبي: انظر إلى هذا السيد، واقتد به.
وعن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: قال رأيت ابنة الربيع بن خثيم أتته، فقالت:" يا أبتاه " أذهب ألعب؟ "، قال: " يا بُنيتي، اذهبي قولي خيرًا " (6).
وعن بكر بن ماعز، أن الربيع بن خثيم أتته ابنة له، فقالت:" يا أبتاه، أذهب ألعب؟ "، فلما أكثرت عليه، قال بعض جلسائه:" لو أمرتها فذهبت؟ "، قال:" لا يكتب عليَّ اليوم أني آمرها تلعب "(7).
وعن جرير بن حازم قال: ذكر ابن سيرين رجلاً، فقال: " ذاك الرجل
(1)" الرفع والتكميل " للكنوي ص (46).
(2)
أخرجه مالك في " الموطأ " ص (609) ط. الشعب.
(3)
" السير "(4/ 163).
(4)
" نزهة الفضلاء "(1/ 440).
(5)
" السير "(4/ 371).
(6)
أخرجه ابن سعد (6/ 188)، وهناد في " الزهد "(2/ 538).
(7)
" الزهد " لابن المبارك رقم (371) ص (79).
الأسود "، ثم قال: " أستغفر الله، ما أراني إلا قد اغتبته " (1).
وعن الحسن قال: (يخشون أن يكون قولنا: " حُمَيْدٌ الطويلُ " غيبة)(2).
وعن شعبة قال: (قال لي معاوية -يعني ابن قُرَّة-: لو مَرَّ بك رجل أقطع، فقلت: " هذا أقطع "، كان غيبة، فذكرته لأبي إسحاق، فقال: " صدق ")(3).
وعن ثابت البُناني رحمه الله قال: (قال شداد بن أوس لغلامه: " ائتنا بسُفْرتنا فنعبث ببعض ما فيها "، فقال له رجل من أصحابه: " ما سمعت منك كلمة منذ صاحبتُك أرى أن يكون فيها شيء من هذه؟ " قال: " صدقت، ما تكلمت بكلمة مذ بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أزمها وأخطمها إلا هذه، وأيم الله لا تذهب مني هكذا "، فجعل يُسَبّح، ويكبِّر، ويحمد الله عز وجل ")(4).
وعن حسان بن عطية رحمه الله، قال:(كان شداد بن أوس في سفر، فنزل منزلاً، فقال لغلامه: " ائتنا بالسُّفرة نعبث بها "، فأنكرتُ عليه، فقال: " ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت، إلا وأنا أخْطمُها وأزمُّها، إلا كلمتي هذه، فلا تحفظوها عليَّ ")(5).
وعن يزيد بن حَيَّان التيمي قال: (كان يقال: " ينبغي للرجل أن يكون أحفظ للسانه منه لموضع قدمه ")(6).
وقال سلمة بن دينار: " ينبغي للمؤمن أن يكون أشد حفظًا للسانه منه لموضع قدمه "(7).
* * *
(1) انظر الحاشية رقم (5) ص (88).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (212) ص (137).
(3)
" الجامع لأحكام القرآن "(16/ 335).
(4)
" حلية الأولياء "(1/ 265 - 266).
(5)
" حلية الأولياء "(1/ 265 - 266).
(6)
" الصمت " رقم (32).
(7)
" صفة الصفوة "(2/ 57).