الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأشباههم) (1) اهـ.
السبب السادس: جهل المنتقدين بأقدار من ينتقدونهم من العلماء:
وبالتالي لا ينزلونهم منازلهم، ويبخسونهم مكانتهم التي يستحقونها، ولعل أنجع علاج لذلك التعامل المباشر مع العالم، ولحظ سلوكه وسمته وهديه، أو مطالعة ترجمته ومصنفاته إن فاتت لقياه، ومعاشرة تلامذته، وهاك هذه الواقعة.
قال ابن المبارك: (قدمتُ الشام على الأوزاعي، فرأيته ببيروت، فقال لي:" يا خراسانيُ من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة يُكنى أبا حنيفة؟ " فرجعت إلى بيتي، فأقبلت على كتب أبي حنيفة، فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيتُ في ذلك ثلاثة أيام، فجئت يوم الثالث، وهو -أي الأوزاعي- مؤذنُ مسجدهم وإمامُهم، والكتابُ في يدي، فقال:" أيُ شيء هذا الكتاب؟ "، فناولتُه، فنظر في مسألة منها وقَّعْتُ عليها: قاله النعمان، فما زال قائمًا بعد ما أذن حتى قرأ صدرًا من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كُمِّه، ثم أقام وصلَّى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها، فقال لي:" يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ " قلتُ: " شيخ لقيتُه بالعراق "، فقال:" هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه "، قلت:" هذا أبو حنيفة الذي نَهَيْتَ عنه ".
ثم لما اجتمع -الأوزاعي- بأبي حنيفة بمكة جاراه في تلك المسائل، فكشفها له بأكثر مما كتبها ابن المبارك عنه، فلما افترقا قال الأوزاعي لابن المبارك:" غَبَطتُ الرجل بكثرة علمه ووفور عقله، وأستغفر الله تعالى، لقد كنتُ في غلط ظاهر، الزمِ الرجل فإنه بخلاف ما بلغني عنه ") (2).
(1)" الموافقات "(1/ 144).
(2)
رواه الخطيب في " تاريخه "(13/ 338)، وانظر:" أوجز المسالك إلى شرح موطأ الإمام مالك " للكاندهلوي (1/ 88 - 89).
ومما يبين أهمية مخالطة العالم ومعرفة سيرته وتأثير ذلك في حفظ حرمته، قول بعض من ترجم لشيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن أفاض في الثناء عليه:" .. ومن خالطه وعرفه فقد ينسبني إلى التقصير فيه، ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه ".
ومثله قول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " إن الذي يتصدى لضبط الوقائع من الأقوال والأفعال والرجال يلزمه التحري في النقل، فلا يجزم إلا بما يتحققه، ولا يكتفي بالقول الشائع، ولا سيما إن ترتب على ذلك مفسدة من الطعن في حق أحد من أهل العلم والصلاح، وإن كان في الواقعة أمر فادح -سواء كان قولاً أو فعلاً أو موقفًا- في حق المستور، فينبغي أن لا يبالغ في إفشائه، ويكتفي بالإشارة؛ لئلا يكون وقعت منه فلتة (1)؛ ولذلك يحتاج السلم أن يكون عارفًا بمقادير النادر وبأحوالهم ومنازلهم فلا يرفع الوضيع، ولا يضع الرفيع "(2) اهـ.
وقال الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه: " .. واحفظ لكُلٍ منزلته، وأعطهم جميعًا بقسطهم من الحق، فإِن المعرفةَ بالناس بها يصابُ العَدْلُ ".
ألا ما أكثر المواقف العدائية التي بنيت على أساس مبدإ: " سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته "، فترى الرجل منحرفًا عن أهل الفضل بسبب الغواية في الرواية.
فلا تلمهم على إنكار ما نكروا
…
فإنما خُلقوا أعداء ما جهِلوا
(1) ولهذا قال جمهور العلماء: " لا يثبت الجرح إلا مفسرًا مبيَّن السبب، لئلا يجرح بما يتوهمه جارحًا، وليس جارحًا ".
(2)
" ذيل التبر المسبوك " للسخاوي ص (4).